مع توالي الجولات المكوكية لدبلوماسيين أميركيين وغربيين والحديث ليل نهار عن الرغبة في عدم اتساع رقعة الصراع في الشرق الأوسط، تزداد الأمور على الأرض تعقيدا وسط تحذيرات يومية من تفجر الوضع في المنطقة برمتها مع دخول العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة شهره الخامس، إلا أن اللافت هو أن الأطراف ذات الصلة لا تكف عن تصريحات تؤكد فيها الرغبة في وضع حد للأعمال العدائية وإنهاء هذه الدوامة، وإن كانت الممارسات الفعلية تظهر عكس ذلك. وهنا يتبادر للأذهان تساؤل منطقي، وهو من يملك زمام حسم الأمور وطي هذه الصفحة في تاريخ الصراع في الشرق الأوسط، ومن ذا الذي يقتصر حديثه على حيز الاستهلاك الإعلامي في ظل معطيات تشير إلى رغبته في إبقاء الوضع على ما هو عليه. وفي هذا السياق، نشرت صحيفة الجارديان البريطانية مقال رأي يتحدث عن ضرورة إرغام الرئيس الأميركي جو بايدن إسرائيل على إنهاء الحرب. ويرى كاتب المقال محمد بازي، مدير مركز هاجوب كيفوركيان لدراسات الشرق الأدنى، أنه طالما ظل بايدن غير راغب في كبح جماح هجمات إسرائيل على غزة، سيتفاقم صراع الولاياتالمتحدة مع «الميليشيات المدعومة من قبل إيران». وأشار إلى أن الجيش الأميركي شن منذ يوم الجمعة الماضي عشرات الغارات على أهداف في العراق وسورية واليمن، وأن إدارة بايدن صورت موجة الهجمات هذه على أنها رد على الهجوم الذي استهدف قاعدة عسكرية في الأردن في 28 يناير الماضي وأسفر عن مقتل ثلاثة من العسكريين الأميركيين، وكذلك للرد على الهجمات التي يشنها المتمردون الحوثيون على السفن التجارية في البحر الأحمر. واستشهد الكاتب بما قاله بايدن: «إذا آذيت أميركيا، سوف نرد»، وبحديثه عن المزيد من الرد. وقال بازي إن بايدن ،الرئيس الذي سحب ما تبقى من القوات الأميركية من أفغانستان وأنهى حربا عمرها 20 عاما، «ربما يصبح الآن نفس الزعيم الذي يبدأ حربا إقليمية جديدة في الشرق الأوسط ويورط الولاياتالمتحدة في صراع مع إيران والميليشيات المتحالفة معها في العراق ولبنان وسوريا واليمن». وتطرق إلى «تناقض» مواقف الرئيس الأميركي، بعقد مقارنة بين إصراره كمرشح رئاسي وفي أول عام له رئيسا للولايات المتحدة على إنهاء «الحروب اللانهائية» التي أطلقت واشنطن لها العنان بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، وموقفه الآن حيث «يأمل مجددا في الخروج من أزمة في الشرق الأوسط عن طريق القوة العسكرية»، قائلا إن أولويته القصوى هو وكبار مساعديه هي الحيلولة دون اتساع نطاق الحرب التي تخوضها إسرائيل في غزة وتحولها إلى صراع إقليمي أوسع. وربما تراهن الولاياتالمتحدة على قوتها العسكرية المتعاظمة وأنها ستكون بمثابة رادع يوقف الجماعات المتحالفة مع إيران من شن هجمات جديدة تستهدف المصالح الأميركية في المنطقة، بحسب مراقبين. وبالتوازي مع ضربات الولاياتالمتحدة العسكرية وحديثها في الوقت نفسه عن عدم الرغبة في التصعيد أو الانخراط في مواجهة عسكرية مباشرة مع إيران،ووسط مساع لتأمين الإفراج عن الرهائن الذين تحتجزهم حماس وشروط هنا وإملاءات هناك لإبرام صفقة تتضمن وقفا لإطلاق النار، يبرز الدور الأميركي في مساعدة إسرائيل على الاستمرار في حربها. ويقول بازي: «دون جسر جوي ضخم للأسلحة الأميركية منذ أكتوبر، لنفد ما لدى إسرائيل من قنابل لتسقطها على غزة». ويرى الكاتب أن «بايدن يتحاشى أقصر الطرق لتجنب التصعيد الذي يخشاه، ألا وهو حجب المساعدة العسكرية الأميركية التي يقدمها لتل أبيب»، حتى تقبل حكومة بنيامين نتنياهو بوقف إطلاق النار وتنهي حربها على غزة. واعتبر أن ذلك هو أكثر الطرق تأثيرا لنزع فتيل التوتر على الجبهات كافة. ويقول بازي إن بايدن يتمتع بنفوذ كبير على نتنياهو ، «الذي يحاول إطالة أمد الصراع وتوسيع نطاقه لتجنب التحقيق فيما إذا كان بإمكان حكومته منع هجمات حماس وسلسلة من تهم الفساد الشخصي التي امتدت عبر المحاكم الإسرائيلية لسنوات». ويشير كاتب المقال إلى أن الأمر لا يقتصر على إدارة بادين، وأن الإدارات الديمقراطية والجمهورية المتعاقبة في الولاياتالمتحدة «زودت إسرائيل بأكثر من 130 مليار دولار من المساعدات العسكرية منذ تأسيس الدولة الإسرائيلية عام 1948». وأضاف: «بعد هجمات أكتوبر، سارع بايدن إلى مطالبة الكونجرس بالموافقة على أسلحة جديدة لإسرائيل بقيمة 3ر14 مليار دولار. وفي حين أن هذه الحزمة لم تتم الموافقة عليها بعد من قبل المشرعين الأميركيين، تجاوزت إدارة بايدن مراجعة الكونجرس لتجديد المخزونات الإسرائيلية بسرعة. وفي ديسمبر ، لجأت الولاياتالمتحدة مرتين إلى تفعيل أحكام الطوارئ لشحن عشرات الآلاف من قذائف المدفعية وغيرها من الذخائر إلى إسرائيل». واستشهد بازي بتقارير نشرت في الصحافة الإسرائيلية مؤخرا بشأن «نقص عالمي في الذخائر» كشفت عنه حرب أوكرانيا، وأن إسرائيل لم تكن لتستطيع مواصلة قصفها لغزة بدون الإمدادات الأميركية. ونقل عن مصادر إسرائيلية ، لم يسمها ، أن واشنطن زودت تل أبيب بأكثر من 25 ألف طن من الأسلحة على متن 40 سفينة و280 طائرة منذ أكتوبر. وعقد بازي مقارنة بين موقف بايدن من تزويد إسرائيل علانية بهذا الكم من الأسلحة، واتهاماته لإيران بالمسؤولية عن الهجوم الذي أودى بحياة العسكريين الأميركيين الثلاثة من خلال تزويدها لمنفذي الهجوم بالأسلحة. وتساءل عن دور واشنطن في مقتل نحو 28 ألف فلسطيني إذا كان التزويد بالأسلحة هو دليل الإدانة. وإذا كانت واشنطن ترى أن وقف إطلاق النار الشامل في الوقت الحالي «ليس هو النهج الأفضل»، يرجح محللون أن الوضع الراهن غير قابل للاستمرار على الرغم من محاولات أميركية غربية لصرف الأنظار عن فاتورة باهظة لتلك الحرب غير المسبوقة بحديث عن حل الدولتين وليس وقف الحرب، لاسيما مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية وتزايد الضغوط داخليا على حكومة نتنياهو في ظل عدم تحقيق تقدم ملموس في ملف القضاء على حماس أو الإفراج عن الرهائن أو حتى وقف إطلاق الصواريخ من القطاع.