الهزة التي أحدثتها شركة "أوبن إيه آي"، عبر إطلاقها لمنصة "تشات جي بي تي" نهاية عام 2022 وبدء التواصل المذهل بين البشر وروبوتات الدردشة على نطاق شعبي واسع، ربما تؤرخ لمرحلة مفصلية في حياة البشرية، فبالإضافة إلى كونها استحدثت هذا الجسر التواصلي بين البشر وبين الروبوتات، فقد ساهمت في تسريع مشاريع الذكاء الاصطناعي بشكل مثير، لذا تسابقت كبرى الشركات مثل غوغل ومايكروسوفت للدفع بمشاريعها المماثلة لكي لا تصل متأخرة، ثم توالت الدول المتقدمة تكنولوجيا للدفع بنماذجها أيضا؛ بايدو الصينية ونافير الكورية وياندكس الروسية جميعها أعلنت عن نماذجها، ونتج عن ذلك تخلق الملامح الأولية لعالم ما بعد الذكاء الاصطناعي، ورغم الجدل الكبير والعقيم حوله؛ إلا أن عجلة هذا العالم تدور وتطحن ما يقف أمامها، ولن تقف أمام أي معارضة، فالوحش خرج من القمقم، ولن يعيده إليه أحد طالما بقيت الحضارة البشرية. لم يكد العالم يستوعب هذا اللاعب الجديد الذي دخل حياته، حتى أعلنت شركة أبل عن جهازها الجديد "أبل فيجن برو" والذي رغم أنه ليس الأول من نوعه، لكنه نسخة مطورة من فكرة لطالما حاولت كبرى الشركات طرحها ولم تجد القبول المطلوب. منتج أبل الجديد يبدو أنه في طريقه إلى تغيير قواعد لعبة الحوسبة المكانية، إذ يعد قوة إضافية تدفع بالبشرية نحو العيش في العالم الموازي، وإذا كنا قد سئمنا من العزلة التي نعاني منها بسبب وسائل التواصل الاجتماعي وإدماننا على هواتفنا وتطبيقاتها المغرقة في المتعة، فيجب أن نعلم أننا مازلنا على أطراف العزلة ولم ندخلها بعد، إذ إن هذه المتحولات الجديدة في عالم التقنية تشدنا بقوة إلى عالم موازٍ مليء بالمتاهات التي تسيطر عليها الشركات الكبرى، وتجعل من الصعب العودة منه أو التنازل عنه؛ تماما مثل الشعور الذي ينتابنا عندما نضطر لترك هواتفنا بضع ساعات. وكما أسلفت، البشرية مازالت على أعتاب هذا المجتمع الجديد الذي يختلط فيه العالم الواقعي بالافتراضي، وإذا كانت إرهاصات البداية تحفل بالكثير من المزج ما بين العالمين، فالمستقبل الحتمي هو النزوح الكلي لعالم الميتافيرس الافتراضي، ولا يزال للمفاجآت بقية، لكن الحياة الطبيعية الحسية بأصالتها وجمالها رغم قسوتها، ستأخذ في التضاؤل شيئا فشيئا. وكل ذلك بسبب رغبات البشر التي لا تنتهي، ونزعتهم نحو الهروب من واقعهم نحو المزيد من المتع التي تجيد التكنولوجيا توفيرها لهم.