«نقطة تحول» رواية بقلم الكاتب المصري محمد أمين، ونُشرت عن دار «الوصل» للطباعة والنشر مطلع عامنا هذا (2024م)، وهي من ثمار معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي أُسدل عليه الستار مؤخراً، بعدما استكمل أنشطته وحقق أهدافه المرجوّة. ويروي الكتاب في صفحاته حكاية الفتى اليتيم «طارق» والمصاعب التي مر بها منذ كان في التاسعة من عمره إلى أن كبر وتزوج محبوبته «زينة». أسرة «طارق» مُحبة تتكون من والدته التي تعمل ليلاً ونهاراً لتوفر لقمة العيش، ومن الجدة الحنونة التي انتقلت إلى سكن العائلة بعد وفاة الوالد، ومن شقيقته وشقيقه. وتعلُّق البطل «طارق» وتأثُّره بأمه واضح منذ البداية حتى النهاية، فهو يصفها بأنها «نعم الأم والسند في هذه الدنيا»، وهي «تعيش ما تبقى من عمرها لأبنائها فقط، وتعمل ليلاً ونهاراً كي لا تُقصر في تربيتهم وتعليمهم، وكأن الأب لم يمت». يتسم الفتى بكثير من الصفات النبيلة، فقد اختار عندما بلغ من العمر ثلاثة عشر عاماً أن يقضي إجازته الصيفية في العمل وكسب الرزق عوضاً من الراحة، وهذا الأمر صدَم والدته فسألته: «لماذا يا بُني؟ هل شعرت بأي تقصير؟»، ويردّ الصغير على سؤال أمه بحذَر: «أبداً يا أمي لم أشعر بأي تقصير. ولكني أردت ذلك لشعوري بالملل طوال فترة العطلة التي أقضيها داخل المنزل، فقررتُ أن أستغل ذلك للقيام بشيء مفيد». ويتجلى نمو الشخصية في حواره مع والدته وردة فعله الرصينة والحكمة النادرة في سنه الناشئة، وحرصه على كسب الرزق واستغلال الوقت بشكل إيجابي. كان انضمام «طارق» إلى العمل في متجر أحذية «العم راشد» نقطة تحول في حياته، أي أنه لم يعد ذلك اليتيم، بل أصبحَ رجلاً مسؤولاً. ولم يكن يعمل بجد وحسب، بل كان فطناً خَلوقاً؛ وهذا كان سبب تعلق زملائه ومديره به. وكان «العم راشد» يُثني عليه لدى أمه ويقول لها: «لكِ مني كل الاحترام على هذا الشيء الجميل لما له من أخلاق وأمانة ووجه بشوش مألوف لكل من ينظر إليه ولو لأول مرة». يخبرنا الكاتب هنا أن النجاح في الحياة لا يقتصر فقط على الكفاءات المهنية، بل يتطلب أيضًا أخلاقًا قوية وعلاقات إيجابية، وهو أفضل مثال على كيفية الجمع بين كفاءة العمل والأخلاق وأهميتها في بناء مستقبل مشرق. لطارق طموح أكاديمي ووظيفي عالٍ، يتجلى في تطلعه للنجاح الأكاديمي في مستوى درجاته المتميز وإصراره على الالتحاق بالمراكز التعليمية: «سيبدأ العام الدراسي كالمعتاد، ولكني لن أعتمد على الدروس الخاصة؛ لأنها عالية الثمن، فهناك الكثير من المراكز التعليمية التي تقوم بتدريس كل المواد التعليمية وبأسعار بسيطة». ومن ناحية أخرى يظهر طموحه الوظيفي في استمراره في العمل بعد انتهاء الدراسة الثانوية، وفي رغبته في بناء مسار وظيفي ناجح. وبعد تخرجه من الثانوية العامة بنسبة عالية قرر أن يلتحق بكلية الحقوق «لطموحه الشديد في أن يكون ذا منصب كبير بعد الجامعة». يصف محمد أمين حياة «طارق» بأنها رحلة مليئة بالتحديات والانتصارات، فبعد تخرجه من الجامعة واكتسابه المعرفة والمهارات في مجال الحقوق واجهَته تحديات جديدة عندما قابل «زينة»، الشابة التي اختارها لتكون شريكة حياته، ويُعد زواجه نهاية سعيدة لهذا العمل، وختاماً لمِحَنه ومصائبه، وقدّم رسالة قوية لوالدها يعبّر في عن مشاعره: «أخبر طارق والدها وطمأنه بأن زينة هي العوض الأكبر من الله له عن كل شيء صعب مر به طوال حياته». تهدف هذه القصة إلى إلهام قرائها عبر حياة الشخصية الرئيسة، وسعى كاتبها محمد أمين إلى تقديم رسالة إيجابية في أحداث الرواية، ويُظهر العمل تفاؤله وتشجيعه القارئ الشاب على الصمود وعدم الاستسلام أمام التحديات، فهو يدعو إلى عدم الاعتذار ب»سوء الحظ»، ويحث على الكفاح سعياً إلى تحقيق الأحلام، ويهدي إصداره «إلى كل من تسكنه أمنية يسعى جاهداً لتحقيقها». وقد عثرت في صفحات الرواية بعض الملحوظات التقنية والفنية، منها أنها لم تُقسم إلى فصول، ولم تُستخدم فيها علامات الترقيم بشكل كافٍ، ويمكن أن يؤثر هذا سلبًا في تجربة القارئ، فهو يعوق فهم التسلسل الزمني للأحداث. كما توجد أخطاء لغوية قد تشوب جودة النص كعبارة: «قابله العم راشد بابتسامه كبيرة فاتحاً زراعيه»، وهذا النوع من الأخطاء متكرر في الرواية. إضافة إلى أن الكتاب مخروم من آخره؛ فقد نسي الناشر إضافة الملزمة الأخيرة من العمل إلى النسخ المطبوعة، وقد حصلتُ عليها بطريقتي الخاصة، ولولا ذلك لما استطعت تكوين تصور كامل عن الرواية. *كاتبة ومترجمة. غلاف الرواية