ما ذنب الحياة في مشكلاتنا وتعبنا، وما حجمها في أرواحنا لنلقي اللوم عليها.. وهي كما خلقها الله عز وجل لا تسوى عند الله جناح بعوضة.. ونحن ندرك أن الحياة الآخرة هي مبتغى كل عاقل.. الحياة لا صوت لها إلا من خلالنا، ولا صدى لها إلا عبرنا لكنها صامتة ليس كما يدعي البعض أنها صاخبة بل أنت الذي تصخب في داخلك ولا تتوقف عن إظهار ما تحتاجه من تجارب حتى تنضج، لكي لا تتخلف فإن الواهم وعيه يتراجع بشدة، ولنتذكر أن التأمل لغة التدبر وصوت الإحساس، ونحن نعيش في حالة نشاط، وطاقة من التبدل.. والصمت قانون الوعي، ونظام الإدراك. لم تعد الحياة تدهشني، فمتى تفرغ جعبتها من المفاجآت؟ يزعم البعض الراحة لو يصبح المستقبل متوقعاً ومعروفاً.. ولكن أجزم أنه لن يكون مقبولاً بمرارته وفرحه.. أحياناً يكون نبض قلوبنا يحاكي نبض الحياة المتسارع، وغالباً تتباطأ مشاعرنا، وتتأخر أحاسيسنا خلفها.. حتى تنقطع أنفسنا من اللهث وراءها محاولين عبور تلك الجسور القصيرة من أقصى محطات الحزن إلى أقصى محطات السعادة، ونجتهد في أن نصالح الزمن، ونعاكس كل التيارات الجارفة لنا. نواجه الأحداث الروتينية، ونصارع تلك الرتابة.. ربما نجد الحياة هي الميناء، وهي السفينة، وأحياناً هي البحر، وهي الغرق مليئة بالخفايا قدر المكشوف، ومكشوفة الزوايا قدر المخفي.. فيها من المألوف مثل المستغرب، وبها من الغريب مثل المعروف، وفيها من الوضوح قدر الغموض، ومن الغموض قدر الوضوح.. هي أقرب للتناقض، وأدنى من التآلف.. تلك الحياة التي نعرف أننا لا نعرفها، وندرك أن الله وحده عز وجل خالقها هو من يدركها. من يتشبع بالحياة ويعشقها يملّها، من يجعلها في قلبه سيتخبط.. وتبقى هي طاقة العيش المتفجرة التي يحاول هذا الإنسان أو ذاك في تطويعها ليكون سعيداً في قناعته، وراضياً في داخله، ومتشبعاً منها في فكره وجسده. كم من البشر يعيش بلا حياة حقيقية، وكم من الناس من يحيا بلا عيشة ومع ذلك الكل يظن أن الحياة هي مساحته وحده. منذ الأزل والإنسان يبحث عن حياة وهناك من بحثت عنه الحياة، فمنهم من وجد حياة ولم يهنأ، ومنهم من وجد الحياة الرغيدة وهنأ بها.. من لم يربط الإيمان بقلبه فقد انصرفت عنه الحياة الرغيدة إلى حياة غير معرفّة محاطة بالتوتر، والاهتزاز النفسي. مشكلتنا أننا دوماً ما نحرص ونهتم بما نبحث عنه ولا نلتفت لمن يبحث عنا.. ونريد ما لدى الآخر مع أن الآخر يريد ما لدينا.. مشكلتنا أننا لا نرى الحياة وهي تسع الناس كلهم بجميع ما فيها. ما ذنب الحياة في مشكلاتنا وتعبنا، وما حجمها في أرواحنا لنلقي اللوم عليها.. وهي كما خلقها الله عز وجل لا تسوى عند الله جناح بعوضة.. ونحن ندرك أن الحياة الآخرة هي مبتغى كل عاقل. تبقى علينا أن نفهم طبيعتنا، ونسعى لاكتشاف حقيقة حياتنا الدنيا بجميع حواسنا وألا نزرعها في كوامننا.. لنجعل لكل مرحلة في حياتنا خصوصيتها، وسماتها، وملامحها المناسبة، وكذلك متعتها المفروضة المقبولة. ونعرف أن لكل منّا حياة في الحياة.. وشيء من الرحيل. ويبقى القول: حتى أوهامنا المزعجة هي ظنون خرساء تنشب في مساحة وعيك المتردد، وإدراكنا المهزوم.. هذه حياتنا وحولنا حياة وبجانبنا حيوات لكن لك دروب خاصة، ومسيرة نقطعها بقلوبنا وعقولنا على راحلة صمت، وزاد تأمل، وميرة تدبير.. رحلة خاصة بنا فيها أحداث كتبت لنا وحدنا دون غيرنا.. فعلينا أن نقرأها بوعي، ونرددها بانتباه، ونترنم بمنفعتها من خلال صمتنا الصاخب، وصخبنا الصامت.