تزداد أهمية وتحديات الأمن الوطني أكثر من السابق، مما يبرز الحاجة الملحة إلى استراتيجيات دفاعية مبتكرة وفعّالة، تشبه ظروفها وتحدياتها، في ظل وجود تغيرات تقنية وديناميكية متسارعة. في نسختها الثانية، تطلق الهيئة العامة للصناعات العسكرية السعودية «معرض الدفاع العالمي 2024»، وتقدمه كأنموذج حديث ورائد للتخطيط الاستراتيجي والابتكار في مجال الصناعات الدفاعية والأمنية. يحظى المعرض بنقاط أهمية متعددة، لكن أبرزها تنظيمه في المملكة العربية السعودية، التي تتمتع بموقع جغرافي استراتيجي يربط بين الشرق والغرب، ما يجعلها نقطة التقاء مهمة لصناع القرار في مجال الدفاع والأمن على المستوى العالمي. هناك رؤية سعودية طموحة وعمل متكامل جاد يعكس الالتزام الدائم لتعزيز القدرات الدفاعية والأمنية، وكذلك المساهمة الفعالة في الساحة الدولية لصناعة الدفاع والأمن. وأقل ما يؤكد الأفكار والمعلومات هي الأرقام، في النسخة الأولى من المعرض تحديدًا، وفقًا للمنشور؛ شاركت 600 جهة عارضة من 42 دولة، واستقطاب الحدث لأكثر من 80 وفدًا عسكريًا، فضلًا عن حضور 65 ألف زائر يمثلون 85 دولة. كما شهد المعرض عقود شراء عسكرية ودفاعية بين الجهات المحلية والدولية بقيمة إجمالية تُقدر ب29.7 مليار ريال سعودي، مما يعكس مدى الأهمية والتأثير الذي يتمتع به هذا الحدث على الصعيد العالمي. يمكن القول إن التكنولوجيا المتقدمة تقف في صدارة اهتمامات المملكة، حيث تستثمر الهيئة العامة للصناعات العسكرية بكثافة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، مواكبة للثورة التكنولوجية التي تشهدها الصناعات الدفاعية عالميًا. الروبوتات، والتحليلات الضخمة، والحوسبة السحابية تُعتبر أيضًا ركائز أساسية في هذا السعي نحو التطور؛ مما يعكس التوجه نحو تعزيز القدرات العسكرية والأمنية بأدوات عصرية وفعالة. في الوقت نفسه، تبرز الصناعات الهجينة كجزء أصيل من هذه الاستراتيجية، حيث السعي الواضح لدمج التكنولوجيا العسكرية مع المدنية. وأعتقد أن هذه الخطوة لا تساهم في تطوير منتجات وحلول مبتكرة وحسب، بل تُعد أيضًا تعزيزًا للاقتصاد الوطني وتنويع مصادره. كما يحظى مجال التصنيع الذكي بتموضعه الخاص، من خلال استخدام التقنيات الحديثة كالإنترنت الصناعي للأشياء والروبوتات المتقدمة؛ مما يُحسن من عمليات التصنيع والإنتاج، ويعزز الكفاءة والجودة. كما أن التركيز على الطائرات بدون طيار والروبوتات يُعد مثالًا على التنوع والتطور في استخدامات التكنولوجيا العسكرية. ومواكبة لأبرز الأولويات العالمية، حضر الاهتمام الواضح للاستدامة واستخدام الطاقة النظيفة في الصناعات الدفاعية، حيث تشمل هذه الجهود تطوير تقنيات الطاقة البديلة والحفاظ على البيئة؛ مما يُظهر التزام المملكة بالمسؤولية البيئية والاستدامة. تمثل هذه الفعالية أكثر من مجرد عرض للتقنيات المتقدمة؛ إنها تعكس رغبة المملكة بتبني الابتكار والتطوير كركائز أساسية للأمن الوطني والإقليمي والاستقرار العالمي، من خلال الجمع بين التكنولوجيا العسكرية والمدنية، وتعزيز قدرات الأمن السيبراني، والاستثمار في التصنيع الذكي والاستدامة.. تسير المملكة بخطى ثابتة نحو ريادة مستقبلية في مجال الدفاع والأمن. والسلام..