يتألق اسم هارولد بلوم بشكل استثنائي في عالم الأدب والنقد الأدبي الغربي، فهو أحد أهم نجوم النقد الأدبي الغربي في القرن العشرين، وتركت إسهاماته الثمينة بصمة عميقة في فهم وتحليل أعمال الأدب الكلاسيكي والمعاصر. وتميز هارولد بلوم بكونه قارئًا نهماً، وبعقليته وفهمه للأدب سخّر حبه للقراءة في خدمة النقد الأدبي الغربي وتعليمه وألّف أكثر من 50 مؤلفاً على مدى حياته، ودرس في عدة جامعات أبرزها هارفارد. ولا تقتصر إسهامات بلوم على كتاباته النقدية وحسب، فهو يروج لفهم أعمق للنصوص الأدبية، ويشجع على استكشاف أبعاد الأعمال الأدبية، ويحث القراء في كتابه «كيف نقرأ ولماذا؟» على الاستفادة القصوى من القراءة، إذ يؤمن بأن القراءة والحفظ أساس قدرة الإنسان على التفكير. وإذا كان الإنسان يقرأ أعمالاً تافهة فستصبح أفكاره تافهة أيضاً. إذن فبلوم يشجع على قراءة الأعمال الأدبية التي تطرح تحديات فكرية وتثير التساؤلات، ومِن ثم تنمي الفهم والتفكير النقدي. ويحدد بلوم في كتاب «كيف نقرأ ولماذا؟» ما يدفع البشر غريزياً نحو القراءة: «نقرأ لأننا نحتاج أن نعرف أنفسنا أفضل، ونحتاج إلى المعرفة، لا معرفة أنفسنا أو الآخرين فحسب، بل إلى أن نعرف الحالة التي تكون عليها الأشياء. لكن أقوى وأصدق دوافع القراءة العميقة تبعاً للقانون التقليدي الذي يساء استخدامه كثيراً الآن هو البحث عن متعة صعبة». ثم ينتقل ليقدم نصيحة للقارئ: «اقرأ بعمق، لا لكي تؤمن أو تقبل، ولا من أجل المعارضة، بل لكي تتعلم كيف تشارك في هذه الطبيعة الواحدة التب تكتب وتقرأ». ويعد بلوم قارئاً تقليدياً بجدارة، فهو يأسف لذائقة القارئ المعاصر ويعبر عن استيائه من ال35 مليون شخصاً الذين اختاروا قراءة سلسلة كتب «هاري بوتر» في مقابلة على برنامج تشارلي روز الحواري: «هذه كتب فارغة لا تستحق القراءة. إنها سلسلة من العبارات المبتذلة، ولا أعتقد أنها تنفع قارئها. ويعتذر البعض ويقولون لي: على الأقل الطفل يقرأ، وإجابتي هي أن قراءة كتب مثل هذه لا تُحسب قراءة». ويرشح كتباً مثل رواية «الريح في الصفصاف» لكينيث غراهام، ورواية «شبكة شارلوت» لإلوين بروكس وايت، ليتذوق الصغار أدب الطفل الأصيل عوضاً من «التفاهات» الرائجة في قوائم أكثر الكتب مبيعاً في هذا العصر. ويحدد بلوم في كتاب «التقليد الغربي مدرسة العصور وكتبها» بتفصيل الأعمال التي تستحق أن تُصنف أدباً، ويسأل: «ما الذي يجعل مؤلفاً، أو يجعل أعماله جزءاً من التقليد المعترف به؟» ويجيب: «الجواب هو الغرابة، والأصالة الإبداعية، التي إما أنها لا يمكن تمثّلها، أو أنها تُمثلنا لدرجة أننا لا نعود نراها غريبة». ويصف الشعور العظيم الذي يراوده عند قراءة أعمال مثل «الكوميديا الإلهية» و»فاوست» و»عوليس» و»الحاج مراد»: «حين تقرأ عملاً قوياً للمرة الأولى فإنك تُصدم بالغرابة أو بدهشة مروعة». وعند بلوم أن شكسبير أعظم كاتب وُلد أو سيولد، وشكسبير هو التقليد نفسه الذي أرسى معايير الأدب وحدودها، ودانتي هو أقرب من ينافسه في مكانته في التقليد الغربي. ويُصنف أعمالهما مركزاً ل»التقليد الغربي»؛ لأنهما «يبزّان كل الكتاب الغربيين الآخرين في مستوى الرفاهية المعرفية، والطاقة المعرفية، والقوة اللغوية». وينتقد بلوم بأسف الوسط الأدبي: «أجد أنني وحيد هذه الأيام في دفاعي عن القيمة الجمالية، بيد أن أفضل الدفاع هو تجربة قراءة «الملك لير»، ثم رؤيتها تُقدم على خشبة المسرح على نحو محكم. لا تستمد المسرحية زخمها من أزمة في الفلسفة، ولا يمكن تفسير قوّتها بوصفها تعمية رَوجت لها، بشكل أو بآخر، المؤسسات البرجوازية. ومن علامات الانحطاط في الدراسات الأدبية أن يعتبر المرء شاذاً لاعتقاده بأن المنحنى الأدبي ليس معتمداً البتة على المنحنى الفلسفي، وأن المنحنى الجمالي لا يمكن اختزاله بالأيديولوجيا أو الميتافيزيقيا. إن النقد الجمالي يعيدنا إلى استقلالية الأدب المتخيل، وسيادة الروح الوحيدة، وإلى القارئ، ليس بوصفه شخصاً في مجتمع، بل ذاتاً عميقة». *كاتبة ومترجمة كتاب التقليد الغربي