هناك فرق بين التعصب والانتماء الرياضي، فالانتماء نوع من الحب المتزن مع أمنية الفوز وتحقيق الألقاب للفريق الذي ينتمي له المشجع من غير تعدٍ على الآخرين أو التجاوز عن مألوف التشجيع والانتماء. أما التعصب الرياضي فله مراتب وخطوات تبدأ من بعد نقطة الانتماء وهو الحماس الزائد والتفاعل مع ذلك الفريق حتى يرى حسنه حسناً وسيئه حسناً، والأمر إلى هذا الحد مقبول بعض الشيء، ما دام أن المتعصب لم يتجاوز على الآخرين. التعصب المقيت هو ذلك التعصب الذي يتجاوز به المتعصب على الأشخاص والهيئات واللجان وهذا النوع يعتبر مرضًا مستعصيًا سقط فيه الكثير من باب حب المناكفات والانتصار الذاتي الشخصي حتى لو كان المتعصب يعلم أن هذا الانتصار في المناكفات مبني على معلومات وشواهد وتواريخ كاذبة ليس لها الأصل ولا حقيقة. التشجيع المتزن هو الأصل في المجتمعات، والاحتقان المذموم هو السلوك الدخيل الذي يدخل على المجتمع الرياضي فيتحول إلى فيروس خطير سريع الانتشار قوي التأثير يصيب القلب فيضعفه والبصر فيعميه ويطلق اللسان لقذائف السب والشتم والانتقاص والتشكيل والدخول في الذمم. يعود سبب انتشار ذلك الداء في بعض أفراد المجتمع إلى تعدد وسائل التواصل الاجتماعي بين المتعصبين، حيث يسهل نقل وتبادل المقاطع والأخطاء غير المقصودة من الحكام أو اللجان وتهويله وتجيرها على إنها مسلمات. ساعد ذلك أيضًا ظهور بعض من الإعلاميين لا يجيدون من الإعلام إلا الدفاع عن الميول والألوان التي ينتمون لها أو مكلفين بالدفاع عنها. قد يغيب الضمير والحس الإعلامي عند البعض فيفقد الإعلام مهنيته ورونقه ويفقد الإعلامي شخصيته وقيمته وهيبته الإعلامية بنزوله عن منصة الإعلام وتنازله عن صدقه ومهنيته ليصبح مشجع مفوه نزل مباشرة من المدرج للقناة لتنقل لنا استماتته عن هذا الفريق أو ذاك بمجرد كلام إنشائي خالٍ من الحقائق والأرقام والأدلة والبراهين ليبث سموم التعصب المقيت في النشء. وقفة: فقدت صاحبي المتعصب، صاحب الابتسامة العريضة والنكتة البريئة من سنوات حتى على مواقع التواصل الاجتماعي، وانقطعت أخباره، وقد اشتقنا له كثيرًا فقد كان شخصًا متميزًا من بين الزملاء بدماثة أخلاقه وحلاوة أسلوبه، حتى يأتي ذكر فريقه المفضل فنفقده ونفقد تعامله، وفي أول يوم التقينا فيه سألته عن سبب انقطاعه وابتعاده فما كان منه إلا أن سرد لي بصوت حزين قائلًا: لم يترك لي التعصب صديقًا ولا أنيسًا ولا قريبًا فرأيت العزلة علاجاً لي وإراحة الناس من بعض الأذى النفسي الذي قد أسببه لهم.