ذهبتُ في نهاية العام الماضي إلى لوس أنجلوس لدراسة النحت على يد فنانٍ أرجنتيني، في بداية أيامي هناك شعرتُ بالوحشة قليلًا ولكن سرعان ما تبدد هذا الشعور بشكلٍ عجيبٍ جدًا، شعرتُ أنني أتحدث لغة تلك الأرض، كما أنني شعرتُ بأن روحي الفنية قد أخذت مكانها في المجتمع الفني هناك، وبالتأكيد تطورتُ بشكلٍ سريعٍ فنيًا وأنا هناك، ومنذ ذلك الحين بدأ اهتمامي باستكشاف وتحليل الدول والمدن الفنية وأثرها على تطور الفنان والمجتمع بشكٍل عام. لطالما تميزت الدول الفنية بتوفر بيئة ثقافية وفنية غنية وفعالة، تكون هذه الدول مراكزًا حيوية للفنون المختلفة إذ تتمتع بوجود متاحف ومعارض فنية مهمة، كما توفر هذه الدول فرصًا للفنانين للتعلم والتطوير ولعرض أعمالهم. إيطاليا على سبيل المثال تشتهر بكونها موطنا للعديد من أعظم الفنانين عبر التاريخ مثل ليوناردو دافنشي ومايكل انجلو، ورافائيل، كما تضم العديد من المتاحف والمعارض الفنية مثل معرض أوفيزي في فلورنس، ومتحف الفاتيكان في روما. فرنسا هي الأخرى تعتبر مركزًا عالميًا للفن، وخاصة في مدينة باريس، حيث يمكنك العثور على العديد من المتاحف الشهيرة هناك، مثل متحف اللوفر الذي يحتضن لوحة الموناليزا الشهيرة، ومركز بومبيدو للفن المعاصر، ومن فرنسا ظهر لنا رائد المدرسة الانطباعية في الرسم الفنان كلود مونيه، والرسام النحات هنري ماتيس. الولاياتالمتحدة الأميركية كذلك تعتبر مركزًا حيويًا للفن المعاصر والحديث، توجد العديد من المتاحف الفنية في الولاياتالمتحدة الأميركية مثل متحف متروبوليتان للفنون في نيويورك ومتحف سان فرانسيسكو للفنون الحديثة، أما لوس أنجلوس فهي تعتبر مدينة فنية بارزة إذ تتمتع بتنوع فني هائل وتضم مجموعة واسعة من المرافق الفنية التي تجذب الفنانين والمبدعين من جميع أنحاء العالم. أما أسبانيا فقد أنجبت لنا الفنان الشهير بابلو بيكاسو والذي يعتبر واحدًا من أعظم الفنانين في القرن العشرين، اشتهرت أسبانيا بكونها وجهة هامة لعشاق الفن و خاصة فن الباروك والفن الحديث، تحتضن مدن مثل مدريد وبرشلونه العديد من المتاحف الفنية الرائعة مثل متحف ديل برادو. العيش في دولة فنية هو ما يعجل من ولادة الفنان، ويساهم في نشأته الفنية بالشكل الصحيح، إلا أن نعمة الدول الفنية ليست مقتصرة على الفنانين فحسب بل على المجتمع ككل، إذ أنها تعتبر وجهات جذابة للسياحة الثقافية، حيث يمكن للسياح استكشاف الفن والثقافة المحلية، وحضور العروض الفنية والثقافية، وزيارة المعارض والورش الفنية، والتفاعل مع المجتمع الفني المحلي، كما أن أثر البيئات الفنية ينعكس إيجابيًا على الأفراد إذ أنها ترفع من ذائقتهم الفنية وتساهم في تطوير التعبير الفردي والجماعي، كما يمكن للفن أن يعزز التفكير والتأمل بالقضايا الإنسانية المهمة. من المبهج أننا نسير في المملكة في الطريق الصحيح وبشكلٍ سريع نحو خلق بيئة فنية ثرية ومتنوعة، إذ بدأت تنتشر في السنوات الأخيرة المراكز التعليمية والمعارض والمجتمعات الفنية، كما تكفلت العديد من المنظمات الداخلية بدعم الفنانين ماديًا، بالإضافة إلى مساهمتهم في التسويق للفن المحلي بمختلف الطرق. أرى أن أحد واجباتك كفنان هي محاولة التواجد في مثل هذه البيئات والانغماس في المجتمعات الفنية هناك، وزيارة المعارض والمتاحف والتعرف على أبرز فنانيها وحضور ورش العمل المختلفة هناك، فمثل هذه التجارب تساهم في تطور الفنان بشكلٍ سريعٍ تحت مبدأ.. (ابدأ من حيث انتهى الآخرون).