ولأن الله حبا أبها جواً رائعاً فقد كانت كُتيّب التشغيل للسياحة الداخلية منذ إنشاء أول متنزه وطني بالمملكة فيها عام 1400ه ومن بعد ذلك أنشئت في عام 1406ه تقريباً أول لجنة للتنشيط السياحي في عسير، وعليه وجدت منطقة عسير نفسها في منتصف الطريق حين اتجهت إلى الريادة في السياحة الجبلية إذ أطلقت العربات المعلقة «التلفريك» ومن خلال ذلك قامت فكرة الطيران الشراعي، ومن أبها استمدت بعض المدن المبادرات السابقة... وقد تماهى وتماشى الشأن الثقافي في منطقة عسير مع تلك البدايات السياحية حتى حصد نادي أبها الأدبي جوائز مكررة كل عام مما دعا الأمير فيصل بن فهد - يرحمه الله - الرئيس العام لرعاية الشباب آنذاك أن يقول: «إذا لم يكن منافساً لنادي أبها فتلغ المسابقة» ثم تطورت معطيات المنطقة فاختيرت مدينة أبها عاصمة للسياحة العربية 2017م بناء على عوامل تمثلت في طبيعة أبها والمناخ والأنماط السياحية، ومكانتها التاريخية، وموروثها الثقافي والاجتماعي، والبيئة الزراعية الفريدة، والمهرجانات الخاصة بها. وهذا منتهى ما وصلت إليه مدينة أبها آنذاك. وأما اليوم فقد وجدت مدينة أبها نفسها صاعدة إلى المحل الأرفع من خلال مظاهر التحول من المحلية القطرية الإقليمية إلى الخارجية العالمية. وكل هذا وغيره جعل القيادة الحكيمة تسلط الضوء وتصوّب وجهتها نحو منطقة عسير ضمن أربع مبادرات نوعية: الأولى: إطلاق استراتيجية منطقة عسير بميزانية تقدر ب50 مليار ريال في استثمارات متنوعة، وتهدف إلى جعل عسير وجهة سياحية عالمية طوال العام، مع إطلاق شركة «أردارا»؛ بهدف تطوير مشروع «وادي أبها». الثانية: إعلان صندوق الاستثمارات العامة عن إطلاق شركة عسير للاستثمار كذراع استثمارية للصندوق في منطقة عسير، بهدف تحفيز الاستثمارات المحلية والدولية المباشرة لتطوير منطقة عسير، وتحويلها إلى وجهة سياحية عالمية على مدار العام. الثالثة: إطلاق المخطط العام لمشروع قمم السودة وأجزاء من رجال ألمع تحت مسمى «قمم السودة»، الذي يهدف إلى تطوير وجهة جبلية سياحية فاخرة فوق أعلى قمة في المملكة العربية السعودية. الرابعة: إطلاق المخطط العام لمطار أبها الدولي الجديد. وإن هذه التحولات لنجاحات مدينة أبها لم تأتِ من البوابة الخلفية للمكانة الجغرافية أو المناخية فحسب بل جاءت من الفن والأدب وأنماط الحياة وطرق العيش المشترك، ونظم القيم والتقاليد والمعتقدات والأخلاقيات التي ساعدت كلها في تكوين شخصيته أهل المنطقة فدفعتهم للقيام بالمحافظة على موروثهم المادي وغير المادي وغير الملموس الذي سجل حضوراً لدى منظمة اليونسكو والمهتمة بالثقافة والتراث العالمي والتي اعترفت - مثلاً - بالقط العسيري والثوب العسيري الذي خرج إلى لندن وباريس والذي أصبح متلازمة للجمال التقليدي الأصيل الذي لا يضاهيه... إلا التقاليد وأشكال التعبير الشفوية وفنون الأداء والرقص الشعبي والفلكلور والممارسات الاجتماعية، والشعائر والمناسبات الاحتفالية، والمعارف والممارسات المتعلقة بالطبيعة والكون، والمعرفة والمهارات اللازمة بطرق الطهي والإنتاج الحرفي التقليدي، وهذا كله سيفتح أما مدينة أبها التأشيرات السياحية وستكون مدينة أبها أحد الأماكن الداعمة وبقوة لبرامج رؤية 2030 للسياحة في المملكة ليصل أعداد الزوار إلى السعودية من السائحين الأجانب نحو 100 مليون زائر بحلول 2030، وبهذا سيتحول مسار أبها من المحلية إلى العالمية في وقت وجيز بإذن الله. بقي أن نقول: سدد الله خُطا الأمير تركي بن طلال ليواصل السعي فترى الممكِّنات الاقتصادية التسعة النور قريبًا وهي مطار أبها والمدينة الجامعة فتح الطرق المحورية رفع موثوقية الكهرباء رفع موثوقية الاتصالات وصول المياه المحلاة من البحر إلى منطقة عسير قيام المدينة الطبية معالجة عجز المياه في الصيف إنشاء المدينة الصناعية. فقيام هذه الممكنات الكبرى إنجاز نوعي سيخدم البنية التحتية والفوقية في منطقة عسير. لقد أسعدت القيادة منطقة عسير إذ ابتسمتْ بها الأيام.. وهلتْ سحابة كرمها ففاضتْ من غير رعد، وسقتْ من غير بخس.