عندما أمسكت كتاب «على أطراف الأصابع» لمعالي الوزير الدكتور توفيق الربيعة سألت نفسي: ما الجديد الذي قد يحمله هذا الكتاب؟ فكل من عاش أزمة كورونا صار خبيراً بكل ما فيها، فكل قنوات العالم ووسائل إعلامه كانت تدخل على الناس حتى غرف نومهم، كما أن عملي بالصحافة لا شك يتيح لي معرفة الأمور عن قرب، فما الذي سيضيفه الكتاب إذن؟! في الصفحات الأولى وجدت الدكتور توفيق يورد السؤال نفسه، كأنه يقرأ ما بداخل الناس، ثم يجيب عليه عبر أكثر من 150 صفحة ليثبت لنا أننا لم نعرف سوى القشور، ولم نرَ سوى الزجاج الأمامي، فنحن لم نعرف مثلاً شعور خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- وهو يرى الكعبة خاوية لأول مرة منذ بنائها، وكلنا رأينا صورة هذا العامل الذي حسده جميع المسلمين وهو يجلس وحيداً في صحن الكعبة، ولم نعرف أن مشهداً كهذا أثلج قلب الملك بعد أن وجه بالسماح للعاملين في الحرمين بالصلاة عندما تم تطبيق قرار منع العمرة، حتى لا يبدو أطهر مسجدين بالأرض فضاءً خاوياً. كما لم نعرف كيف كان صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد يتخذ القرارات الفورية التي شكل بعضها صدمة للكثيرين لكنهم عرفوا بعدها أنها لكانت لصالحهم، حتى أن البعض خارج المملكة أشاع أن سموه يصدر الأمر من مكتبه دون تقدير لمشاعر الناس أو استشارة، هؤلاء لا يعرفون مثلاً أن قرار منع الصلاة بالمساجد سبقه جلوس وزير الصحة مع لجنة من هيئة كبار العلماء برئاسة سماحة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ لمدة ساعة وربع، سألوه فيها أسئلة دقيقة تتعلق بمدى انتشار الفيروس بالمساجد، وهل هناك حلول بديلة وغيرها من الأسئلة، وكان هذا بتوجيه من سمو ولي العهد بأن يجلس الوزير ويتناقش مع كبار العلماء للخروج بقرار يحفظ حياة المسلمين. ولا يعرف الكثيرون أن جملة «صلوا في بيوتكم» التي ترددت عبر ميكروفونات المساجد بعد تنفيذ القرار جعلت الدموع تنساب من عيني الوزير، لعلمه بتعلق قلوب الناس خاصة كبار السن بالمساجد، ولخوفه من أن يكون سبباً في حرمانهم وحرمان والده من أحب شيء إلى قلوبهم، لكنه كان يقول لنفسه: إنما نفعل ذلك كي يعيشوا معنا ولا نُحرم منهم. كلنا شاهدنا تلك اللقطة التي ظهر فيها الوزير ممسكاً بقارورة اللقاح الصغيرة، وهو يمنحنا الأمل، لكننا لم نعرف شيئاً عن الكواليس، عن تصارع الدول، وجشع شركات الأدوية، وسعي كل دولة لتحقيق مصلحتها الخاصة دون أن تفكير في حال الآخرين، ويحكي الكتاب الكثير من تلك التفاصيل التي تجعلك مع كل سطر فيها تفخر بدولتك ووطنك وترى كيف كانت القيادة تقاتل من أجلك. نظرية المؤامرة التي رافقت حياتنا طوال سنوات الأزمة أفرد لها معالي الوزير عدة صفحات، لأنها كانت سبباً في فقداننا لكثير من الناس ممن صدقوا المتحدثين عنها، وامتنعوا عن أخذ اللقاح، واعتبروا أن ما يحدث أمامهم مجرد مسرحية، ويتحدث كثيراً عن الشائعات التي بلغ عددها أكثر من 9000 شائعة عالمياً، وكيف استنفدت مجهوداتهم، وجهود الآخرين في دول العالم المختلفة للرد عليها وتفنيدها؛ حتى يقتنع الناس بأنهم في خطر حقيقي، وليس مجرد رواية درامية كما كان البعض يردد ليل نهار. «تطمن» و»تأكد» وتلك المسميات التي أطلقتها وزارة الصحة (الجيش الأبيض السعودي)، وقت الأزمة وصنعت منها تطبيقات لم تكن مسميات من فراغ فكل منها يحمل مشروعاً عملاقاً من التجهيزات والاستعدادات التقنية والفنية والصحية، وكل مشروع تقوم عليه كوادر خبيرة، وكل منها كان له فضل بعد الله سبحانه في محاصرة متحور «أو ميكرون» الذي جاء خلفاً لكورونا، وعندما تقرأ الكتاب ستعرف كيف كان هذا المتحور نعمة من الله، لا نقمة. في ثنايا الكتاب الكثير من الحكم الواقعية، أولها قتل التردد واتخاذ القرار الحازم في الوقت المناسب مهما كان خطورته، فهذا ما ميز المملكة عن غيرها من الدول، وجعلها في مراتب متقدمة في وجه الجائحة، كانت التوصية تخرج من وزارة الصحة إلى المقام السامي وخلال أربع وعشرين ساعة كان يصدر القرار، أو بعد ساعات، ولم يكن خادم الحرمين الشريفين وولي عهده -حفظهما الله- يهتمان سوى بصالح الناس، وما يحفظ حياتهم مهما بدت القرارات قاسية في شكلها العام. عندما تقرأ هذا الكتاب سترى بوضوح عظمة هذا الوطن، وأهمية المواطن الذي سخر له أولياء الأمر ما يعرفه وما لا يعرفه من إمكانيات، وما حادث إجلاء 10 طلاب سعوديين على متن طائرة خاصة من «ووهان» الصينية سوى غيض من فيض، فهذا الحادث لم يكن عادياً في تفاصيله رغم ما بدا للكثيرين.. وغيره كثير من المواقف التي لم نعرف عنها سوى العناوين. د. توفيق الربيعة