تشهد المملكة اهتماماً خاصاً بالثقافة باعتبارها المكون الإنساني والحضاري القادر على تحقيق الريادة، وتتماشى أهداف الثقافة وفق رؤية المملكة 2030 بدقة مع المحاور الاستراتيجية، والمتمثلة في بناء مجتمع حيوي واقتصاد مزدهر ووطن طموح. خطوات متكاملة ومتزامنة اكتملت بتحقيق وطن طموح من خلال دعم الثقافة من أجل تعزيز مكانة المملكة الدولية، حيث تحرص وزارة الثقافة على إيلاء العناية اللازمة لتعزيز مكانة هويتها الثقافية المميزة ورعاية الإرث الثقافي والحفاظ على التراث. وتعمل الوزارة بمثابة المحرك الفاعل الذي يدفع عجلة التحول الثقافي في المملكة، حيث توجه شركاءها من الهيئات الحكومية الأخرى والجهات الفاعلة في القطاع الأوسع، لتحقيق ذلك من خلال خلق تيّار مستمر، عالي المستوى من الوعي الجماهيري والوصول إلى آفاق من التقدم والرقي الذي يُظهر ما تتمتع به المملكة من تراث متنوع على الصعيدين المحلي والدولي، إضافة إلى ثقافة تمتد جذورها في أعماق التاريخ الإنساني. الجهود الوطنية تولي المملكة استعدادها لبناء وطن يعتمد على الجهود الوطنية الجماعية حيث يساهم الجميع بأدوارهم ليقوموا بها سواءً كانوا يعملون في القطاعات العامة أو الخاصة أو غير الربحية، لتحقيق الآمال وتحمل المسؤوليات. وأقامت وزارة الثقافة برامج ومبادرات عبر هيئاتها الرسمية لتجسيد الهوية الثقافية والأدبية والتفاعل الحضاري مع مختلف ثقافات الشعوب العالمية، والتركيز على الثقافة الإنسانية والدراسات الأدبية نحو تجسير العلاقة وتدعيمها بين مختلف الآداب والثقافات، وبناء علاقات إيجابية. مع الاهتمام بالمثاقفة الواردة في نصوص التراث، ومناقشتها، وإعادة تشكيلها بدراسات حديثة وفق معطيات العصر. وتسعى الوزارة إلى الإسهام بما يساوي 3 % من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030، مسارعةً خطاها للعمل على صقل القدرات الثقافية، وتكريس الثقافة في مفاصل الحياة اليومية للمواطنين والمقيمين، وتوفير البرامج التعليمية والورش التدريبية، وتهيئة المعاهد وتجهيز المبادرات، وتنظيم الأنشطة والمهرجانات، مع الحفاظ على الهوية والأصالة. وبرهنت الوزارة على سلكها دروب الإبداع والابتكار؛ واستحدثت الأفكار البديعة والخلاقة، ومن ذلك أنها بدأت في تزيين الأعوام من خلال تسميتها، ووشحت عام 2021م باسم «عام الخط العربي»، باعتبار هذا الفن -الخط العربي- موروثًا حضاريًا نشأ وترعرع في الجزيرة العربية، وأضاءت الوزارة ما يترفه به من ماضٍ مجيد وجماليات وتركيبات هندسية فريدة، وطَرقت به أبواب قطاعات أخرى تحقيقاً لقيم التكامل والتعاون، وراحت تدبج به قمصان لاعبين الدوري السعودي طوال الموسم الرياضي، وزينت به الطائرات السعودية، وشيّدت معارض عنه، منها: «الكتابة والخط» و»مكتبة الملك عبدالعزيز للخط العربي». القهوة السعودية فاح عبير البُن من عام 2022م المسمّى ب»عام القهوة السعودية» امتثالاً للعلاقة الوطيدة بين القهوة والإرث الثقافي السعودي، وما يجمعهما من تاريخ تجسّد في العادات والتقاليد، والضيافة والكرم، والمظاهر الإنسانية والجمالية والفنية، مسلطاً الضوء على البُن الخولاني السعودي؛ وهو منتج سعودي أصيل ومن أهم المحاصيل الزراعية وأكثرها جودة في جنوب المملكة بمنطقة جازان. وفي سياق هذا العام أُوجدت مسابقات وفعاليات لأفراد المجتمع سجلت مستوى عاليًا من المشاركة المجتمعية. عام الشعر العربي وأطلّ العام الجاري 2023م، بمسمّى «عام الشعر العربي» بوصف الشعر العربي ركيزة حضارية في الثقافة العربية، وينظر إليه على أنه وعاء الحكمة والمعرفة، وديوان العرب وفنّهم الإبداعي العبقري المتأصل في هوية الجزيرة العربية. ولأهميته الجلية؛ أعدت الوزارة مبادرات وأنشطة مثل مبادرة «منح أبحاث الشعر العربي» لمساعدة الباحثين في سبر مجالات الشعر وخصائصه الأسلوبيّة والمضمونيّة. وبمرور الوقت لاح على الحياة الثقافية في المملكة؛ تغييرات إيجابية هي نتاج العمل التراكمي الدؤوب، وارتفع مستوى النشاط الثقافي المستدام في شسوع البلاد، واغتنم مزاولو الفنون والثقافة الفرصة المواتية لارتقاء المنصات، مفصحين عن مواهبهم وكفاءتهم، بعدما سُهلت لهم إجراءات إصدار الرخص والتصاريح عبر منصة «أبدع». المهارات الثقافية واتسعت رقعة هذه المنافع وغمرت شرائح المجتمع، حيث وُجهت لطلاب مدارس التعليم العام «مسابقة المهارات الثقافية» تُعد الأولى من نوعها، وتيسرت إمكانية دراسة مجموعة من التخصصات الثقافية في برنامج «الابتعاث الثقافي»، فيما عُبّد الطريق لمن لديه الرغبة من الفنانين لتطوير مشاريعهم البحثية الإبداعية في برنامج «الإقامة الفنية». طائف الورد وضيافة الطائي وتضاعفت الخيارات والتجارب الثقافية لأفراد المجتمع وزوار المملكة، التي تُعرّف وتحيي في آن واحد؛ ممارسات المجتمع وسلوكياته في قوالب إبداعية جذابة. ومما ولّدته الوزارة في سبيل ذلك مهرجان «طائف الورد» الذي تناول اتصال هذا النوع من الورد -في مدينة الطائف غرب السعودية- مع ثقافة المجتمع، بينما استحضرت في مهرجان «في ضيافة الطائي» سيرة حاتم الطائي أشهر شعراء وأسخياء العرب، ومن فاحت شذى سيرته من شمال المملكة بمدينة حائل. واعتادت في الأعياد والمناسبات الدينية، والمحافل الوطنية؛ على تنظيم الفعاليات واستجلاب المظاهر الاجتماعية. المركز الثقافي إلى أن أصبحت المملكة مركزاً ثقافياً جذاباً تنبض مناطقه ومدنه وطرقاته بالثقافة والفنون، وتمكث في فلكه المحافل والأنشطة والمنابر الثقافية، وهذا ما شدّ محبي الاطلاع للمجيء إليها، والتجول في ذاكرتها الفياضة واستقاء المعارف من منابعها. وواكبت من ناحيتها الوزارة التنامي الحثيث، وروَت رغبات النزلاء الذين قادتهم الرغبة في الاكتشاف، وهي لم تغفل في الأصل حين وضعت حجر أساسها عن توطيد العلاقات وبناء الجسور مع الحضارات الأخرى. ومن دأبها في توثيق الروابط مع الشعوب؛ مشاركتها في الاجتماع الوزاري لوزراء الثقافة لمجموعة قمة العشرين، امتداداً لمبادرة المملكة بعقد الاجتماع المشترك الأول لوزراء الثقافة في مجموعة العشرين على هامش الرئاسة السعودية عام 2020 بالرياض. ولأول مرة نَظمت الوزارة مهرجان الأوبرا الدولي في العاصمة السعودية، وأحيا لياليه أبرز الفنانين. الحراك الثقافي ورصدت وزارة الثقافة الحراك الثقافي، من خلال إصدار تقارير «الحالة الثقافية في المملكة»، كونها منتجات معرفية ترصد الحراك الثقافي المحلي داخل وخارج المملكة، وتعتبر نقطة أساس معرفية تُحدَّث دوريا، تستند على أبحاث ودراسات معتمدة. وقد انطلق حراك الوزارة الثقافي من خلال تخصيص 16 قطاعاً فرعياً ذا أولوية، للتركيز عليها في عملها وتعزيز قدرتها على قيادة المبادرات الرائدة في مختلف المجالات الثقافية، ومما شملته: الكتب والنشر، والتراث الطبيعي، وفنون العمارة والتصميم. وفي عام 2020م؛ أسست إحدى عشرة هيئة متخصصة تشرف على أنشطة القطاعات الثقافية الفرعية، وتنفذ بها إلى أقصى مستويات الكفاءة والفعالية، وتنهض بمقوماتها وبالبيئة التمكينية، وتحفز ممارسيها؛ حاملة على عاتقها تحسين القدرات والخبرات، وإبرام الشراكات وإدارة الأصول الفكرية والمادية، وتقديم التمويل الداعم لأنشطة القطاع، وتنفيذ الخطط الإستراتيجية . وسرعان ما دبت الحيوية في القطاعات الثقافية، والتمّ حولها المبدعون، باسطةً لهم أرضًا خصبة تتناغم مع الرؤى الطموحة، فعلى سبيل المثال لا الحصر؛ ألبست هيئة الأدب والنشر والترجمة حلّة جديدة لمعارض الكتب في السعودية، وصاغتها بطريقة مبهرة راعت مكانتها الدولية المؤثرة مثل «معرض الرياض الدولي للكتاب»، وأيضاً نظّمت فعاليات ومبادرات محورية، كمؤتمر الرياض الدولي للفلسفة، ومبادرة الشريك الأدبي المعنية بتوظيف الأنشطة الثقافية في المقاهي والأماكن العامة، وبرنامج النشر الرقمي الساعي إلى نشر الكتاب الرقمي بمسارات متعددة. وتابعت إحدى عشرة هيئة على حدّ سواء؛ إنجاز خططها لبلوغ مستهدفاتها بما يتوافق مع آمال المتطلعين، ونمّقت الحاضر حتى يتناسب مع روح العصر ومتطلبات القطاع الثقافي في ضوء التغيرات المستمرة، ومن المواظبات الملموسة إنشاء هيئة المكتبات ل»منصة الكتب الرقمية»، إذ تربط مستخدميها بالكتب الصوتية والرقمية، ومشروع «مناول» الذي يسمح باستعارة الكتب مجاناً وإرجاعها إلى نفس الجهاز آلياً. ووثبت بدورها هيئة التراث؛ إلى حماية الثروة الثقافية والمواقع الأثرية مثبتةً العُمق التاريخي للمملكة، واستطاعت على خلفية أعمال البحث والتنقيب من الوصول إلى اكتشافات قيّمة، كالظواهر المعمارية والقطع الأثرية العائدة إلى القرنين الثاني والثالث الميلاديين في جزر فرسان. وأسفرت نتائج مسحها الأثري في منطقة الفاو الأثرية -عاصمة مملكة كندة-؛ عن بقايا مستوطنات بشرية تعود للعصر الحجري الحديث، وعدد من المساحات الزراعية، ومجموعة من الفنون والكتابات الصخرية. غير أنها توصلت إلى اكتشاف وتوثيق أول نقشين في منطقة القصيم، كُتبا بالخط الداداني، وهما يبرزان الطريق الواصل بين مملكتي دادان ولحيان في شمال غرب الجزيرة العربية، ومملكة كندة في الفاو مروراً بوسط الجزيرة العربية، مشيراً هذا إلى التواصل الحضاري والتجاري بين الممالك العربية القديمة لفترة ما قبل الإسلام. وفي نطاق عملها؛ مهدت الهيئة السبل للحرفين، عنايةً بهم وبصنعتهم الثقافية، ومن ذلك أنها نظمت «الأسبوع السعودي الدولي للحرف اليدوية» وخصصت أكثر من 200 ركن للحرفين مع ورش توعوية وتدريبية، معبرةً عن ثقافة البلاد وتنوع تراثها. ولحقت هيئة الأفلام بالركب، وحفزت ببرنامج «حوافز الاسترداد المالي» منتجي السينما المحليين والإقليميين والدوليين لتصوير أعمالهم داخل المملكة، بنسبة تصل إلى 40 % من المصاريف المؤهلة للحوافز الداعمة للإنتاج السينمائي، وأيضاً آزرت صناع الأفلام من المواطنين، ومواليد المملكة وأبناء المواطنات، لصناعة الأفلام الطويلة والقصيرة عبر مسابقة ضوء لدعم الأفلام، مما عزز منظومة المحتوى الإبداعي في المملكة. أما هيئة الأزياء، فآوت شغف مصممي الأزياء عن طريق البرامج والفعاليات متيحة لهم الظهور محلياً ودولياً، وأتى برنامجها الإرشادي «100 براند سعودي»، موفراً حزمة من البرامج التدريبية والإرشادية المتخصصة لمدة عام، بمشاركة خبراء ومتخصصين في صناعة الأزياء العالمية، نحو المنافسة على مسرح الأزياء العالمي، وهو ما تكلل بإطلاق تقرير حالة الأزياء في المملكة العربية السعودية، ومنصة رؤى الأزياء السعودية الهادفة إلى توضيح الوضع الراهن لقطاع الأزياء في السعودية وتأثير القطاع على الناتج المحلي ومستقبل الأزياء في المملكة. وفي الوقت ذاته عملت هيئة المسرح والفنون الأدائية على عدة جوانب، فحرصت على مساندة الكتاب والمؤلفين في مسابقة «التأليف المسرحي» لتحظى النصوص الفائزة بإنتاج وإخراج إبداعي، بالإضافة إلى تنظيمها المسرحيات وإصدارها رخص تتيح الممارسة المسرحية، وأقامت أول مهرجان عالمي متخصص في الفنون الأدائية الجبلية «مهرجان قمم الدولي» في مدينة أبهاجنوب المملكة، وخلقت في مهرجان «الرياض للمسرح» تظاهرة مسرحية أنتجت 20 عملاً مسرحياً في مرحلته الأولى قُدمت في مناطق إنتاجها، ورُشحت منها 10 عروض مسرحية للمشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان. ومن هذا المنظر الشامل الذي وقف على أبرز التحولات والمنعطفات الثقافية؛ نلحظ التحركات المثابرة وما تمخض عنها من تحسن أسهم في رفع جودة الحياة، وأثار التفاعل الثقافي الناجع، وطور البيئة الثقافية ونشط التبادل الثقافي العالمي، وأظهر الهوية الوطنية السعودية وروج مقوماتها وعناصرها الحضارية الفريدة. الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان