يُحدّثنا التاريخ، وتَشهد الدلائل، وتُثبت الوقائع، ويَروي الرواة وشُهداء العصر الذي وُحّدت به المملكة العربية السعودية في العام 1932م على يدِ موحّدها المُلهَم المُلهِم المغفور له -بإذن الله- الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود أنّ من أولوياته العلم؛ بكلِّ فروعهِ وفنونهِ وتخصصاته. ومع قلّةِ ذاتِ اليد ومحدودية الدخل؛ إلا أنّ العلمَ والتعليمَ ونشره ركنٌ أساس عندَ الملك المُوحّد؛ فلم تكن ندرة المعلمين عائقًا دونَ ركوبِ هذا المركب الصعب؛ فاتُّخذَ من معلمي الضرورة المنفذ بعد الله؛ فأصبحوا يُعلّمون من هم دونهم، واُستعينَ بمعلمين من الأقطارِ العربية، فكانَ للتعليمِ بصمة يُتحدّث بها ويُستشهد بها على الإصرار والتحدي المُفعم بالفألِ ونظرة المستقبل الذي ينتظر البلد والأجيال. ومن ثم كانت الخطوةُ التالية والعزيمةُ الفذّة؛ فبدأت البعثات ليعودَ المبتعثون بتخصصاتٍ وعقولٍ نافعةٍ وسواعد عاملة. ومنذ ذلك التاريخ وحتى يومنا الوطنيّ الثالث والتسعين والعلم له مكانته وأهميته؛ حيثُ يشهد هذا اليوم بأنّ لتلكم الجهود أثر، ولذلك الزرع حصاد؛ فها هيَ جامعاتنا تُضاهي بل تبزُّ الجامعات العالميّة، وها هو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكيّ الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز -يحفظه الله- يُطلق استراتيجية جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست)؛ كمصدرٍ للإلهام والابتكار؛ حيثُ قال سموه: «منذ تأسيس (كاوست)، وهي تتميّز في أبحاثها وابتكاراتها ومواهبها، وأصبحت إحدى الجامعات البحثية الرائدة في العالم، وتمثل الاستراتيجية الجديدة عهدًا جديدًا للجامعة، لترسيخ مكانتها العلمية والأكاديمية التي وصلت لها؛ تماشيًا مع طموحات رؤية المملكة 2030 من أجل مستقبلٍ أفضل للمملكة والعالم»؛ إذ تُركّز الاستراتيجية الجديدة على زيادة فرص تحويل الأبحاث إلى ابتكاراتٍ ذات مردودٍ اقتصادي، وتهدف إلى توفير فرصٍ نوعية للباحثين وأعضاء هيئة التدريس والطلاب، وتمكينهم من تطبيق العلوم والبحوث، لإحداث أثرٍ عالميّ مُستدام. كما أنّ تحويل جامعة الملك سعود إلى مؤسسة أكاديمية مستقلة غير هادفة للربح، تحت مظلة الهيئة الملكية لمدينة الرياض يؤكد حرص المملكة على تحقيق نقلةٍ نوعية في مسيرة التعليم؛ على أساسٍ من التمكين والتميّز والجودة، وتطوير العملية التعليمية والبحثيّة؛ بما ينسجم مع رؤية المملكة 2030. أمّا جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن ذاتِ الرؤيةِ المتمثلةِ في أن تكون منارة المرأة للمعرفة والقيم؛ فهيَ تعكس كيف حظيَ تعليم المرأة في المملكة العربية السعودية بقدر وافرٍ من الرعاية والاهتمام؛ إذ تحتضن ثلاثة مراكز للمرأة: وهي (مركز القيادات النسائية)؛ الذي يُعنى بدعم النساء القياديات وتمكينهن محليًا وإقليميًا، و(مركز سارة السديري لدراسات المرأة)؛ الذي يهدف لتعزيز دور المرأة ومشاركتها في المجتمع، ودعم مشروعات البحث العلميّ حولها، وجهودها في التنمية الوطنية الشاملة، و(المرصد الوطني لمشاركة المرأة في التنمية)؛ الذي يعمل على رصد مشاركة المرأة في التنمية على كافة المستويات المحلية والعالمية، وأثرها المباشر على المجتمع والتنمية. فمن خلال ذلك كله؛ نرى القفزة الهائلة للجامعات الحكومية والأهلية؛ التي نتجَ عنها مبادرة (ادرس في السعودية) لاستقطاب الطلبة المتميزين حول العالم للدراسة في الجامعات السعودية؛ بفضل ما تحقق لتلكم المؤسسات الأكاديميّة من تقدمٍ ملموس على مستوى التصنيفات العالمية والإقليمية. أمّا التعليم العام؛ فذلك قصةٌ ورواية أخرى؛ تشهد الجامعات كل عام على تميّز ذلك الرافد لها؛ الذي من خلاله ومنه جاءت قوافل الطلاب الجامعيين. ومما يشهد على ذلك مُشاركة ثلاثة فِرق سعودية في (مسابقة الفورمولا 1 الدوليّة للمدارس)؛ لمنافسة 68 فريقًا من 29 دولة من دول العالم، وحصول فريق (أوريكس) السعوديّ على جائرة أفضل فريقٍ بالعالم في مجال (التفكير الابتكاريّ). فكلُّ عامٍ ونحنُ نَحلُمُ ونُحَقِق؛ من خلال ما يوليه ولاة الأمرِ من اهتمامٍ بالعلمِ وطلابه، وهذا ما أكّده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -يحفظه الله- بقوله: «إنّ اليوم الوطنيّ يُعبّر عن الاعتزاز بتاريخ هذا الوطنِ وأمجاده، والفخر بما تحقق له من عزّة ومنعة ومُنجزات يُتباهى بها بين الأمم، والتطلّع إلى مستقبلٍ أكثرُ إشراقًا وازدهارًا»، فهنيئًا لنا بمملكةٍ للعلمِ حاضنة.