يحل اليوم الوطني ال93 للمملكة العربية السعودية في ظل تطورات استثنائية تشهدها المملكة في كافة الميادين والمجالات، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان. وتأتي هذه الذكرى من كل عام، لتجسد قوة المملكة ومكانتها الشامخة على مر السنوات، بدءاً من مرحلة التأسيس التي وضعت الأسس والمبادئ لانطلاقة ثابتة وراسخة، وصولاً إلى ما نحن عليه الآن من نهضة شاملة شكّلت للمملكة وشعبها حضوراً عالميًا أتسم بالتفرد والتميز. وبهذه المناسبة، عقدت جريدة الرياض، ندوة، بمناسبة حلول اليوم الوطني ال93، تحت عنوان "اليوم الوطني ال 93.. منجزات تسابق السنوات"، استعرضت خلالها ما تزخر به المملكة من نجاحات وإنجازات تسابق الوقت وتعلو الطموح. وشارك في الندوة كل من الدكتور إبراهيم النحاس عضو مجلس الشورى، والأستاذ طلعت حافظ الخبير الاقتصادي، والدكتور ياسر حافظ عضو مجلس الشورى، والدكتورة نجوى عبدالكريم الغامدي عضو مجلس الشورى، فيما شارك من جانب "الرياض" كل من مديري التحرير: (أ. خالد الربيش، أ. صالح الحماد، أ. عبدالله الحسني) ومن التحرير الزميلة أ. صالحة العتيبي. وفي مستهل الندوة رحب نائب رئيس التحرير أ. خالد الربيش بضيوفها الكرام، مبينًا أن هذه الندوة من الندوات المهمة التي تُعقد بمناسبة اليوم الوطني ال93، لنستذكر من خلالها تاريخ المملكة العريق والمنجزات غير المسبوقة التي حققتها المملكة، خاصة في الفترة الأخيرة التي تلت إطلاق رؤية المملكة 2030. ثم رفع ضيوف الندوة التهاني لمقام مولاي خادم الحرمين الشريفين وسمو سيدي ولي العهد -حفظهما الله تعالى - بمناسبة اليوم الوطني 93، سائلين الله جل وعلا أن يديم على بلادنا أمنها واستقرارها. *دولة المستقبل المملكة تتطور عامًا بعد الآخر بمبادراتها التنموية والدولية وفي بداية الندوة قال د. إبراهيم: إن المملكة انطلقت منذ تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز -رحمه الله- تحت رؤية دولة المستقبل، متخذة من كلمة التوحيد شعاراً لها، لتقوم هذه المسيرة بقيمها الشرعية ومبادئها التنموية، ومن تلك اللحظات وُضِعت الأسس والخطط لنقل المملكة من دولة بسيطة في السياسة الدولية إلى دولة رئيسة في المجتمع الدولي، حتى أصبحت عضواً في مجموعة ال(20). وخلال هذه المسيرة المجيدة تطورت المملكة بمبادراتها التنموية وكذلك مبادراتها الدولية والاندماج في المجتمع الدولي، فكانت عضواً مؤسساً في الأممالمتحدة، وعضواً مؤسساً لجامعة الدول العربية، وانطلقت في الستينات لتكون مؤسساً لمجموعة (أوبك)، وكذلك مؤسساً لمنظمة التعاون الإسلامي التي كانت تسمى منظمة المؤتمر الإسلامي سابقاً، ومؤسساً لمجلس التعاون الخليجي. لذا فإن المملكة العربية السعودية تعد دولة مبادرات ومساهمات بشكل رئيس في المنظمات الدولية التي وُظِفت بعد ذلك من قبل المملكة للتعبير عن سياستها والقيم الرئيسة التي تقوم عليها والمتمثلة بدعم الأمن والسلم والاستقرار. *مسيرة جديدة وتابع النحاس: أما الآن وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسيدي سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- فقد انطلقت المملكة بمسيرة جديدة نحو فعالية حقيقية في السياسة الدولية، ما جعلها عضواً فاعلاً في المنظمات الدولية وآخرها في مجموعة العشرين والحضور في مجموعة ال(بريكس).. فالمملكة تبنت الكثير من المبادرات التي تتعلق بمسائل تحتاج إلى إجماع دولي ومنها ما يتعلق بمحاربة الإرهاب، وهذا جانب رئيس عملت عليه المملكة وساهمت فيه لدحض الجماعات الإرهابية بمختلف مسمياتها، ومنها ما يتعلق بتعزيز الأمن والسلام على المستوى الإقليمي - على أقل تقدير - ومنها ما يتعلق بالمحافظة على الاقتصادات الدولية ونموها المتوازن وتبني أسعار مناسبة للمصدرين والمستهلكين. *المؤشرات الدولية وقال أ. طلعت: سأتكلم عن الجانب الدولي، ونظرتهم إلينا، خاصة المؤشرات الدولية ومنها صندوق النقد الدولي IMF الذي أصدر تقريره بعد زيارة لبعثة فريق تقييم لأداء اقتصادنا بموجب مادة المشاورات الرابعة من نظام الصندوق التي يجري عبرها الصندوق مشاورات ثنائية Bilateral مع أعضائه البالغ عددهم 190 عضواً، والتي استمرت لنحو أسبوعين، نتج عنها إصدار الصندوق لتقرير أشاد من خلاله بقوة ومتانة اقتصادنا الوطني والمالية العامة للدولة، وأن اقتصاد المملكة الأعلى نمواً على مستوى العالم في العام الماضي 2022م بمعدل نمو (8.7 ٪)، وكذلك أشاد كثيراً برؤية المملكة 2030، وأنها وفقت ونجحت نجاحاً مبهراً بتنويع القاعدة الاقتصادية في المملكة بعد أن كانت مدمنة على النفط من سبعينات القرن الماضي وحتى عام 2016م، حيث كان يشكل ما نسبته أكثر من 90 ٪ من إيرادات الدولة، كما أشاد الصندوق بانضباط وكفاءة الحكومة في الإنفاق، وأن الدولة تمكنت نتيجة للضبط المالي في السنوات الماضية توفير ما يقارب 530 مليار ريال والتي ذهبت لمشروعات خدمية وصحية وتعليمية ومشروعات البنى التحتية، وأشاد أيضاً بتمكين المرأة ومساهمتها في سوق العمل ما أدى إلى تخفيض نسبة البطالة من 33 ٪ إلى 15.5 ٪ بالإضافة إلى تسجيل المرأة لنضوج إلكتروني ورقمي للمملكة، بالإضافة إلى يعرف بالاقتصاد الرقمي، وكذلك المؤشرات الدالة على تقدم المملكة في تصنيفها وترتيبها بين اقتصادات مجموعة دول العشرين. *قاب قوسين واستطرد طلعت حافظ قائلاً: لهذا نجد أننا قاب قوسين لأن نصل إلى طموحنا، بل نتجاوزه أيضاً، فالمستهدف وفقاً لرؤية السعودية أن نصل إلى المرتبة (15) بحلول 2030م، منوهًا كذلك بإشادة الصندوق بالانضباط المالي وبكفاءة المالية العامة والاحتياطيات الحكومة القوية، مشيرًا إلى أن المملكة تبوأت مراتب متقدمة فيما يعرف بمؤشر (IMD)، كما احتلت المملكة المركز (17) في مؤشر التنافسية العالمية. وقال: الحقيقة أن بيئة الأعمال والبيئة الاستثمارية لا أقول إنها كانت طاردة لكنها لم تكن بيئة تنظيمية مكتملة، حيث إنه كانت تنقصنا تشريعات كثيرة، وتبعاً لذلك فقد تم إصدار وتحديث ما يقارب (700) قانون خلال السنوات القليلة الماضية منذ بداية الرؤية، كل هذا يعطي انطباعاً أن الاقتصاد السعودي تجاوز الطموحات، وليس الاقتصاد فحسب بل الدبلوماسية السعودية والسياسة السعودية أصبحت جمعيها أرقاماً عالمية صعبة على مستوى العالم أيضاً، فيما يتعلق بالتوفيق بين دول مختلفة فيما بينها، أو فيما يتعلق بالمعونات التي تقدمها الدولة، وهنا أشير إلى مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، فخلال السنوات الماضية من 2017 قدم ما يزيد على ستة مليارات دولار شملت (90) دولة في مختلف مناحي الحياة. *مسيرة بطولات من جانبه قال د. ياسر: اليوم الوطني هو يوم فخر واعتزاز نستذكر فيه سوياً التاريخ المجيد لمسيرة بطولات التوحيد والتأسيس لهذه المملكة الشامخة التي أرسى دعائمها الملك المؤسس -طيب الله ثراه-، ونعيش فيه الآن معاً حاضراً مزدهراً في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين -حفظهما الله-. كما أن اليوم الوطني 93 يوم فرح لكل مواطن وكل محب لهذا الوطن وكل مجتهد ومخلص شارك في تحقيق ما تم من إنجازات في شتى مجالات التطور والبناء خلال هذا العام، هؤلاء هم من يعيشون السعادة والأفراح الحقيقية في هذا اليوم العظيم. وكما هو معلوم يتشرف الجميع في المملكة العربية السعودية في الربع الأول من كل عام بالكلمة الكريمة من مولاي خادم الحرمين الشريفين في افتتاح أعمال السنة الشورية والتي تمثل لنا خارطة الطريق والتوجيه السامي لكل ما سيكون من عمل وإنجازات خلال العام، ثم تأتي الذكرى المجيدة لليوم الوطني في الربع الأخير من العام لنجد أن ذلك العمل وتلك الإنجازات تتحقق باستمرار بفضل الله تعالى على أيد سعودية مخلصة في شتى المجالات الحيوية كالنقل والمياه والطاقة والصحة والتعليم والاتصالات والبنية الرقمية وعلوم الفضاء وتقنياته والذي سيتم تسليط الضوء عليه لاحقاً خلال هذه الندوة. *تطور القطاع الصحي وقالت د. نجوى: إن كل ما له علاقة بالأمن الصحي والأمن الدوائي، يحظى برعاية كريمة ورعاية خاصة، بدءًا من عهد المؤسس الملك عبدالعزيز - طيّب الله ثراه - الذي بدأ مسيرة البناء واستكملها من بعده أبناؤه الملوك وإلى وقتنا الحاضر في عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله -. ومن أبرز ما يدل على ذلك ما شهدناه خلال جائحة كورونا، واستجابة المملكة السريعة في أخذ الإجراءات الاحترازية حتى قبل كثير من دول العالم، مما أدى إلى تقليل انتشار المرض وعواقبه، حيث كانت فترة التعافي لدينا سريعة جداً بالمقارنة مع دول العالم، وهذا دليل على متانة وقوة القطاع الصحي في المملكة، فالقيادة والتحكم وطريقة الاستجابة كانت سريعة بالمقارنة مع كثير من الدول. *مبادرات مُطَوِّرة وتابعت د. نجوى: وقد شهد القطاع الكثير من المبادرات المطورة له، والمستندة في ذلك على رؤية 2030 منها برنامج التحول الوطني، وخدمات ما قبل التنويم، وكذلك الخدمات في المستشفيات المتخصصة وغير المتخصصة، خاصة في خدمات الطوارئ والعناية المركزة، حيث تم تطويرها وتوسيع نوعيتها والاهتمام بالجودة وسلامة المرضى، فمثلاً تمكنت وزارة الصحة بفترة قليلة من رفع عدد أسرة المستشفيات إلى أكثر من (53) ألف سرير، وزادت عدد المنشآت الرعاية الأولية والثانوية والمتخصصة والتي تسمى (الثلاثية)، كما تم تدشين العديد من العيادات المتنقلة التي تسهل الوصول إلى الخدمات. كذلك، فإن الخدمات الوقائية زادت مقارنة بالخدمات العلاجية، كما تم تدشين طبيب لكل أسرة من خلال المراكز الصحية، وهذا جانب مهم جداً، لأنه يهتم بحالة المواطن منذ الولادة ويساعد في سهولة الوصول إلى الخدمات الأخرى المتقدمة، سواء كانت عبر المستشفيات أو الخدمات المتخصصة، لنصل إلى تقليل الازدواجية في تقديم الخدمات ورفع كفاءتها. الصندوق الدولي للنقد يشيد برؤية المملكة 2030، التي نجحت نجاحًا مبهرًا في تنويع القاعدة الاقتصادية في المملكة *ملف موحد وذكرت د. نجوى أنه: إضافةً لما سبق، فقد دُشِن من قريب المرحلة الأولى من الملف الصحي الموحد الذي يربط بين القطاعات الصحية المختلفة، وفي المرحلة الثانية سيتم ربطه بالمستشفيات بحيث يكون للمواطن والمقيم ملف صحي يمكن الحصول على المعلومات المطلوبة بأسرع وقت وفي الوقت المناسب خاصة في حالات الطوارئ، وهذا سيقلل أيضاً من الازدواجية وسيحسن من كفاءة الأداء في القطاع الصحي. إلى جانب إنشاء شركة الصحة القابضة وهي الجهة التي تعنى بالخدمات الصحية، وكذلك قرار تنظيم المركز الوطني للتأمين بحيث يصبح لكل مواطن تأمين صحي، فضلاً عن التطبيقات التي دشنت في المجال الصحي، والتي نُظِمت في تطبيق واحد هو «صحتي» بحيث يسهل على المريض الحصول على الخدمات حتى من غير مراجعة المنشآت الصحية بل بشكل افتراضي من خلال مكالمة هاتفية أو الاتصال المرئي. وكذلك تمت الموافقة على الخطة الوطنية لإدارة الجودة وسلامة المرضى، وهذه من أهم الخطط التي ستحسن من الخدمات، بل وستطبق بأعلى المعايير، وتصبح سلامة المريض مرتكز الخدمات من غير اقتصارٍ على تقديم الخدمات فقط. كذلك فإن الحوادث المرورية قد قلّت إثر التعاون بين وزارة الصحة والقطاعات الأخرى ذات الاختصاص، كما تمت الموافقة على المعهد الوطني للدراسات الصحية الذي سيساعد على زيادة الأبحاث في المجال الصحي وتطويره والابتكار فيه، كما أن لهيئة الغذاء والدواء مبادرات كثيرة من خلال رؤية 2030م لتحسين جودة الأغذية وتحقيق الأمان في الأدوية والأغذية والمستلزمات الطبية والأجهزة، ومن المبادرات مبادرة توطين الصناعة، كصناعة الأدوية وصناعة الأجهزة والمستلزمات الطبية وتوطين الكفاءات ونقل المعرفة. وخلال عملي في هذا المجال لأكثر من 25 سنة أدركت مدى التطور في هذا المجال وتغيره، وحالياً نشهد تركيزاً كبيراً على الوقاية والسلوكيات الإيجابية التي تقلل من الأمراض المزمنة خاصة أنه لدينا نسبة من المواطنين في سن قد تعرضهم سلوكياتهم للإصابة بأمراض مزمنة. *تفرد عالمي وتداخل أ. طلعت قائلاً: في جولة السعودية.. شرفت أن أكون ضمن الوفد، ورأينا حينها المستشفى الافتراضي والذي يعد من أبرز المستشفيات الافتراضية نوعياً على مستوى العالم، والمستشفى كان عبارة عن شاشات تتم من خلالها معاينة المريض عن بعد، بوصف دقيق للحالات العميقة والدقيقة بواسطة كادر طبي سعودي مؤهل تأهيلاً طبياً رفيع المستوى، كذلك فإننا قد برزنا في المملكة بمجال فصل التوائم، فنحن من بين الدول الأولى في عدد عمليات فصل التوائم، لكننا الدولة الأولى عالميًا في تحقيق نسب النجاح. كذلك يحسب للمملكة نجاحها عالميًا في التعامل مع وباء وفيروس كوفيد 19 وهذا ما بينته كلمة سيدي خادم الحرمين الشريفين حين أكد أن «صحة الإنسان تعلو كل شيء والاقتصاد يأتي لاحقاً»، حيث تمت معالجة الجميع من مواطنين ومقيمين وحتى المخالفين لأنظمة الإقامة والعمل بإنسانية عالية ومجاناً، وهذا ما أشاد به رئيس منظمة الصحة العالمية من خلال حسابه على تويتر من حيث نجاح المملكة في التعامل مع الفيروس، كما دعمت المملكة بعض الدول بالأوكسجين واللقاحات. *القوة الناعمة فيما أكد د. إبراهيم أن المملكة وظفت القوة الناعمة توظيفاً إيجابياً، وتتمثل القوة الناعمة في القيم الإسلامية التي قامت عليها المملكة وكذلك ما حظيت به المملكة من شرف خدمة الحرمين الشريفين وخدمة القرآن الكريم والسنة النبوية، فهذه أعظم نماذج القوة الناعمة التي تملكها المملكة والتي لا تتوفر لكثير من المجتمعات الدولية، بصفتها مركز العالم الإسلامي ومهبط الوحي. وهذه القيم الإسلامية الأصيلة مكّنت المملكة العربية السعودية من دعم الجهود الدولية لتعزيز الوسطية والاعتدال، انطلاقاً من المبادئ التي قامت عليها وتوظيف التعاليم الإسلامية التي تحث على قبول الآخر، وتتخذ من تعامل الرسول أنموذجاً في التعامل مع أصحاب الديانات الأخرى، وحتى مع الشعوب الأخرى بمختلف قومياتها وتوجهاتها، وهذا الذي مكّن المملكة في مرحلة معينة من تأسيس منظمة التعاون الإسلامي، وذهبت في ذلك بعيداً لتضم (57) دولة، وتكون المملكة دولة مُؤَسِسة وقائدة لهذه المنظمة، فهذا التمثيل الصحيح للدين الإسلامي مكّن المملكة في عهد الملك سلمان من إنشاء التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب، ما أعطى صورة واضحة للمجتمع الدولي عن الدين الإسلامي ومكافحته للإرهاب والتطرف، والأفكار المنحرفة، وأن ذلك يتنافى مع القيم الإسلامية الصحيحة. *قوة دولية أما القوة الناعمة الأخرى التي لدى المملكة فمنها ما يتعلق بالدعم المالي للدول، وما تملكه المملكة من صناديق تنموية مكنتها من مساعدة الشعوب، وقد تميزت المملكة خلال تاريخها بهذه القوة، التي جعلتها الدولة الأولى على مستوى المجتمع الدولي في تقديمها للمساعدات لمحاربة الجوع والفقر والأوبئة، وإعانة الدول على التنمية، ومن ذلك الصندوق السعودي للتنمية ومركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، الأمر الذي ساعد تلك الشعوب في معرفة المملكة واتباع السياسات الإيجابية في بناء مجتمعاتها. ومن القوة الناعمة أيضاً نظام البعثات والمنح التي تقدم للشعوب، وقد لعبت المملكة في ذلك دوراً رئيساً في في نشر الدين الإسلامي ونشر التعليم والثقافة الإيجابية ومحاربة الأمية والجهل في مختلف تلك الشعوب. هذه نماذج رئيسة مما تقوم به المملكة على مستوى القوة الناعمة، إضافة إلى ما تفضل به الزملاء في الجوانب الطبية والتي تعد من القوة الناعمة الرئيسة التي قامت بها المملكة، فضلاً عن المساهمات الإيجابية في المنظمات الدولية سواء بالخطابات الدبلوماسية، إضافة إلى طرح الكثير من المبادرات التي تعبر عن مكانة المملكة العربية السعودية وقدرتها على إقناع المجتمعات، ومن ذلك مبادرة السلام لحل النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني وتعزيز السلم والاستقرار في هذه المنطقة بتبني مبادرات إيجابية، بالإضافة إلى لعب أدوار إيجابية في مجلس التعاون الخليجي لتعزيز الاستقرار في المنطقة. فالقوة الناعمة السعودية واسعة ومتشعبة، وأكرر أن القليل من دول العالم التي تملك القوة الناعمة ومن هذه الدول المملكة العربية السعودية، ولعل عدد الدول التي تملك القوة الناعمة على مستوى العالم لا يتعدى العشر دول، كقوة حقيقية قادرة على التأثير في المجتمع الدولي وقيادته نحو الاتجاهات الإيجابية، لذا تعد المملكة دولة رمزية في المجتمع الدولي في هذا الجانب. *خلق صناعة وتداخل أ. طلعت: يوجد في هذا الجانب موضوع جدلي يتمثل في استقطاب المملكة للاعبين مشهورين على مستوى الرياضة مثل كريستيانو رونالدو وغيره. فالمملكة تتجه في أمورها إلى خلق صناعة، صحيح أنها قوة ناعمة لكنها تتجه لخلق صناعة مستقبلية، ولعلي أشارك بعض الأرقام المتداولة، على سبيل المثال: * دخل الدوري السعودي تضاعف ثلاثة أضعاف عما كان عليه سابقاً بعد صفقات اللاعبين، من نحو (80) مليوناً إلى أكثر من (330) مليوناً. * الحضور إلى الملاعب تضاعف أيضاً. * الدوري السعودي صار منافساً للدوريات العالمية، فبات دوري روشن يتبوأ مرتبة متقدمة بين دوريات العالم المعروفة. وهذا كله يعد من القوة الناعمة التي ستترجم إلى صناعة، بالإضافة إلى الترفيه والسياحة والتي أثرت في مجملها على مؤشر السعادة، وتقدمت فيها المملكة كثيراً. فهذه القوة الناعمة نستخدمها لتكون صناعة تزيد في الناتج المحلي غير النفطي، ولعلنا لاحظنا في الربعين الأول والثاني أن القطاع غير النفطي يسابق، بل يتفوق على القطاع النفطي، ففي الربع الثاني حصل تراجع في القطاع النفطي، وتقدم للقطاع غير النفطي بمقدار أكثر من (6 ٪)، وهذا إن دل فإنه يدل على أن قيادة المملكة تنظر للمستقبل نظرة ثاقبة. وأضف على ما سبق أن الرياضة لدينا في المملكة كانت مختزلة في كرة القدم مع غياب لباقي الرياضات الأخرى، إلا أننا الآن بتنا نستضيف رياضات عالمية كالملاكمة والمصارعة، فكل ذلك سينعكس بشكل أو بآخر على الدخل غير النفطي للمملكة. *مداخلات *وطرح أ. خالد الربيش أسئلة على ضيوف الندوة جاءت كالتالي: * د. إبراهيم، ذكرت أن السياسة السعودية انتقلت من التفاعل إلى الفعل، فأصبحت مؤثرة في المشهد السياسي العالمي، برأيكم كيف استطاعت القيادة السعودية التوفيق بين كل مقومات التنمية الداخلية والتأثير في المشهد السياسي؟ * والسؤال الآخر للأستاذ طلعت، صدر اليوم تصنيف ستاندر، وكان التصنيف A، كيف استطاعت المملكة أن تصل إلى هذا الوضع الائتماني في ظل ما تعيشه دول العالم بين التضخم وأسعار الفائدة والانكماش؟ * وسؤال للدكتور ياسر، في الفترة الأخيرة في عهد الملك سلمان أصبح هناك اهتمام كبير بالفضاء، لماذا هذا الاهتمام بالفضاء تحديدًا؟ o والسؤال الأخير للدكتورة نجوى، القطاع الصحي قد مر بمراحل كثيرة من بداية توحيد المملكة إلى الوقت الحالي، نحتاج إلى قراءة سريعة منك عن هذا المشهد. انخفاض نسبة البطالة إلى (8 ٪) والوصول إلى أكثر من 2.2 مليون وظيفة *التوفيق بين السياسات أجاب د. إبراهيم: * فيما يتعلق بقدرة السياسة السعودية على التوفيق بين السياسات الداخلية والسياسات الخارجية، وأن تنتقل من التفاعل إلى الفعل، هو بفضل معرفة القيادة السعودية بقدرات المملكة العربية السعودية وإمكاناتها الحقيقية، كالتنمية المستدامة والتقدم الاقتصادي والاستقرار السياسي، إضافة إلى الموارد البشرية ذات الكفاءة العالية والتعليم المتقدم، وهذه القدرات الداخلية مكّنت المملكة من نقلها إلى المستويات الدولية والذهاب بعيداً في سياساتها الداخلية والخارجية من منطلق قوي، بالإضافة إلى أن شرعية نظام الحكم في المملكة العربية السعودية الممتدة تاريخياً والمدعومة أيضاً بأبناء المملكة وقوة اللحمة الداخلية مكنها من اتخاذ قرارات سياسية خارجية كبيرة جداً، على سبيل المثال عاصفة الحزم، إضافة إلى ذلك في السياسات المتعلقة بمواجهة التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للمنطقة العربية أو في التعدي على السياسات التي تذهب إليها المملكة مثل مقاطعة السياسة الإيرانية في مرحلة معينة، وأيضاً تكوين تحالف إسلامي عسكري أو الانضمام إلى التحالفات الدولية المكافحة أو المحاربة للإرهاب، ما سمح للمملكة في أن تذهب بسياساتها بعيداً وأن تتبنى المبادرات الأممية فيما يتعلق بدعم السلم ودعم الهدنة كما في اليمن من منطلق القوة التي تملكها في الداخل إلى منطلق القوة التي تملكها في الخارج، إضافة إلى ذلك فإننا حين توقيع المصالحة مع الجانب الإيراني فإن الجانب الإيراني هو من طلب المصالحة وليس الجانب السعودي، واستجابة القيادة السعودية لذلك المطلب من مبدأ القوة، وهذه الاستجابة منطلقة أيضاً من الاستناد على السياسة الداخلية القوية والسياسة الخارجية المتماسكة، ومثل هذه المبادرات أيضاً التي نذهب إليها على المستويات الدولية وقوة الخطاب السياسي السعودي الخارجي حيث دائماً ما يشير إلى القوة الداخلية التي تتمتع بها المملكة ويشار لها أيضاً بالقوة الشبابية أو القوة البشرية، ونجد ذلك من سمو ولي العهد في الإشارة الدائمة لذلك، وبالتالي فإن التوفيق بين السياسة الداخلية والسياسة الخارجية عملية تكاملية، وقد تصاعدت هذه العملية عبر العقود الماضية لأن تفعّل تفعيلاً حقيقياً في عهد الملك سلمان وعهد سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله-، ولذلك رأينا الكثير من المبادرات والسياسات التي انطلقت بها المملكة بقوة جعلت المجتمع الدولي يستجيب، ودائماً ما تكون الاتجاهات السلبية نحو المملكة غير فعّالة، لأن السياسة السعودية لديها الإمكانات والقدرات والصلابة لمواجهة تلك السياسات المعادية أو الاستفزازية، كما نجد الكثير من قيادات المجتمع الدولي وعلى رأسها القيادة الأميركية والصينية والروسية وغيرها من الدول الكبرى تأتي إلى المملكة لتعزيز العلاقات والحصول على كثير من الاتفاقيات التي تحفظ لهم المصالح مع المملكة وتعزز المصالح السعودية مع تلك الدول. *تقرير ستاندر بورز وردّ أ. طلعت: بالنسبة للتقييم الأخير لستاند آند بورز S&P، فقد ذكرت أن المملكة العربية السعودية نجحت في اتباع سياسات تنويع اقتصاد مهمة، ورؤيتها كانت بمثابة خارطة طريق، ولا نقلل هنا من الخطط الخمسية التي بدأت منذ السبعينات، إلا أنه دائماً ما كانت توجد فجوات بين كل خطة وأخرى، وكنا ندندن كثيراً على تنويع القاعدة الاقتصادية، إلا أننا لم ننجح بالقدر الذي نجحنا فيه اليوم، فعندما بدأنا الرؤية المباركة في (25/ إبريل/ 2016) كانت إيراداتنا غير النفطية (166) ملياراً، بينما اليوم تضاعفت ثلاث مرات لتتجاوز (350) ملياراً، كنا جادين سابقاً لكن لم تكن الأجهزة الحكومية تتكلم اللغة نفسها، فقد كانت كل جهة تتكلم لغة مختلفة وكل منها معزولاً عن الآخر، وكان الهدف غير محدد، بينما الرؤية رسمت الهدف، ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية جمع جميع الجهات ذات العلاقة برئاسة سيدي سمو ولي العهد، وأصبح القرار حاضراً من غير انتظار، وهذا ساعد كثيراً في تحقيق ما نحن عليه الآن. (ستاند آند بورز) أكدت في تقريرها على قوة المملكة العربية السعودية بما يتعلق بالضبط المالي أو في قدرة ومتانة الاحتياطيات. فالمملكة تعد من أقل الدول في مجموعة العشرين فيما يتعلق بالدين إلى (GDP) إلى أقل من 30 ٪، ونطمح إلى أن نصل بالأعوام القادمة إلى أقل من ذلك، علماً أن دولاً متقدمة يتجاوز دينها العام قيمة ناتجها المحلي 100 ٪، كما أن معظم الدين للمملكة داخلي بنسبة (70 ٪) من الدين العام، ويعد استثماراً لمشتري وحاملي السندات الحكومية وليس عبئاً مالياً عليهم، وبإمكان الدولة باحتياطاتها أن تسدد الديون، وتعد المملكة العربية السعودية الدولة الثانية خارج الاتحاد الأوروبي التي اقترضت في أحد اقتراضاتها جزءا من اقتراضها بعملة اليورو، وهذا يعطي انطباعاً أن المملكة دولة قوية ماليا وائتمانيا. وما ذكرته عن التقييم ل (ستاند آند بورز) A/A-1 يعد من أعلى التقييمات، وذكرت الوكالة بتقريرها أن الناتج المحلي يقدر له أن ينمو بنسبة 3.4 ٪ خلال فترة 24 إلى 26، معنى ذلك أن هناك نموا مستمرا، ومن الطبيعي عندما يحصل هناك نمو في الاقتصاد فإنه يصاحبه تضخم لأن الاقتصاد في حالة فورة اقتصادية وإنتاجية، وقد نجحنا في أغسطس أن نهبط إلى (2 ٪) وتعد هذه النسبة في التضخم الأقل على مستوى العالم، وتمكنا من الحفاظ على مستويات من الضغوط التضخمية المعقولة جداً. *سيّد الأعراس وقال طلعت: أنا أنظر إلى هذا اليوم الوطني 93 في هذه السنة على أنه سيّد أعراس ما سبقه من أيام وطنية على المستوى الاقتصادي، حيث لأول مرة في المملكة نصل إلى نسبة (8٪) للبطالة، وتمكنا من الوصول إلى أكثر من مليونين و(200) ألف وظيفة، إضافة إلى مواضيع تمكين المرأة والصعود إلى الفضاء. ففي ظل رؤية 2030 أصبحنا نلمس الإنجازات على أرض الواقع وكما قال الدكتور إبراهيم النحاس أن المملكة أصبحت دولة فعل حقيقية *الاهتمام بالفضاء وعن استفسار لماذا الاهتمام بعلوم الفضاء وأبحاثه وتقنياته وصناعاته، أجاب د. ياسر: كما ذكر سابقاً الفضاء من المجالات الواعدة، وقد اهتم الإنسان باكتشاف الفضاء كجزء من شغفه باكتشاف المجهول، وقد تطورت اكتشافات وعلوم الفلك والفضاء حتى بلغت ذروتها، وأصبح التطور في مجال الفضاء مؤشراً من مؤشرات قياس تطور الدول وتقدمها. وقد اهتمت المملكة في هذا العهد الزاهر بعلم الفضاء أيما اهتمام، وكسائر التطور في شتى المجالات الأخرى تم في فترة قصيرة إنجاز ما لا يمكن إنجازه في عدة سنوات في مجال الفضاء. ومن الجدير بالذكر أن مجال الفلك والفضاء هو مجموعة كبير من المجالات التي تندرج تحته، والتطور في أي مجال من مجالات الفضاء ينعكس إيجابياً على تطور مجالات تقنية أخرى عديدة كصناعة الإلكترونيات المتقدمة وأجهزة الاتصالات والأجهزة الميكانيكية. كما أن إجراء التجارب العلمية المختلفة في مستوى الجاذبية الصغرى سيحقق للبشرية بإذن الله تعالى النفع والفائدة كما رأينا ذلك في رحلة فالكون-9. أيضاً الاهتمام بعلم الفضاء فيما يخص علم وتقنية وصناعة الأقمار الاصطناعية أدى/وسيؤدي إلى تطور كبير في كل مجال مرتبط بذلك، كدراسات المناخ والاتصالات والبث الإعلامي وشبكات الإنترنت وحركة الصفائح الأرضية وغيرها من المجالات العديدة الأخرى. *الإنجازات الفضائية وعن إنجازات المملكة في مجال الفضاء، ذكر د. ياسر أن من المجالات الواعدة مجال الفلك وتقنيات الفضاء وعلومه، يجد المتابع والمتأمل أن الإنجازات التي تمت في مجال الفضاء تسابق الوقت بشكل كبير ونراها تحقق كل يوم بتوجيه من قيادة حكيمة ذات رؤية عميقة من مولاي خادم الحرمين الشريفين وسمو سيدي ولي العهد -حفظهما الله - بنظرته الثاقبة التي تقود سفينة الوطن باستمرار من سمو إلى سمو ومن نجاح إلى نجاح في شتى الميادين، وتعكس الإرادة الاستشرافية والمتميزة لكل مخلص لتراب هذا الوطن، وكل شغوف بتحقيق أفضل الإنجازات المبنية على العلم وتمكين المواطن المتعلم والمتميز. وقد بلغت هذه الإنجازات ذروتها في هذا العام بإعلان تأسيس وكالة الفضاء السعودية وصعود رائدي الفضاء ريانة برناوي وعلي القرني إلى محطة الفضاء الدولية، وفيها أول مشاركة لأول امرأة عربية مسلمة كرائدة فضاء. بالإضافة إلى إنجازات أخرى كبرنامج رواد الفضاء بشكل عام وبرنامج «كونك» الذي يهدف إلى نشر ثقافة الفضاء لجميع فئات المجتمع والتوسع في ذلك محليا ودوليا، وكذلك إطلاق الاقمار الاصطناعية واستخدامات الفضاء للأغراض السلمية. *رواد الفضاء وحول برنامج رواد الفضاء ودوره في تأهيل الكوادر السعودية قال حافظ: خير ما يقال في هذا الشأن هو ما قاله مولاي خادم الحرمين الشريفين بحضور سمو سيدي ولي العهد -يحفظهما الله – في الكلمة الكريمة في افتتاح أعمال السنة الشورية الثالثة العام الماضي حيث قال -حفظه الله –: «إن عالم الفضاء قد أولته المملكة قدراً من اهتمامها لتعزيز دورها في عالم الفضاء وصناعة تقنياته، وخلال هذا العام تم إطلاق برنامج المملكة لرواد الفضاء عبر رؤية المملكة 2030، الذي يهدف لتأهيل كوادر وطنية متمرسة للقيام برحلات فضائية طويلة وقصيرة المدى، كما سيتم إطلاق الاستراتيجية الوطنية للفضاء، والتي تشمل برامج الفضاء بالمملكة وأهدافها في خدمة الإنسانية». هذه الكلمة الكريمة اشتملت على توجيه وخطة عمل واضحة لتأهيل الكوادر السعودية وحددت أهداف تلك الخطة من خلال برنامج رواد الفضاء. وتداخل أ. طلعت قائلاً : إن ما شد انتباهي في موضوع الفضاء المشاركة، حيث إن ستة آلاف طالب كانوا مشتركين في هذه الرحلة الفضائية من خلال التفاعل مع رواد الفضاء، وهذه لفتة مهمة جداً في تأهيل الطلاب لما هو قادم في المستقبل، وأعتقد أن الفضاء هو مجال للاقتصاد أيضاً. وهنا أذكر ما قاله الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله - حين سئل عن النفط فأجاب بأننا سنحول كل شيء إلى نفط، لذا أرى أن الفضاء سيكون صناعة له تأثير على الناتج المحلي في المستقبل إن شاء الله. *من الرؤية انطلقنا وعلقت د. نجوى: أعتقد أن الفروقات التي حصلت منذ عهد المؤسس إلى وقتنا الحاضر هي عند إطلاق رؤية 2030، فعند وضع الخطط الاستراتيجية للتحول الصحي حاولنا أولاً أن نفهم القطاع واحتياجاته بأكمله، والهدف هو توفير الخدمات الصحية الشاملة بشكل عادل في جميع أنحاء المملكة وبأفضل المعايير وأخذ سلامة المرضى في الاعتبار، فوجدنا أن الخدمات موجودة ولكنها مشتتة ولا يوجد خط يوصل المريض من محطة إلى محطة أخرى، حتى أن المريض أو المستفيد تائه عن الحصول على الخدمات التي يريدها ويستفيد منها، فكان التركيز على وصول الخدمة في الوقت المناسب مهماً، لذلك عند وضع الخطة للتحول الصحي كانت مبنية على سد الثغرات وتقوية نقاط الضعف، فوجدنا أن الخدمات المتخصصة ممتازة لدينا، وبدأنا المسيرة من الخدمات الوقائية والتوعوية وربطها بتفعيل المستفيد ليأخذ دوره في الاهتمام بصحته من خلال توعيته بالسلوكيات الإيجابية التي تقلل من الإصابة بالأمراض. وهذه النقطة لم تكن واضحة بين جميع القطاعات، حيث كانت تقدم في أماكن متعددة وبشكل عشوائي، أما الآن فأصبح هناك استراتيجية واضحة للتوعية والوقاية من الأمراض كالتركيز على منع التدخين والسمنة، حيث زاد عدد العيادات المتخصصة للإقلاع عن التدخين وكذلك المختصة بالنظام الغذائي، فعملنا على تفعيل دور من حول الطبيب من الممارسين الصحيين وذلك بوضع خطة لإعادة تأهيلهم، لتكون المراكز الصحية مهيأة بجميع ما فيها للزيادة السكانية المستهدفة في المملكة. كذلك يوجد مستشفى الصحة الافتراضي الذي يخدم المستفيد ممن لا تتوفر في منطقته مراكز صحية عبر الاتصال المرئي وبإشراف متخصصين في مناطق مختلفة لنضمن أن يحصل المريض على خدمات في الوقت المناسب ولا ينتظر إحالة من المناطق النائية إلى المدن الكبيرة. فكفاءة الأداء من الممارسين الصحيين وتوفير الخدمات الصحية أصبحت واضحة في الخطة الاستراتيجية، وكذلك إعادة الهيكلة في التجمعات الصحية، فلدينا (16) تجمعاً صحياً في كل أنحاء المملكة، ونهدف إلى زيادة عددها لنصل حتى (25) تجمعاً، كما أن جائحة كورونا كان لها دور في تسريع العمل بالمبادرات وتعديل مبادرات أخرى. إن ميزة التحول أنها مرحلة انتقالية كما أنها مكنتنا من مراجعة المبادرات المطروحة حسب الظروف والأحوال الطارئة لتعديلها أو إعادة طرح مبادرات غيرها، وهذا ما حصل. المملكة دولة أقوال وأفعال حقيقية *أسعار النفط وطرح أ. صالح الحماد سؤالًا على الأستاذ طلعت، عن دور المملكة الرئيس في الحفاظ على استقرار أسعار الطاقة عالمية؟ أجاب طلعت: يطلق على المملكة أنها مركز ومحور الطاقة سواء فيما يتعلق بالإنتاج أو المبيعات، بالإضافة إلى الاحتياطات التي تعد الأكبر على مستوى العالم، فالمملكة تعد بحق «بنك الطاقة ومركزها الأساسي». والمملكة يهمها أن تصل الأسعار إلى شكل متوازن، لا ضرر ولا ضرار بالنسبة للمنتجين والمستهلكين، لذا فإن الخفض الطوعي مدد إلى ديسمبر والهدف منه كان التوازن في السعر، فليس من صالح المملكة إغراق السوق وانحدار الأسعار، الاختلافات ما بيننا وبين وكالة الطاقة الدولية، للأسف أن «وكالة الطاقة الدولية» تعتمد في تقريرها على التنظير بعيدا عن الواقع الملموس لأساسيات السوق وبالنسبة لأوبك+، و«أوبك» تعتمد على معلومات دقيقة، وكان سمو الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة أوضح في لقاء أن بدائل الطاقة مرتفعة الأسعار كثيراً عن النفط لأسباب عدة، منها فرض الضرائب العالية ببلدانها، وهنا إشكالية أن وكالة الطاقة الدولية تؤثر على الاستثمارات، فعندنا الآن ضعف في الاستثمارات وضعف بالقدرات التكريرية، فلا المملكة ولا أوبك ولا أوبك+ تفعل ذلك التخفيض الطوعي اعتباطاً وإنما للمحافظة على سعر معقول من غير نزول أو صعود كبير، فالصعود الكبير للسعر يضر بالاقتصاد العالمي وفي الوقت نفسه الانخفاض الكبير في الأسعار وتقلباتها الحادة بشكل قوي إضافة إلى تأثير ذلك على مقومات الاقتصاد الدولي، فالهدف - باختصار - موازنة السوق وموازنة العرض والطلب بنظرة ثاقبة من قبل المملكة باعتبارها قائداً لسوق النفط، فلا بد أن تكون الأسعار معقولة بحيث لا تحدث ضرراً لا للمنتجين ولا للمستهلكين على حد سواء بالإضافة إلى أنها تخدم أهداف الاقتصاد السعودي. الأمن الصحي والأمن الدوائي يحظى برعاية كريمة وخاصة من قيادتنا الرشيدة *يوم مختلف وتداخل أ. عبدالله الحسني قائلاً: إن اليوم الوطني هذا العام مختلف عن سابقيه، فحين نتحدث عن الوطن وملحمة التأسيس لا نغفل الجذور الراسخة التي قامت عليها هذه البلاد وهي منظومة القيم الإسلامية، وتوارثها ملوك هذه البلاد حتى هذا العهد الزاهر، عهد الخصب والنماء، وأعتقد أن أبرز تجليات هذا العهد هو الرؤية، ومرتكزات هذه الرؤية (المجتمع الحيوي، الاقتصاد المزدهر، الوطن الطموح)، ونجد أن جميع هذه الإنجازات تندرج تحت هذه المرتكزات. وقد أشار الدكتور إبراهيم إلى نقطة مهمة جداً أن وطننا بقيادته وطن شجاع، ومن ذلك المبادرة التي قامت بها المملكة لاجتثاث الإرهاب والمساهمة في إرساء السلم والقضاء على التطرف، كما أشار الأستاذ طلعت إلى التطور المذهل في عملية الرقمنة والخدمات التي يعيشها المجتمع كتطبيق صحتي وأبشر وغيرهما. إن هذه الإنجازات هي بحق ثمرة هذه الرؤية العظيمة التي نسير على ضوئها، وندعو الله أن يديم هذه القيادة ويحفظ هذا البلد من كل شر. *الأمن والأمان وعلق أ. طلعت: لا يمكن لدولة في العالم أن تنمو اقتصادياً واجتماعياً وهي معدومة الأمن والأمان، فنعمة الأمن والأمان توجت جهودنا ولله الحمد. كنا في السابق نعاني من بيروقراطية الأجهزة الحكومية وتفوق القطاع الخاص عليها في سرعة الإنجاز، أما الآن فنجد أن الآية انعكست، فالمسؤول الحكومي بات يتكلم لغة احترافية، وهذا العمل الجاد أوصلنا إلى المؤشرات العالمية متفوقين على غيرنا، وأصبح لدينا مشروعات نوعية كميناء مدينة الملك عبدالله الكائن بمدينة الملك عبدالله الاقتصادية الذي يعد من أكبر وأفضل مواني العالم، وما هو قادم من مشروعات أعظم، وبالتالي فإن حجم الأعمال والاستثمارات سيزداد. ولعله من دواعي السرور والفرحة، أن الناتج المحلي الإجمالي للمملكة بلغ بالأسعار الجارية أكثر من تريليون دولار في عام 2022، وهي المرة الأولى التي يحقق فيها الناتج المحلي الإجمالي في المملكة هذه القيمة الإجمالية مدعومًا بتنوع الأنشطة التي أسهمت في تحقيقه، إذ حققت جميع الأنشطة الاقتصادية معدلات نمو إيجابية خلال عام 2022. كما وحققت المملكة المرتبة 17 عالمياً من أصل 64 دولة هي الأكثر تنافسية في العالم، لتصبح من الدول ال20 الأولى لأول مرة في تقرير الكتاب السنوي للتنافسية العالمية تسجل هذا الرقم وتتبوأ هذا المركز المتقدم تنافسياً، الصادر عن مركز التنافسية العالمي التابع للمعهد الدولي للتنمية الإدارية (IMD)، الذي يعد واحداً من تقارير التنافسية الرئيسة على مستوى العالم. في الربع الأول دخل إلى المملكة 7.8 ملايين سائح وزائر أجنبي، ليصبح الربع الأول موجباً في تأثيره على ميزان المدفوعات بعد أن كان سالباً العام السابق، وهذه تحصل لأول مرة في المملكة العربية السعودية، بمعنى آخر أقول كانت لدينا - للأسف - قطاعات اقتصادية شبه معطلة كالترفيه والسياحة والقطاع اللوجستي، فكل هذه القطاعات خلقت فرص عمل عديدة ومازال المستهدف كبيراً، ففي السياحة نستهدف خلق مليون وظيفة، ومئة مليون سائح، و(330) مليون مسافر وخلق مليون وظيفة، فكل ذلك سينعش الاقتصاد ويحركه. *كثرة المشروعات وقال د. إبراهيم: الذي يميز اليوم الوطني هذا العام، كثّرة المشروعات الجديدة، ففي كل يوم وطني من كل عام لدينا فكرة جديدة ورؤية جديدة، ولعلي أشير لهذا العام بالكلمة التي ألقاها سيدي سمو ولي العهد في مجموعة العشرين عندما أشار إلى الممر الاقتصادي، هذا المشروع الكبير الذي يعتمد على منجزات الرؤية في الداخل، والذي أعاد للمملكة العربية السعودية مركزيتها على المستويات الدولية، وهذه الرؤية التي تسمى مشروع بناء وطن ببرامجها المتعددة. فتلك الكلمة وما تضمنته نقلت السعودية للمستويات العالمية، ونقلت المجتمع الدولي لداخل المملكة العربية السعودية، وجعلت من المملكة دولة رئيسة سواء سياسياً بما تملك من استقرار، أو اقتصادياً بما تملك من قوة، حتى على مستوى الطاقة، لقدراتها التي فعلتها على المستوى الدولي. *التقارب السياسي وعلق أ. طلعت: من دون أدنى شك أن المشروعات العملاقة وكذلك الممر الاقتصادي يميز اليوم الوطني، ولكن أعتقد أن ما يميزه أكثر ويحسب للمملكة هو التقارب السياسي مع العديد من الدول، ومنها إيران وتركيا إلى حد ما، فالتقارب السياسي ما بين هذه الدول مهم جداً، إضافة إلى حل مشكلة اليمن، لأنه لا يمكن لدولة أن تنمو وحولها نزاعات ومشكلات، فنجاح المملكة يتم في التقارب وإعادة العلاقات مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية وتركيا، والمملكة تاريخياً دولة سلام داخلياً وخارجياً، فخير المملكة يخص ويعم أيضاً. وكذلك أشير إلى المبادرة البيئية التي قامت بها المملكة، ألا وهي مبادرة الشرق الأوسط الأخضر، فهذه المبادرات والتي تهدف إلى استقرار المنطقة واستتباب الأمن فيها، لذا أقول إن المملكة العربية السعودية كانت وما زالت بوابة سلام للمنطقة وللعالم أجمع. *التعاون الدولي في الفضاء وتحدث د، ياسر حول التعاون الدولي في مجال الفضاء، قائلاً: بتوجيه كريم من سمو سيدي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -يحفظه الله– تم تحويل الهيئة السعودية للفضاء إلى وكالة الفضاء السعودية بقرار مجلس الوزراء الموقر (821) وتاريخ 1444/11/24ه. وتهدف الوكالة إلى تنظيم كل ما له صلة بقطاع الفضاء، وتعمل على تعزيز الأمن والحماية للقطاع من أي مخاطر محتملة، كما تضمن رعاية مصالح السعودية ومكتسباتها في هذا المجال، وتشجيع الأنشطة البحثية والصناعية المتصلة بالفضاء، وتنمي الكوادر الوطنية المتخصصة في المجال. والمعلوم أن وكالات الفضاء تقوم بأعمال تنفيذية علمية وتقنية في مجال الفضاء إلى جانب الدور التنظيمي والإشرافي المتعلق بالفضاء الذي كانت تقوم به هيئة الفضاء السعودية. القطاع الصحي يطلق الكثير من المبادرات التطويرية المستندة على رؤية 2030 وبالتالي يمكن القول إن تأسيس الوكالة هو مؤشر على أن المرحلة المقبلة هي مرحلة تنفيذية بالدرجة الأولى لأعمال الفلك والفضاء في المملكة العربية السعودية على المستويين المحلي والدولي، لتكون ضمن مصاف وكالات الدول المتقدمة في هذا المجال. ويعزز ذلك تأسيس الأقسام العلمية في هذا المجال في الجامعات السعودية ومدينة الملك عبد العزيز كمختبر وطني رائد في هذا المجال، وكذلك مشاركة مؤسسات المجتمع المدني من جمعيات كالجمعية السعودية لهواة السلكي، وكذلك مؤسسة مسك والتي أنشئت بتوجيه ومتابعة شخصية من سمو سيدي ولي العهد -يحفظه الله- وفي رأيي هي الجهة الرائدة والقادرة بالدرجة الأولى على تمكين القدرات الوطنية لإبراز تنافسيتها العلمية محلياً وعالمياً في مجال الفلك والفضاء بالتعاون مع الوكالة الفضاء السعودية. وهناك العديد من الأفكار والمقترحات التي يمكن طرحها لتطوير قطاع الفضاء الفلك علمياً وتقنياً ومنها ما تشرفت بطرحه تحت قبة مجلس الشورى الموقر لتأسيس محطة لإطلاق المركبات الفضائية من منطقة سعودية مناسبة جغرافياً وعلمياً لذلك، فالمملكة تمتلك أماكن مناسبة لهذا الغرض أفضل من محطات عالمية مرموقة، هذا الطموح ما كان له أن يكون لولا الدعم والتوجيه والمتابعة من سمو سيدي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -يحفظه الله - والذي قاد إلى التحول المؤسسي في المملكة من مجرد اهتمامات متناثرة أو فردية كما كان في السابق إلى عمل مؤسسي يضاهي وينافس ما هو موجود في الدول العالم المتقدمة في هذا المجال، ولا شك أن السرعة والإتقان أمران مهمان متلازمان لإنجاح وإنجاز أي عمل وهما أساس لتحقيق الشغف والطموح لدى الإنسان، لأن العالم يتقدم والسرعة أساس لمواكبة هذا التقدم، والإتقان أساس للتنمية وتحقيق الطموح. *المرأة والتنمية المملكة تتبوأ مراتب متقدمة في مؤشر (IMD) وتحتل المركز (17) في مؤشر التنافسية العالمية وعن تعزيز مشاركة المرأة في التنمية العلمية الشاملة في الداخل والخارج قال د. ياسر: هذا جانب آخر من جوانب التطور والازدهار الذي نعيشه في المملكة، فيعلم الجميع أن المملكة حرصت في هذا العهد الزاهر بتمكين المرأة إيماناً بقدراتها وتعزيزاً لمكانتها التي كفلها لها شرعنا الحنيف ونظام المملكة، وجاء تأكيد ذلك في كلمة مولاي خادم الحرمين الشريفين أيضاً في افتتاح أعمال السنة الثالثة لمجلس الشورى الموقر، عندما قال -حفظه الله-: «حظيت المرأة السعودية باهتمام ورعاية لتؤدي دورها في التنمية والبناء والتطوير»، وبالتالي فإن المشاركة الدولية لأول رائدة فضاء سعودية عربية مسلمة بدعم وتوجيه ومتابعة من القيادة الرشيدة على هذا المستوى في رحلة الفضاء هذا العام هو إحدى ثمرات هذا التمكين الذي يؤكد للعالم أجمع أننا تجاوزنا -في رأيي- مرحلة التمكين إلى مرحلة الإنجاز، ولله الحمد، والواقع الذي نلمسه ونعيشه يؤكد ذلك. وعلقت الدكتورة نجوى: فعلاً المشروعات الكبيرة كانت من أبرز الإنجازات لهذا العام، وفي المجال الصحي فإن قيام شركة الصحة القابضة يعد أحد هذه الإنجازات المهمة جداً، فالشركة تقدم الخدمات وتشرف على كل المبادرات التي لها علاقة بتقديم خدمة شاملة للمريض، وهي بلا شك حلم تحقق كنا ننتظره من خمس سنوات، فضلاً عن وجود المركز الوطني للتأمين، والخطط التي تنجز على أرض الواقع، والمؤشرات الخاصة بالأمراض المزمنة، فالتحول بحد ذاته لم يحصل له مثيل على مستوى العالم خاصة في القطاع الصحي الذي يعد من أصعب القطاعات في التحول. ضيوف الندوة د . إبراهيم النحاس أ . طلعت حافظ د . ياسر الحافظ د . نجوى الغامدي حضور الندوة خالد الربيش صالح الحماد عبد الله الحسني صالحة العتيبي سارة القحطاني