في أحد شوارع ستيباناكرت كبرى مدن إقليم ناغورني قره باغ، تعبر أولغا غريغوريان عن قلقها من اندلاع معارك جديدة بين القوات الأرمينية والأذربيجانية بعد ثلاثة أعوام من الحرب الأخيرة، على خلفية توترات متصاعدة حول الجيب الانفصالي. وتقول "نعيش في خوف دائم". وخاض البلدان حربين للسيطرة على ناغورني قره باغ، آخرهما في عام 2020 وانتهت بهزيمة أرمينيا وتحقيق أذربيجان مكاسب ميدانية وبوقف هش لإطلاق النار برعاية موسكو. لكن وسط انشغال الكرملين في حربه لأوكرانيا، يتفاقم تدهور الوضع في ناغورني قره باغ، لا سيّما بعدما اتّهمت أرمينياأذربيجان بتأجيج أزمة إنسانية بعدما أغلقت باكو العام الماضي ممر لاتشين وهو الطريق الوحيد الذي يربط المنطقة بأرمينيا. ونفت أذربيجان الاتهامات قائلة إنه يمكن لناغورني قره باغ تلقي كل الإمدادات اللازمة عبر أذربيجان. والاثنين، أعلن مسؤول أذربيجاني أن شاحنات محمّلة بمساعدات إنسانية دخلت إلى الإقليم الانفصالي بعدما اتفق انفصاليون أرمن مع الحكومة في باكو على استخدام الطرق التي تربط الجيب بأرمينياوأذربيجان. وقال مستشار السياسة الخارجية لرئيس أذربيجان حكمت حاجييف على شبكات التواصل الاجتماعي الإثنين "تمّ ضمان المرور المتزامن لسيارات الصليب الأحمر" عبر ممر لاتشين الذي يربط الجيب الانفصالي بأرمينيا وعبر طريق أغدام الذي يربطه ببقية أذربيجان. وفي ستيباناكرت، تقول أولغا غريغوريان "الوضع يتفاقم يومًا بعد يوم". وتضيف "الناس خائفون من الاستيقاظ على أصوات القذائف مثلما حصل في العام 2020". وتتابع "لا نعرف كيف نعيش على هذا النحو وكيف نربّي أطفالنا ونحن نعيش في ضغط مستمر ولا أحد يريد مساعدتنا". رغم الوساطات المنفصلة من جانب الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا، لم تتوصل يريفان وباكو إلى اتفاق سلام. ورأى رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان، في تصريحات لوكالة فرانس برس في يوليو، أن اندلاع حرب جديدة مع أذربيجان "مرجح جدًا". واتهم باشينيان باكو بحشد قوات قرب الإقليم الانفصالي الذي تسكنه أغلبية من الأرمن وأعلن استقلاله عن أذربيحان بشكل أحادي وبدعم من يريفان قبل أكثر من ثلاثين عامًا. وفي مايو، قال باشينيان إن أرمينيا تعترف بناغورني قره باغ كجزء من أذربيجان، في تصريح اعتُبر خطوة أولى نحو سلام دائم. لكن باكو تعتبر أن رئيس الوزراء الأرميني يقول شيئًا ويفعل شيئًا آخر إذ لا تزال يريفان تموّل أنشطة القوات الانفصالية من ميزانية الدولة. وقال مستشار السياسة الخارجية لرئيس أذربيجان حكمت حاجييف لوكالة فرانس برس "ألحقت بعض التصرفات الأخيرة من جانب المسؤولين الأرمن أضرارًا بالغة بعملية السلام". وألمح إلى رسالة تهنئة نشرها باشينيان بمناسبة ذكرى استقلال ناغورني قره باغ في الثاني من سبتمبر وأثارت غضب باكو. وأضاف حاجييف "إجراء ما سُمّي بانتخابات رئاسية في الإقليم في التاسع من سبتمبر شكّل استفزازًا جديدًا"، متهمًا يريفان ب"نسف" الحوار. واعتبر الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة هذا الاقتراع غير شرعي. من جهتها، اتهمت يريفان جارتها بتأجيج أزمة إنسانية في الاقليم بعدما أغلقت باكو العام الماضي ممر لاتشين وهو الطريق الوحيد الذي يربط المنطقة بأرمينيا، وحيث تتواجد قوات حفظ سلام روسية.ويرى محللون أن عدم إحراز تقدم في محادثات السلام يغذي التوترات ويؤجج المخاوف. وقال المحلل الأميركي بنيامين ماتيفوسيان لوكالة فرانس برس "لا شكّ في أن احتمال نشوب نزاع مسّلح جديد مرتفع جدًا، في وقت تحشد أذربيجان قواتها عند الحدود مع أرمينيا وقرب ناغورني قره باغ". واعتبر المحلل السياسي الأذربيجاني فرهاد محمدوف "سيبقى خطر استئناف القتال على نطاق واسع مرتفعًا طالما لم توقّع معاهدة سلام". ورجّح أن "تهاجم باكو أراضي أرمينيا إذا تدخلت يريفان عسكريًا في ناغورني قره باغ". من جانبه، قال المحلل الأرمني هاغوب بالايان إن هجومًا من هذا النوع على الأراضي الأرمينية يمكن أن يتحوّل إلى "حرب إقليمية كبيرة" تنخرط فيها تركيا - حليفة باكو - وخصمها التاريخي إيران التي تراقب بريبة استراتيجية النفوذ التركي في منطقة القوقاز. وتصاعدت التوترات بين أرمينياوأذربيجان مطلع يوليو بعدما أغلقت باكو بذرائع مختلفة ممر لاتشين، ما تسبب في نقص كبير في الامدادات. وأثار ذلك مخاوف من تجدد المعارك بين البلدين خصوصا في ظل تعزيز أذربيجان انتشارها العسكري عند الحدود. ودارت الحرب الأولى حول مصير الإقليم عند انهيار الاتحاد السوفياتي في التسعينيات، وقد أودت بحياة 30 ألف شخص، فيما خلفت الحرب الأخيرة في عام 2020 نحو 6500 قتيل من الجانبين.