غادر سجناء أميركيون سابقون إيران في طائرة قطرية باتجاه الدوحة، فيما وصل محتجزان إيرانيان سابقان في الولاياتالمتحدة إلى العاصمة القطرية، في إطار عملية تبادل سجناء بين واشنطنوطهران شملت تحويل أرصدة مجمّدة إلى الجمهورية الإيرانية. ونص الاتفاق الذي أعلن عنه في العاشر من أغسطس الماضي على أن تطلق إيران سراح خمسة أميركيين، فيما تفرج الولاياتالمتحدة عن خمسة سجناء إيرانيين، بوساطة من قطر. وقال مصدر مطّلع على الملف في الدوحة لوكالة فرانس برس طالبا عدم الكشف عن هويته إنّ «طائرة قطرية أقلعت وعلى متنها السجناء الخمسة واثنان من أقربائهم برفقة السفير القطري» لدى طهران، متجهة نحو العاصمة القطرية. وفي واشنطن، أكّد مسؤول أميركي أن الأميركيين المفرج عنهم في ايران غادروا طهران بالفعل. في المقابل، وصل إيرانيان أفرجت عنهما الولاياتالمتحدة الى الدوحة، حسبما ذكرت وكالة تسنيم. وقالت إن «معتقلين إيرانيين هما مهرداد معين أنصاري ورضا سرهنك بور، تم إطلاق سراحهما في عملية تبادل السجناء الإيرانيين والأميركيين ويعتزمان التوجه إلى إيران، وصلا إلى الدوحة»، مشيرة إلى إطلاق سراح السجناء الثلاثة الآخرين أيضا غير أنهم لا يريدون الذهاب إلى إيران. وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني قال في مؤتمر صحافي أسبوعي أن من بين مواطني طهران الخمسة «سيعود اثنان إلى إيران، وآخر سيذهب إلى بلد آخر بسبب وجود عائلته فيه، وسيبقى اثنان» في الولاياتالمتحدة. وأفاد مسؤول أميركي بأن الرئيس جو بايدن منح العفو للإيرانيين الخمسة الذين كانوا مسجونين أو ينتظرون المحاكمة بتهم جرائم «غير عنيفة». وقال مسؤول أميركي كبير واشنطن فرضت عقوبات على وزارة الاستخبارات الايرانية والرئيس السابق احمدي نجاد. إيداع الأموال قبل بدء عمليات التبادل، قال محافظ البنك المركزي الإيراني محمد رضا فرزين إنّ طهران تلقّت «رسالة رسمية من السلطات القطرية تشير إلى تفعيل حسابات ستة بنوك إيرانية»، مضيفا «تم اليوم إيداع ما يعادل 5,573,492,000 يورو في حسابات المصارف الإيرانية لدى مصرفين قطريين». والأصول المفرج عنها من حسابات في سويسرا أموال مستحقة لإيران بموجب بيع نفط الى كوريا الجنوبية. لكنّ سيئول جمّدتها مذ انسحبت الولاياتالمتحدة أحاديا عام 2018 من الاتفاق بشأن برنامج طهران النووي وأعادت فرض عقوبات على الجمهورية الإيرانية. وأشار فرزين إلى أن هناك «دعوى من إيران ضد كوريا الجنوبية لعدم إتاحة الوصول إلى هذه الأموال وانخفاض قيمتها (...)، من أجل الحصول على تعويضات». في الدوحة، قالت مصادر مطّلعة على عملية التبادل إنّ المواطنين الأميركيين سيخضعون لفحص طبي في العاصمة القطرية قبل مغادرتهم قطر. ومن المقرّر أن يسافر أربعة من المفرج عنهم إلى واشنطن، بينما سيتوجه الخامس إلى دولة خليجية أخرى. ويتزامن تطبيق الاتفاق مع الزيارة المرتقبة للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الى نيويورك للمشاركة في الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة. ومن المفرج عنهم رجل الأعمال سياماك نمازي الذي يمضي منذ العام 2016 عقوبة بالسجن عشر سنوات لإدانته بتهمة «التجسس» لحساب الولاياتالمتحدة. وتشمل أيضًا قائمة المفرج عنهم رجل الأعمال عماد شرقي المدان بالسجن عشرة أعوام لإدانته بتهمة بالتجسس، ومراد طهباز الذي يحمل أيضا الجنسية البريطانية وحكم عليه بالسجن 10 أعوام أيضا بتهمة «التآمر مع الولاياتالمتحدة». وهؤلاء الثلاثة يحملون الجنسية المزدوجة. إلى ذلك، فضّل الاثنان الآخران عدم كشف هويتهما. في المقابل، أكد القضاء الإيراني في أغسطس 2022 أن «عشرات» الإيرانيين محتجزون في الولاياتالمتحدة. ومعظم هؤلاء مزدوجو الجنسية ومتّهمون بمخالفة عقوبات واشنطن على طهران. وتشمل قائمة الإيرانيين المسجونين في الولاياتالمتحدة كامبيز عطار كاشاني ورضا سرهنك بور المتهمين بمخالفة العقوبات الاقتصادية. غايات «إنسانية» تشدد إدارة بايدن على أنه يمكن لإيران استخدام هذه الأموال حصراً لشراء الأغذية والأدوية والسلع الإنسانية الأخرى التي لا تشملها العقوبات الأميركية. إلا أن بعض المسؤولين في طهران ألمحوا الى عدم وجود قيود على إنفاق هذه الأرصدة. لكن واشنطن حذّرت من أنها قد تعيد تجميد الأصول في حال استخدمتها طهران لغير الغايات الإنسانية المحدّدة. وسبق للطرفين أن أبرما اتفاقات لتبادل السجناء آخرها في يونيو 2020 على رغم التوتر بينهما والخلافات بشأن ملفات متشعبة. ورأى محللون أن الاتفاق الجديد الذي تم التوصل إليه بعد أشهر طويلة من المفاوضات في الكواليس، يؤذن بتخفيف حدة التوتر بين الخصمين وقد يفضي إلى مزيد من الجهود الهادئة للتعامل مع مخاوف منها ما يتعلق ببرنامج إيران النووي وتسارع وتيرته منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي لعام 2015. إلا أنهم استبعدوا أن يمهّد الاتفاق لتفاهمات أكبر خصوصا بشأن النووي، لاسيما مع اقتراب ولاية بايدن من نهايتها واستعداد واشنطن للدخول في أجواء الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر 2024. ويأتي اتفاق تبادل السجناء والإفراج عن الأصول بعد زهاء عام من انهيار مباحثات هدفت لإحياء الاتفاق النووي. وأتاح الاتفاق بين إيران والقوى الكبرى تقييد الأنشطة النووية للجمهورية الإيرانية في مقابل رفع عقوبات اقتصادية عنها. لكن واشنطن انسحبت أحاديا منه في 2018 وأعادت فرض العقوبات، ما دفع طهران للتراجع تدريجيا عن التزاماتها النووية، خصوصا في مجال تخصيب اليورانيوم. وأجرت إيران والقوى الكبرى، بتسهيل من الاتحاد الأوروبي ومشاركة الولاياتالمتحدة بشكل غير مباشر، مباحثات اعتبارا من أبريل 2021 لإحياء الاتفاق، من دون أن تؤدي إلى نتيجة.