أوضح الفنان الدكتور سعد الهويدي المشارك في معرض بينالي الجنوب الدولي للفن المعاصر «بينالسور»، في سياق مشاركة وزارة الثقافة؛ أن عمله «ملّة إبراهيم» يهدف إلى إثارة التساؤلات حول طريقة العيش اللائقة بالإنسان، والتي تعينه على التعارف والتضامن أمام القلق الإنساني، مؤكداً في هذا الحوار على أهمية مشاركة الفنان السعودي في المعارض الدولية التي تسهم في تنشيط الحراك الثقافي، فإلى الحوار. * بصفتك مشاركاً في معرض بينالسور.. كيف تقرأ أثر مثل هذه المشاركات الخارجية على الفنان السعودي؟ * المشاركة في التظاهرات الفنية العالمية بحجم «بينالسور» أو المعارض المشابهة له؛ ترفع قيمة الفنان السعودي وتعزز حضوره عالمياً، كما تحفّز قطاع الفن في المملكة وتسهم في انتشاره، إذ تخلق حواراً ثقافياً يتسق مع طبيعة المشاركة في معرض مهم كبينالي الجنوب الدولي للفن المعاصر «بينالسور»؛ الذي يُحلّ في محطات دولية وبجعبته أعمال إبداعية قام بها أكثر من 400 فنان من 27 دولة، وقد افتتح جولته من «بيونيس آيرس» عاصمة الأرجنتين بالمتحف الوطني للفنون الزخرفية، ثم مر ببلادنا قبل أن يسدل ستاره في جامعة الفنون الجميلة في طوكيو باليابان. * كيف رأيت معرض بينالي الجنوب الدولي للفن المعاصر «بينالسور»؟ وباعتقادك ما الذي يميزه عن غيره؟ * بالنظر إلى عنوان المعرض «غرباء في القصر».. يمكن تفسيره وفق ثلاثة محاور، الأول يتمثل في مشاركتي الفنية برفقة الفنانين السعوديين من منطقة وثقافة مختلفة، حيث نعد غرباء من ناحية اللغة والثقافة والهوية والموروث، ولكن نتقاطع جميعاً في علاقاتنا الإنسانية وظروفنا المشتركة على هذا الكوكب. أما المحور الثاني يشير إلى حضور أعمالنا المعاصرة مع مقتنيات القصر من منحوتات ولوحات كلاسيكية، وبدا أن حضور هذين النوعين من الأعمال سوياً في ذات المكان والزمان؛ أنهما في حالة غربة، وباعتقادي أن هذا التباين يُحدث حالة ثقافية تحث الحوار بين الموروث والمعاصر، وفيما يخص المحور الثالث فأرى أن استعراض الأعمال داخل القصر التاريخي وفي أماكن مهمة منه قد أعطى المعروضات بُعداً فنياً إضافياً. * ما الذي كنت تصبو إليه من خلال عملك المشارك في «بينالسور»؟ * جاء عمل «ملة إبراهيم» الذي عُرض في الشرفة العلوية بالمدخل الرئيس للقصر، لغاية تعزيز مفاهيم التعايش والتفاؤل بالخروج من مرحلة عدم اليقين التي يمر بها العالم، بشيء من العزاء لتلك اللحظات التي يبدو فيها من المستحيل أن نعيد تشكيل أجزاء العالم المكسورة مرة أخرى. * شاهدنا أشكالاً هندسية مختلفة في عملك.. حدثنا عنه من الناحية البصرية؟ * لا شك أن تجربة عرض عمل فني حول العالم؛ يعطي إحساساً بالمسؤولية تجاه مضمون العمل الفني، وفلسفته من حيث السرد البحثي والتقارب الفكري والثقافي، مبتدئاً ذلك من سيميائية دلالة الشكل وبنية الصورة المعتمدة على الأشكال الهندسية البسيطة «الشكل الهندسي المثمن، والدائرة، والمربع»، وهذه الأشكال الأيقونة تنتج معنى بصرياً، وتثير حالة من التواصل والاتصال الحركي بين الشكل واللون والضوء وعلاقتها بالفراغ. ومع مزيد من البحث ظهر لي على نحو مدهش وآسر؛ تقاطعات الأمم بصرياً، لا معنوياً فقط. ومما يلفت النظر أن المثمن انتقالي بين الدائرة والمربع، ولذا فإن الدائرة تشير إلى الاستمرارية والاكتمال والاتزان، غير أنها الأكمل في الأشكال المنحنية المعبرة عن المرونة والقوة والحركة، وقد وظفها فنانو عصر النهضة في اللوحات، وبالمقابل طوّعها الخطاطون المسلمون في كتابة الآيات الدالة على «الرحمة». أما المربع فيعبر عن العدل والمساواة، ولذلك استخدمه المسلمون كوحدة زخرفية متكررة في الكثير من أعمالهم الفنية. * حرضك هذا العمل على اختزال فلسفة تواجه القلق الإنساني.. ما أبعاد هذه الرسالة؟ * العمل يستشرف إمكانية تطوير قيم كونية مشتركة أقرب للتضامن والأخوة الإنسانية، ويتساءل عما إذا كان بوسع الإنسانية أن تبلور منظومة جديدة من فهم علاقة الإنسان بالإنسان، ويكشف عن قيم الإنصاف والتضامن والرحمة، واهتممت بإرساء أسس للتفكير والعيش بألفة بطريقة تليق بكرامة الإنسان، وتعينه على التعارف والتضامن، ولأجل ذلك ترجمت قيمنا المشتركة إلى أشكال. ولأن هذا العمل مهتم في المقام الأول بتعزيز التضامن، اقترحت استجابة واعية لكل ما يحدث من قلق إنساني، تسلط الضوء على الدور الحاسم لوعينا الروحي الذي له فائدة إيجابية ودور محوري في تكوين قيمنا الاجتماعية، ولعل هذا يساعد في عكس اتجاه قلقنا لاستعادة تعافينا؛ فالإيمان قادر على بعث الأمل في أوقات القلق كمصدر للراحة وباعثاً للسكينة، وفي الأزمات يغيّر محور الحياة بأسره، عندما يكون هناك حالة يأس؛ يأتي الإيمان مثل برّ الأمان يمكن اللجوء إليه للتعزية والأمل.