هل ثمة فرق بين الموظف المطيع والموظف الإيجابي؟ وهل الطاعة لا تعني بالضرورة الإيجابية؟ وما مخاطر الطاعة الدائمة؟ وهل الإيجابية تعني أن الاعتراض قيمة سلوكية حتمية يجب أن تكون حاضرة في العمل المؤسسي كفكر وكمنهج عمل ووفق ما تتطلبه كل حالة؟ في الحقيقة الطاعة داخل المؤسسة قيمة لا يمكن وصفها بأنها سلبية على الدوام، فكثيرون يرفضون حتى مسمى الطاعة ويعتبرونها دليلاً على دكتاتورية صاحب المؤسسة، وهذا يجعلهم بالضرورة لا يميّزون بين المفاهيم التشغيلية المختلفة في حياة المؤسسة اليومية، ويخلطون الكثير من الأمور ببعضها، متناسين أن المؤسسة لها مؤسس من حقه أن يطبق رؤيته وأن يتحمل نتائج رؤيته ونتائج تطبيقها. ويرى كثير من الموظفين أنهم يرفضون مبدأ الطاعة الكاملة للأوامر التنفيذية التي تصلهم، ولكنهم يسيئون فهم الجغرافيا المؤسسية ولا ينتبهون لمفهوم البيئة المؤسسية، فيدخلون في صراعات وظيفية كثيرة تنتهي قطعاً بالإيقاف عن العمل في أغلب الحالات. من هنا، فالموظف الإيجابي يجب أن لا يتخلى عن مفهوم التدخل في العمل برأيه حين يرى أن ثمة خطأ ما يتم ارتكابه، لكن هذا التدخل لا يمكن أن يكون من دون ضوابط ومن دون معايير أخلاقية ومهنية. وأولى تلك المعايير الأخلاقية والمهنية هي أن يدرك الموظف أن انتماءه للمؤسسة يجب أن يستند إلى مفهوم سليم، لأن الانتماء يعني الارتباط العاطفي بالشيء سواء مؤسسة أو فرداً، ومع ذلك فالارتباط العاطفي له طرقه وأساليبه السليمة، فنحن ننتمي لعائلاتنا، نحبهم، ونخاف عليهم، ونمد لهم يد العون، ولكن تحكمنا معايير سلوك، وذات الشيء في المؤسسة، يجب أن تحكمنا معايير سلوك مؤسسية حين نعطي لأنفسنا الحق في أن نخلع قبعة الموظف المطيع، ونلبس قبعة الموظف المُحتَج أو المُعتَرِض بهدف إفادة المؤسسة لا بهدف أن يقول أنا هنا انظروا إلي فأنا موجود. موظف مطيع أم إيجابي، عنوان لمفهومين مختلطين جداً، بينهما خيط رفيع قد يجعل المطيع إيجابياً أو قد يجعله سلبياً جداً، ولكن المهم في النهاية هو فهم المعيار السلوكي كيف نطبقه كيلا تميل كفّة الميزان. وعندما تكون مؤسستك بالنسبة لك بيتاً حقيقياً فأنت ستتقلب فيها بين الطاعة والإيجابية، وستجد بأن الطاعة في مواقف صحيحة هي إيجابية كاملة، وستجد أيضاً أن الاعتراض المدروس والسليم سلوكياً هو نوع آخر من أنواع الطاعة الإيجابية، لأنك سترى حينها بأن إنقاذ مؤسستك بطرح الحلول الصحيحة هو نوع من أنواع الطاعة لصاحب المؤسسة الذي حين وظفك قد استأمنك على مؤسسته بأن جعلك فرداً فيها يعرف أسرارها ليحافظ عليها ويحميها كما يحمي بيته وأسرته.