لكل حكاية بداية ونهاية في منطق حياتنا، والذكاء الاصطناعي ليس وليد تكنولوجيا اليوم بقدر ما هو وليد كل تطور وابتكار قام به الإنسان عبر تاريخه، ليتدرج هذا التطور اللافت للنظر من لا شيء إلى روبوتات اليوم، ولذا فمسيرة الذكاء الاصطناعي ليست من دون تاريخ، ولكن إلى أين يمكن أن تمضي القصة، وهل نحن على موعد مع متغيرات عظمى على صعيد جودة حياة الإنسان بسبب تسارع استخدام الذكاء الاصطناعي؟ أم أن المسألة ليست سوى تحدٍ جديد يواجهه إنسان هذا العصر بعد تجارب التحدي الماراثونية التي عاشها إنسان القرن الحادي والعشرين، وأن عليه أن يتأقلم مع هذا التحدي ويطوّر أدوات بقاء إنسانية مبتكرة وجديدة لمنع أي تأثير سلبي على حياته الشخصية بسبب إقحام الذكاء الاصطناعي ليصبح بديلاً مجانياً عن الموظف في مجالات متنوعة؟ إن الناظر إلى أولى ضربات الذكاء الاصطناعي المؤلمة لقطاع ليس بالصغير لموظفين حول العالم كان في عملية استبدال سهلة لموظفي خدمة العملاء، وتسريح العديد من الموظفين في مؤسسات خاصة في بعض الدول، انتقالاً إلى إقحام الذكاء الاصطناعي في الكتابة الأكاديمية وإفراغ العمل الأكاديمي من مضمونه وأهدافه التي تتعلق بتحسين قدرات طلاب الجامعات على البحث العلمي وإنتاج فكر جديد يمكن أن يسهم في التطور الإنساني وليس انتهاءً بتطوير برمجيات عالية القدرة على حل مشكلات في العمل والحياة كانت تتطلب تدخلاً بشرياً حيث يتم الآن الاستغناء عن الكثيرين بهدف تقليل مصروفات التشغيل. الذكاء الاصطناعي هكذا بدأ يتدخل بشكل مباشر في استراتيجيات التوظيف في القطاع الخاص على المدى البعيد، وأصبح عنصراً مؤثراً على المؤسسات الخاصة التي تضع في أعلى قائمة أولوياتها الربح وتقليل مصروفات التشغيل، وهذا بدوره سيقود مستقبلاً إلى رسم صورة جديدة ستكون الأولى من نوعها حول معنى التوظيف، ومفهوم المهنة، ومعيار الأداء، فهل سيطلب من الإنسان مستقبلاً أن يتنافس مع الآلة وتتم مقارنته بالآلة لكي يستحوذ على الوظيفة بدلاً منها؟! الذكاء الاصطناعي سلاح ذو حدين، وهناك شعور عالمي عام بأن الكثير من أصحاب المؤسسات ينظرون إليه على أنه رافعة مالية لهم لتحقيق مكاسب مادية أعلى على حساب جودة حياة الأفراد والمجتمع ككل، ففي نهاية المطاف الفرد العاطل عن العمل بسبب الآلة تقف خلفه أسرة محبطة، وسن المزيد من التشريعات والقوانين المتعلقة بالقطاع الخاص بات أمراً ملحّاً لحماية المجتمع من التدهور الأخلاقي والانفلات الأمني والإرهاب على المستوى البعيد، حيث تنمو وتزدهر كل المفاهيم الهدامة للدولة وللمجتمع في ظل انتشار بطالة قد يتسبب بها من دون مبالغة روبوتات أنيقة لا تحتاج يومياً سوى لشحنة كهربائية لتقف سعيدة بأنها أقصت الإنسان.. الإنسان أولاً.