السفه: خفة تعرض للإنسان من جراء الفرح أو الغضب فتحمله على العمل بخلاف ما يمليه عليه العقل ويوجبه الشرع. وقد حذّر العقلاء منه مع ترك صحبة السفهاء، ومجانبة معاشرة النَّوكى، كما دعا العقلاء إلى لزوم صحبة العاقل الأريب، وعشرة الفَطِن اللَّبيب؛ لأنَّ العاقل -وإن لم يصبك الحظُّ مِن عقله- أصابك مِن الاعتبار به، والأَحْمَق إن لم يَعْدِك حُمْقُه تدنَّستَ بعِشْرَته سريعاً وهذا مشاهد ملموس لذا قال الجاحظ - وهو صادق - لا تجالس السفهاء فإنه يعلق بك من مجالستهم من الفساد ما لا يعلق بك من مجالسة العقلاء دهراً من الصّلاح، فإنّ الفساد أشد التحاماً بالطّباع، وليس ضرر السفيه على نفسه فحسب بل ربما جرّ الويل على غيره والمجتمع باسره بسفهه وحماقاته. ولم يكن وصف السفه قاصراً على سفهاء الإنس في أمور الدنيا فحسب تجاه دينهم ومجتمعهم بل إن الله ذكر ذلك عن أمة الجن أيضاً في أمور الدين. وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا. وهذا اجتماع لطيف إذ اجتمعت الإنس والجن على وصف من تخبط في أمور الدين بغير هدى من الله بأنه سفيه وليس من العقلاء في ورد أو صدر وقد قال الله تعالى: وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ. ومن أنوع السفه السفه في المال وهو التصرف فيه بما يخالف شرع الله بالتبذير والإسراف فيه لذا قال تعالى: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا.) ومن مظاهر السفه المالي الهرولة وراء عمليات الاقتراض مثلاً إذ نلحظ هذه الأيام تزايد الإعلانات التجارية عن قروض المؤسسات المالية من أجل جذب المستهلك إلى منتجاتها خصوصا القروض الاستهلاكية. وهذا يعد خطراً للغاية لما له من أضرار على الفرد والمجتمع لأنه سوف يمكن المؤسسات المالية من رواتب ومدخرات الأفراد واستغلال جهل الناس بإدارة الأموال الشخصية. فكم سقط في أتون الأقساط أقوامٌ أحداث الأسنان، سُفَهَاء الأحلام ما عرفوا للمال قيمته وما صانوه من الزوال، وقد نهي المرء المسلم عن قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال. كما اتفقت الأمة بل سائر الملل على أن الشريعة وضِعت للمحافظة على ضرورة المال كما وضِعت على باقي الضروريات الأربع: الدين، والنفس، والنسل، والعقل. إن الطبيب الحكيم لا يجاري العليل وإنما ينظر إلى العلّة..؛ وهكذا من يتعامل مع المال فهو لا يبرر صرفه بل في العله في صرفه وإنه لا معنى لقيمة المال إذا لم تكن في دائرة الاعتدال، الذي هو للإنسان كالماء للسمك، فما الظن بالسمك إذا فارق الماء. إنك تصاب بالدوار وأنت ترى أمة من الناس زرافات ووحدنا يصتفون في سير طويل في انتظار شراء كوب من القهوة كل يوم وفيه ما فيه من ضياع الوقت وإحراق للمال في أمر هو من فروض فروض الكفايات. فإذا كنت تشتري كل يوم كوباً من القهوة، فإن هذا يكلفك كل أسبوع ما بين 10 و50 دولارا - مثلاً - وإذا ضربت هذا المبلغ في 52 أسبوعا فإن الكلفة قد تكون بين 520 و2600 دولار سنويا. «حسب مقال نشرته مجلة «ريدرز دايجست» قلتُ وعليك حسبة الوقت الذي لن يقل عن 5000 ساعة في السنة صرفت على الانتظار للحصول على كوب قهوة. ومن السفه المالي حرق المال على أمور شكلية صنعها المجتمع على ثقافة مغلوطة تصب في حقل وقناة الوجاهة المصنوعة. إننا بحاجة إلى التوعية والتثقيف المجتمعي والاعتدال وترشيد الاستهلاك التي تعيد المال إلى مكانته اللائقة به مع ضرورة الترشيد في عدم صرفه دفعة واحدة يقول أبو بكر الصديق إني لأكره أن ينفق أهل بيت رزق أيام في يوم واحد، كما أننا بحاجة إلى ذم إحراق المال وصرفه في غير موضعه. إن السفه المالي لم يكن مقصورًا على المال الخاص فحسب بل يتعداه إلى المال العام فإنَّ مِن أخطَر القضايا التي تُهدِّد الأمنَ الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، الاعتداء على المال العام، والتي أخَذتْ صُوَرًا شتَّى؛ منها: السَّرِقات، والاختِلاسات، والرِّشوة، والغلول، وخيانة الأمانة، والتعامل بالربا. فالله - عزَّ وجلَّ - حَذَّرنا من هَدْر المال وصَرْفه في غير حِلِّه؛ لأنَّ المالَ العام تتعلَّق به ذِمَمُ جميع أفراد الأمة، فمَن أخَذَ شيئًا من المال العام- سَرِقة واغتصابًا ونَهبًا - فكأنَّما سَرَق من جميع أفراد الأمة والأخذ من المال العام أشد من الأخذ من المال الخاص وليس المال العام ملكًا مشاعاً يجوز التهاون فيه والإضرار به لتحقيق مكاسب خاصة وما كان خلاف ذلك فهو سفه تقف في وجهه الجهات الرقابية إذ تنعكس هذه الوقفة على الفرد إذ يشعر بالنزاهة والراحة والسعادة عندما يعلم أن المال في وطنه مصون ومحمي فتقوى لديه ثقافة الانتماء لوطنه. وأما بالنسبة للمجتمع ففي حماية المال العام قوة له ورفع من شأنه حيث يفتخر كل أفراده بمؤسساتهم العامة الداعية إلى الحفاظ عليه. ترى لم كثر السفه في الأفعال وقل الوعي بأهمية حماية المال؟