برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وافق مجلس الوزراء على انضمام المملكة لمعاهدة الصداقة والتعاون، مع رابطة آسيان، التي تضم عشر دول من جنوب شرق آسيا. ليمثل انضمام المملكة للمعاهدة مرحلة جديدة في طريق توطيد العلاقات بين آسيان والخليج، خصوصا مع التشابه بين الكتلتين في عدة أوجه، وسط الاستقطاب العالمي بين قوى الدول الكبرى. ويتزامن ذلك مع اعتزام آسيان عقد قمة مع مجلس التعاون الخليجي خلال العام الجاري، حيث صرح وزير الخارجية الماليزي مطلع العام الحالي أن ماليزيا تستعد لتنسيق القمة وعقدها على أراضيها. ويفتح انضمام المملكة إلى المعاهدة الطريق أمام الرياض وآسيان لتعميق التعاون بينهما، كما يزيد من فرص الاستفادة بين الجانبين بما يتوافق مع رؤية السعودية 2030 وآسيان 2025. الرابطة الأسرع نموًا تأسست رابطة جنوب شرق آسيا في الثامن من أغسطس عام 1967، حيث وقعت إندونيسيا وماليزيا والفلبين وسنغافورة وتايلاند، التي تعد الدول المؤسسة للتكتل، إعلان آسيان في العاصمة التايلاندية بانكوك. وبعد حوالي سبعة عشر عامًا انضمت بروناي إلى الرابطة في 1984 تبعتها فيتنام في 1995 ولاوس وميانمار في 1997 ليكتمل أعضاء الرابطة العشر في 1999 بانضمام كمبوديا. كان الهدف من إنشاء الرابطة دعم التبادل الاقتصادي والثقافي بين أعضائها، والحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة وإقامة علاقات مع القوى الخارجية بأهداف موحدة. واستطاعت الرابطة الإقليمية أن تحافظ على موقف محايد في العديد من القضايا، وتعد من المنظمات الإقليمية الناجحة ذات الشراكات مع العديد من الدول والمنظمات الدولية. وفي أوائل التسعينات بزغت آسيان كصوت رائد في التجارة الإقليمية والقضايا الأمنية، كما تبنت حوارًا للأمن الإقليمي من خلال تأسيس المنتدى الإقليمى لآسيان، وعملت بشكل مكثف على حل الصراع في تيمور الشرقية، ونجحت في جعل آسيان منطقة تجارة حرة. وتصنف رابطة آسيان من بين المناطق الأسرع نموًا اقتصاديًا، ولديها كثافة سكانية مرتفعة، حيث يبلغ عدد سكان دول الرابطة مجتمعة ما يقرب من 600 مليون شخص. شراكات واتفاقات على مستوى التعاون مع الدول الأخرى، ترتبط آسيان بعدة مستويات من الشراكة. وترتبط إحدى عشر دولة هي أستراليا وكندا والصين والاتحاد الأوروبي والهند واليابان وكوريا الجنوبية ونيوزيلاندا، وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، بشراكة حوارية مع دول آسيان، وهي أرفع أنواع الشراكة مع الرابطة، والتي تهدف دول آسيان من خلالها لإقامة قنوات اتصال رئيسية مع هذه البلدان للشراكة والتعاون والتعلم من ممارساتها في عدد من المجالات التي تشمل على سبيل المثال السياسات البيئية والتجارية والبحثية والابتكارية والتقنية والعلمية وغيرها، كما تجمع هذه الدول مع آسيان اجتماعات وحوارات دورية تتضمن لقاءات وزارية ولقاءات قمة. يتضمن هذا النوع من الشراكة أيضًا توفير المساعدات الاقتصادية والتقنية لدول آسيان ودعم التجارة في اتجاهين، والاستثمار وتقوية الروابط الثقافية وتبادل وجهات النظر في القضايا السياسية الإقليمية. كانت الصين والولايات المتحدة، من الدول الأولى التي ارتبطت مع آسيان بشراكة حوارية، بينما كانت المملكة المتحدة آخر المنضمين لهذه الشراكة، حتى الوقت الحالي وذلك بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي في أغسطس من العام الماضي. ولدى آسيان، شراكات حوارية قطاعية مع عدد من الدول مثل باكستان والنرويج وسويسرا، وهي شراكة في نوع محدد من القضايا والقطاعات، والتحقت تركيا بهذه الشراكة في عام 2017. كما ترتبط رابطة جنوب شرق آسيا بشراكة تنموية مع ألمانيا وفرنسا وإيطاليا في مجالات التعاون التنموي وبناء القدرات. المعاهدة الأقدم تمثل معاهدة الصداقة والتعاون مع رابطة آسيان أحد أشكال الشراكات للتعاون مع الدول وإقامة علاقات خارجية، وهي من بين أوّل الاتفاقيات التي صدرت عن الرابطة بعد تأسيسها، حيث يعود تاريخها إلى عام 1976. تضم المعاهدة مبادئ عالمية عن التعايش السلمي والتعاون الودي بين الدول، وتشمل أوجه التعاون بموجب هذه الاتفاقية احترام السيادة والاستقلالية للدول المشاركة، وحق كل دولة في الابتعاد عن التدخلات الخارجية، وتسوية الاختلافات والنزاعات بطرق سلمية، كما يمثل التوقيع على الاتفاقية أولى خطوات زيادة التعاون والعلاقات مع دول الرابطة. الصين والهند، كانا من الدول الرائدة التي انضمت لهذه الاتفاقية في عام 2003، إلى جانب عدّة دول آسيوية أخرى، مثل اليابان وكوريا الجنوبية. وفي الدول الأوروبية، كانت روسيا وفرنسا من أول الدول التي وقعت على الاتفاقية. وكانت مصر والمغرب من الدول العربية التي كان لها السبق في التوقيع على هذه الاتفاقية، حيث وقعت الدولتان على الاتفاقية في سبتمبر من عام 2016. ويأتي انضمام المملكة العربية السعودية، في إطار الحرص على تقوية العلاقات بين الرياض ودول آسيان، سبقها بعام توقيع ثلاث دول خليجية على الاتفاقية في اتجاه عدة دول خليجية، إلى الوجهة الآسيوية ودول رابطة جنوب شرق آسيا. ، لتكتمل الموافقة السعودية بقرارا مجلس الوزراء. ليفتح انضمام السعودية إلى معاهدة الصداقة والتعاون الباب أمام الرياض وآسيان، لتعميق التعاون بينهما، كما تمثل اللبنة الأولى لإمكانية الانخراط في مستوى أعلى من الشراكات مع التكتل الإقليمي الذي يجتذب انتباه عدة أطراف دولية خلال الفترة الأخيرة. تشابه آسيان والخليج تتشابه رابطة آسيان ومجلس التعاون الخليجي، في كونهما محط أنظار القوى الكبرى والعالمية، فلدول مجلس التعاون الخليجي أهمية جغرافية واستراتيجية واقتصادية كبيرة. من الناحية الاستراتيجية، تطل دول الخليج العربي على مضيق هرمز، الذي يشكل شريان رئيسي في حركة التجارة الدولية. واقتصاديًا، تمتلك دول مجلس التعاون الخليجي أكبر احتياطي نفط في العالم يقدر ب33% من إجمالي الاحتياطي العالمي، بينما تنتج خمس دول من المجلس حوالي 18 % من الطلب العالمي على النفط. فيما ينصح بعض المحللين الآسيويين في ظل الاستقطاب الحالي من جانب القوى الكبرى، مثل الصين والولايات المتحدة بأهمية توطيد دول آسيان، علاقاتها أكثر بدول الخليج، خاصة مع وجود عدة مشتركات بين هذه الدول منها التقارب في بعض العادات لاعتناق سكان بعض هذه الدول للدين الإسلامي، إلى جانب الرؤية السياسية للقضية الفلسطينية، ويحثون دول الرابطة على عقد اتفاقات للتجارة الحرة مع دول الخليج وأمريكا اللاتينية. على جانب آخر، تُرجع بعض التقارير الاقتصادية زيادة الاستثمارات الخليجية في آسيان، خلال الفترة الأخيرة لعدّة أسباب منها، الاختلالات الاقتصادية التي تشهدها أوروبا والولايات المتحدة مؤخرًا، وقدرة دول جنوب شرق آسيا على التأقلم مع انكماشات الاقتصاد العالمي، والتعافي السريع من جراء الأزمات الاقتصادية مما يكسب المستثمرين ثقة في هذه المنطقة. مما يجعل جنوب شرق آسيا أرضًا صالحة للاستثمارات الخليجية. ومن ناحية أخرى، يمكن لدول آسيان أن توفر السلع والمنتجات الغذائية والزراعية لدول الخليج، مما قد يجنبها ارتفاع الأسعار المفاجئ في الأزمات ويضمن لها مصادر متعددة في هذا النوع من السلع. قمة مرتقبة ومن المقرر، أن يشهد العام الجاري القمة الأولى من نوعها بين آسيان ودول مجلس التعاون الخليجي. وخلال الاجتماع الأول لوزراء خارجية رابطة آسيان برئاسة إندونيسيا، في فبراير الماضي، كلفت الرابطة ماليزيا بمسؤولية إقامة وتنفيذ التعاون بين آسيان ودول مجلس التعاون الخليجي بتنظيم قمة (الآسيان-مجلس التعاون الخليجي) بمشاركة زعماء الدول. وفي ختام الاجتماع أعلن وزير الخارجية الماليزي، زمبري عبد القادر، أن ماليزيا تستعد لتستضيف قمة آسيان ومجلس التعاون الخليجي خلال أواخر العام الجاري، في خطوة تعزز العلاقات بين الرابطتين وسط التحوّل العالمي نحو منطقة آسيا والمحيط الهادئ. ونتيجة لزيادة الروابط الاقتصادية بشكل خاص بين الجانبين، من المرجح أن تشهد العلاقات بين مجلس التعاون الخليجي ودول رابطة آسيان، مزيدًا من التحسن على المستوى السياسي والتعاون لحماية مصالح الطرفين، بما يمكن أن يصير مؤثرًا على الساحة السياسية العالمية. ومثّل العام الماضي، علامة بارزة في نهضة العلاقات بين الخليج وجنوب شرق آسيا، مع تواتر الزيارات المتبادلة بين الجانبين على مستويات عدة، إلى جانب اللقاءات التي جمعت الرابطتين. وفي أوائل العام الماضي عادت العلاقات بين تايلاند والسعودية بعد قطيعة زادت عن ربع قرن، عقب زيارة رئيس الوزراء التايلاندي، برايوت تشا أوتشا، إلى الرياض، ثم دعوة بانكوك سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، إلى قمة أبيك لتكون السعودية أول دول من الشرق الأوسط تشارك في المنتدى الاقتصادي الأبرز في آسيا. كما رأس ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وفد المملكة في قمة العشرين، التي عُقدت في بالي والتقى بالرئيس الإندونيسي على هامش القمة، تلتها مشاركة المملكة في قمة ايبك بانكوك، كما والتقى سمو ولي العهد بثله من الزعماء المشاركين وقادة آسيان. ومن الملاحظ أن هناك رغبة قوية من لدن المملكة ودول آسيان رفع مستوى العلاقات لمستوى جديد خصوصاً في المجال الاقتصادي وتوحيد الرؤى المشتركة في القضايا العالمية الملحة. .