الحمد لله على التمام. انتهى حج هذا العام بكل يسر وسهولة، وهاهم الحجيج يغادرون زُرافات إلى أوطانهم بعد أن منَّ الله عليهم بأداء فريضة الحج بكل أمن وطمأنينة ويسر وسهولة. خدمة بيت الله الحرام وخدمة الحجاج والمعتمرين فضلها كبير وأجرها عظيم، ومنذ أن بنى إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام هذا البيت العتيق والعرب تفخر بخدمته وخدمة قاصديه. والجميع يبذل الغالي والنفيس لأجل ذلك، ويعتبرون هذا الأمر من الأمور التي تقربهم إلى الله زلفى، ولذلك أطلق ملوك هذه البلاد المباركة على أنفسهم مسمى "خادم الحرمين الشريفين"، وهم بذلك يؤكدون للجميع أهمية خدمة الحرمين الشريفين وزوارهما على مدار العام وجعل ذلك على رأس أولويات ليس فقط جميع الجهات المختصة من مختلف القطاعات في الدولة بل كذلك على رأس أولويات جميع المواطنين. وما توسعات الحرمين الشريفين الضخمة في العهد السعودي إلا دليل على أهمية هذا الموضوع للمملكة العربية السعودية، حيث خصصت المملكة منذ توحيدها على يد الملك عبدالعزيز- طيب الله ثراه- جهات عديدة لخدمة الحرمين الشريفين وزوارهما كوزارة الحج والعمرة والرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي وغيرها من المؤسسات المختصة التي تصب جميعها في خدمة الحرمين الشريفين والحاج والمعتمر وتوفير جميع سبل الراحة والطمأنينة لهم. منذ شهر ذي القعدة تقريباً ونحن نشاهد على شاشات التلفزة ومواقع التواصل الاجتماعي صور ومقاطع وصول حجاج بيت الله الحرام من كافة دول العالم لمكة والمدينة وهم في غاية السعادة والسرور، حيث تم استقبالهم والترحيب بهم بكل حفاوة وتقدير، ونقلت لنا كذلك وسائل الاعلام المختلفة وعدسات الحجاج أداء ضيوف الرحمن لمناسكهم في كل موقع من مواقع المشاعر المقدسة وعشنا معهم تلك الأجواء الجميلة وشعرنا بفرحهم الذي عبروا عنه في حديثهم لوسائل الإعلام. أيضاً، اطلع الجميع على التنظيم الأكثر من رائع للحج وشاهدنا العمل المتقن في تفويج الحجاج من صعيد إلى صعيد آخر بتناغم كبير بين مختلف الجهات المسؤولة في الحج سواءً الأمنية منها أو الصحية او الخاصة بالحج والعمرة او غيرها من الجهات المختلفة والعديدة المشاركة في الحج. في الحقيقة، يعلم المختصون في تنظيم الأنشطة والفعاليات الكبرى في العالم، كم أنه من الشاق والصعب تنظيم فعاليات ضخمة يتواجد فيها عشرات أو مئات الألوف من البشر في مكان واحد وفي زمن محدد، فنجدهم يستعدون لتلك الفعاليات منذ وقت مبكر جداً، يصل الاستعداد أحياناً لسنوات قبل وقت الفعالية كما هو الحاصل في تنظيم كأس العالم أو الأولمبياد أو إكسبو أو غيرها من الفعاليات العالمية المشهورة، ويعقدون لذلك المؤتمرات ويجمعون أفضل الخبراء في العالم ويرصدون لذلك الميزانيات الضخمة بهدف السعي لإنجاح تلك الأنشطة والفعاليات. المملكة العربية السعودية على موعد سنوياً مع تنظيم التجمع الأكبر في العالم في مساحة محددة لا تتجاوز عشرات الكيلومترات، حيث يتواجد ملايين الحجاج في مكة، وبالتحديد في المشاعر المقدسة والذين يتم تسهيل ليس فقط تحرك وانتقال هذه الأعداد المليونية من مكان لآخر خلال ساعات معدودة، بل أيضاً توفير الأمن لهم والرعاية الصحية والسكن والتموين من أغذية ومياه وغيرها العديد من الخدمات اللوجستية العديدة التي تجعل من الحج ميسراً وآمنا لحجاج بيت الله الحرام. الجهات المختصة والمسؤولة عن الحج في المملكة هي في عمل مستمر وعلى مدار العام وليس في موسم الحج فقط، بل إن العمل لموسم الحج القادم يبدأ مباشرةً بعد انتهاء موسم الحج لهذا العام، وهذا هو الحال سنوياً وفي كل حج، حيث تتظافر جهود كافة الجهات والقطاعات لوضع الخطط التي تهدف لتوفير كافة سبل الراحة لحجاج بيت الله الحرام، ويشارك كل عام عشرات الالاف من الموظفين والمتطوعين في الحج، وذلك لتقديم كافة أنواع الخدمات والدعم لضيوف الرحمن والسهر على راحتهم وأمنهم. ولأهمية الحج البالغة للسعوديين، تنتقل قيادات الدولة العُليا سنوياً إلى المشاعر المقدسة في أيام الحج وذلك للإشراف المباشر على سير أعمال هذه الشعيرة العظيمة والمهمة من شعائر الإسلام، وللتأكد من أن الحجيج ينعمون بكافة وسائل الراحة والأمان، ونحن في المملكة نفخر جميعاً أن نكون في خدمة الحاج والمعتمر وكل زائر يزور وطننا الغالي، فالترحيب بهم وفتح قلوبنا ومنازلنا لهم هي من الأمور التي نتعلمها ونتربى عليها في هذا الوطن جيلاً بعد جيل. السعودية وعبر السنوات العديدة والخبرة الواسعة في إدارة الحشود المليونية، أصبحت لا تفكر فقط في كيفية إدارة هذه الحشود بالشكل التقليدي، وانما في تقديم أفضل الحلول التي تساعد في تنظيم هذه الأعداد المليونية والتأكد من أن الجميع ينعم بكافة الخدمات التي تعينه على أداء فريضته على أكمل وجه، وهذا ما يمكن تسميته ب"فن إدارة الحشود". وكل حج والوطن والحجاج والمعتمرين والجميع بألف خير.