تتميز العديد من المنظمات بقيادات إدارية مهنية واعية، لا تنبهر بالمظاهر ولا تنخدع بالتملق والتزلف، تؤمن بأن: (الأفعال أبلغ من الأقوال)، وتطبق: (دع أعمالك تتحدث عنك)، وتعلم علم اليقين بأن: (البراميل الفارغة أكثر ضجيجاً من الممتلئة)، لذا نلاحظ تميز أداء المنظمات التي يشرفون عليها، ونلمس نجاحها وخلوها من معظم السلبيات المنتشرة في بيئات العمل الأخرى التي يقودها على النقيض قيادات غير واعية تنخدع بالتملق وتبحث عن من يتزلف لها ويتسول التقدير ويستجدي الاحترام، ففي هذه المنظمات الأخيرة والتي يقودها تلك القيادات غير الواعية نلاحظ وجود موظفين يحاكون ما ينشر في وسائل التواصل الاجتماعي من المباهاة المادية المذمومة من سفر ومسكن وملبس، وأسوة بذلك، يقوم هؤلاء الموظفين بالحديث عن أعمالهم ومهامهم بطريقة غير مهنية وغير إدارية وعرض ذلك وتضخيمه بطريقة مبتذلة غير مؤسسية يظهر منها محاولة لفت الانتباه والتملق للقيادات التي تنخدع بمثل هذه التصرفات ويبهرها المظهر ولا تستطيع تمييز الجوهر، فطبيعة هذه القيادات البحث عن الموظف الذي يتزلف لها وقد تقوم بمكافأته تطبيقاً لمقولة ابن خلدون: (فاز المتملقون)، وفي هذه البيئة عادة يكون الاستحقاق بمدى إتقان الموظف فنون التملق والتزلف الذي قد يصل لدرجة الخضوع والخنوع، ولا يكون الاستحقاق بناء على الكفاءة والجدارة، لذا تنطبق في هذه المنظمة مقولة: (نسمع جعجعة ولا نرى طِحناً!)، وفي هذه البيئة السامة يواجه أصحاب النفوس السليمة والأشخاص الأسوياء الصعوبات والتحديات، وذلك أن النفوس السليمة ترفض هذه الممارسات المبتذلة وتنفر من التملق والخنوع ولا تقوم بمدح نفسها والثناء على أعمالها وتضخيم إنجازتها، يقول الله عز وجل في سورة النجم: (فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ)، ويقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (الشيء الذي لا يحسن أن يُقال وإن كان حقاً، مدح الإنسان نفسه)، كما أنه يكفيها القيام بالواجبات والالتزام بالأنظمة ومراعاة أداء الأمانة، وأن تجد التقدير جراء ذلك بدون تسول واستجداء، فالعمل والإنجاز واضح للجميع ولا يحتاج للتضخيم، يقول المتنبي: (وليس يصح في الأذهان شيء، إذا احتاج النهار إلى دليلِ!)، ولكي لا يقع البعض في اللبس، فإن توثيق الأعمال والإنجازات وعرضها على الإدارة العليا في المجتمع الوظيفي من أهم واجبات الموظف، وذلك من أجل إدراجها في التقرير السنوي لأداء المنظمة، أو لتقييم هذه الإنجازات وتحسينها وتذليل العقبات التي تواجهها، أو لتقييم الموظف بناء عليها والعمل على تحفيزه وتشجيعه وتطوير مهارته، يقول الله عز وجل في سورة التوبة: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ)، ولكن يكون ذلك بطريقة إدارية مهنية غير مبتذلة وغير مرتبطة بالمتملق والخنوع المذموم، وصدق المتنبي حين قال: (وتكبر في عين الصغير صغارها، وتصغر في عين العظيم العظائم)، وفق الله الجميع لكل خير.