أحسنت وزارة التعليم بإقرار مقرر "المواطنة الرقمية" ضمن المقررات الجديدة لطلاب وطالبات المرحلة الثانوية خلال العام الدراسي القادم 1445ه، وتتجلى الأهمية الاستراتيجية لتفعيل المواطنة الرقمية والتي ستُشكّل رافداً قوياً لتحقيق العديد من الأهداف المؤسسية.. شهد المجتمع السعودي في العقدين الأخيرين انفتاحًا واسعًا على استخدامات الإنترنت ووسائل الاتصال والتقنية الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي في ظل ثورة الاتصالات الرقمية وما تتيحه من سهولة وسرعة الوصول إلى المعلومة والتواصل مع أي شخص في أي مكان بالعالم. وعلى الرغم مما تحمله من جانب إيجابي في تسهيل عمليات التواصل الإنساني والمجتمعي سوى أنها في المقابل تحمل آثاراً سلبية إذا تم استخدامها بطريقة خاطئة أو تم استغلالها لاستهداف القيم أو أفراد المجتمع أو كمهدد لأمن الوطن واستقراره. ونأخذ على سبيل المثال في مواقع التواصل الاجتماعي التي أحدثت تطورًا كبيرًا ليس فقط في تاريخ الإعلام وإنما في حياة الأفراد والمجتمعات والدول على كافة المستويات، إذ جاءت لتشكل عالمًا افتراضيًا يفتح المجال على مصراعيه للأفراد والكيانات بمختلف أنواعها، لإبداء آرائهم ومواقفهم في القضايا المختلفة، وأنهت ثورة الاتصال الجديدة عددًا من المفاهيم كهرمية الاتصال وحارس البوابة وأحادية مصدر الرسالة واستحدثت بالمقابل عددًا من المفاهيم الجديدة مثل الوسائط الرقمية والمجتمعات الافتراضية والتشبيك الاجتماعي وغيرها من المفاهيم الأخرى، وسمحت لكل مواطن أن يصبح صحافيًا ويمتلك قناته أو وسيلته التي يحملها طوال الوقت من خلال جهازه الصغير أو جواله. وفي سياق التوظيف السياسي لمواقع التواصل الاجتماعي كان للسعوديين على الشبكات الاجتماعية دور كبير في تنمية الوعي، فإذا كانت صحافة المواطن قد لعبت دورًا تخريبيًا وتنظيميًا فيما يسمى ب"الربيع العربي" فهذا يعكس خطورة وأهمية ما يُسمى بالمواطنة الرقمية وصحافة المواطن في الوقت ذاته، وأنها وإن بدت عفوية شخصية، فهي يمكن أن تُنظم وتوجه الرأي العام والعالمي كذلك والنتيجة أن ذلك خلق وعيًا جديدًا في ممارسة المواطنة الرقمية من خلال صحافة المواطن وبالذات لدى المواطن السعودي. فقد كان توثيق الأعمال الوحشية للإرهاب الذي استهدف الوطن أكثر تأثيرًا وبلاغة من المفردات والحجج التي يمكن أن تساق مقاليًا - في الصحافة التقليدية - ضد هذه الأعمال، كذلك الوعي المتماس مع التيارات التخريبية والقوى السياسية جعل المواطن السعودي الواعي يصطاد بشكل سريع ومباشر أخطاءه التكتيكية وزلاته اللغوية والفكرية، وكشف حجم التناقضات في خطاب الجهات المعادية وأدواتها. وما كان لهذا الدور الكبير للصحفي المواطن أن يكون لولا الشعور بالمسؤولية والانتماء والقناعة الحقيقية بما يدافع عنه، لا سيما أنه غير مثاب ماديًا كمدافع وغير معاقب إن لم يفعل، لكنه دور يلعبه انطلاقا من مبدأ وقناعة، وهذا ما جعل صحافة المواطن السعودي جدية فاعلة وملتزمة. فكان تفاعل الحسابات الوطنية على قدر المسؤولية، ومارس المغردون السعوديون حقهم في التعبير النابع من ذواتهم تجاه وطنهم وأنشؤوا الهاشتاقات المتعددة في تويتر حُبًّا في الوطن وللدفاع عنه. ولذلك نحن في أمس الحاجة إلى ثقافة توعوية وقائية وتحفيزية، وقائية ضد أخطار الاستخدام السيئ لشبكة الإنترنت أو للتطبيقات أو لمواقع التواصل الاجتماعي أو الاستخدام الرقمي السلبي عموماً وتحفيزيه للاستثمار الأمثل من إيجابياتها بتعزيز الشعور بالوطنية وممارسة المواطنة كما في الواقع أيضاً هناك ممارسات للمواطنة الصالحة رقمية أو بصورتها الافتراضية! وهذه الممارسة للمواطنة بصورتها الافتراضية تُعرف اصطلاحاً بمفهوم المواطنة الرقمية Digital Citizenship. وتُعرّف المواطنة الرقمية بأنها: "مجموع القواعد والضوابط والمعايير والأعراف والأفكار والمبادئ المتبعة في الاستخدام الأمثل والقويم للتكنولوجيا، والتي يحتاجها المواطنون صغاراً وكباراً من أجل المساهمة في رقي الوطن، المواطنة الرقمية باختصار هي توجيه وحماية، توجيه نحو منافع التقنيات الحديثة، وحماية من أخطارها، أو باختصار أكبر هي التعامل الذكي مع التكنولوجيا، وهناك دولاً عديدة مثل بريطانيا والولايات المتحدة وكندا تدرس لطلابها في المدارس مواضيع خاصة بالمواطنة الرقمية في إطار منهج التربية الرقمية، كما نجد في نفس الإطار المشروع الذي وضعته أستراليا تحت شعار "الاتصال بثقة: تطوير مستقبل أستراليا الرقمي" والذي ينص على تعميم تدريس المواطنة الرقمية للطلاب مع تدريب الآباء والمعلمين عليها وفق خطة وطنية متكاملة، كما تخطط فرنسا لجعل موضوع المواطنة الرقمية قضية وطنية كبرى"! على ذلك أحسنت وزارة التعليم بإقرار مقرر المواطنة الرقمية ضمن المقررات الجديدة لطلاب وطالبات المرحلة الثانوية خلال العام الدراسي القادم 1445ه، وتتجلى الأهمية الاستراتيجية لتفعيل المواطنة الرقمية والتي ستُشكّل رافداً قوياً لتحقيق العديد من الأهداف المؤسسية خاصة أن الوعي السعودي على مواقع التواصل الاجتماعي قد تجاوز مرحلة التشكل إلى الحضور السعودي المتصدر، ونحن نعيش في عصر رقمي ونتعامل مع أجيال رقمية بامتياز. فضلاً عن ذلك تأسيس ثقافة المواطنة الرقمية هو ضرورة وطنية في ظل الحروب الإعلامية التي تواجهها المملكة والحروب السيبرانية وتحديات الأمن الوطني والتي تُحتّم ضرورة تثقيف المجتمع بسلوكيات المواطنة الرقمية وتعزيز مهاراتهم الرقمية من المشاركة إلى التمكين وإدراك قيمة المواطنة الرقمية وتفعيل إمكانات المواطنين الرقميين فضلاً عن ذلك فإن المواطنة الرقمية مرتبطة بنظام الحوكمة الذكية والحوكمة الرقمية والحوكمة الاجتماعية لأنه يفضي للتحسين الفعال لنضج المواطنين الرقميين. مقرر المواطنة الرقمية الذي تحتمه الضرورة المرحلية والعصرية والتعامل مع جيل رقمي بامتياز "جيل Z" في ظل مجتمع إعلامي بفعل ثورة الإنترنت والعالم الرقمي أصبح من المتاح لكل شخص أن يمتلك قناته أو وسيلته في جهازه الصغير الذي يحمله (الجوال) طوال الوقت ومع هذا الجيل الرقمي الذي متاحٌ له الانتشار والتواصل مع العالم الخارجي بشكلٍ أسهل وأسرع بفضل العولمة الإلكترونية يُمكننا من خلال ذلك غرس صحافة المواطن أو تفعيل المواطنة الرقمية عموماً وتحقيقها كأحد مستهدفات صناعة الإعلام الوطني وذراع أساسي لتحقيق أهداف الرؤية، وتحقيق المعادلة كما أن كل مواطن هو رجل الأمن الأول، كل مواطن هو إعلام وطني أول، وبذلك سوف نختصر مشوار الألف ميل بتحقيقها كما يجب من خلال التأسيس لها بهذا الاستثمار والتنسيق بين التعليم والإعلام.