يُعَدُّ مؤتمر القادة العرب في جدة 2023 من أهم المؤتمرات التي عُقِدت في الآونة الأخيرة حيثُ جاء في الوقت المناسب والحتميّ؛ لمناقشة قضايا الأمَّة العربية ومشكلاتها؛ التي أنهكت كاهلها، وفرّقت وجهاتها، وفتَّت في عضدها. وقد أضحىٰ الجميع في بيّنة من الأعداء المتربصين بالأمّة؛ الذين جعلوا من المنطقة مسرحاً ومغنماً تتصارع فيه القوىٰ العُظمىٰ لأجل مصالحها الخاصّة، وتقاسم النفوذ والسيطرة، وتقسيم المنطقة، وافتعال الصراعات والتناحرات بين دولها وشعوبها ومصالحها وحتّى أفكارها وثقافاتها. لقد خلق أعداء الأمة العربية مشكلات ونزاعات إقليمية لا يمكن حلها من خارج البيت العربي. وفي كلمة ولي العهد الأمين صاحب السموّ الملكي الأمير محمد بن سلمان آل سعود في هذه القمة، والتي تكتب بماء من ذهب، خطَّةٌ وطريقٌ واستراتيجيةٌ للمستقبل. يقول رعاه الله: "لن نسمح بأن تكون منطقتنا ميداناً للصراعات". وهو مبدأٌ وإستراتيجية مهمة جداً للوصول إلى الهدف الحقيقي الذي يسعى له - حفظه الله - ويعملُ جاهداً لتحقيقه؛ وهو إصلاح البيت العربي. ولذلك فإنّ أُوْلَىٰ الخطوات التي هي في مقدِّمة أهداف الأمة العربيّة، تماشياً مع تطلُّعات سمو سيدي ولي العهد ورئيس قمة جدة؛ التعاون فيما بينها وطي صفحة الخلافات القديمة، والتي - ربّما أكثرها - بُنِيَ على مصالح ذاتية، دون النظر إلى المصالح العربية عامّة، والآثار السلبيّة المترتبة على الأنانيّة السياسيّة الخاصّة، والتي من شأنها تحقيق مكاسب ومصالح للأعداء سواءً على الأمد البعيد أو القريب. وهنا أختم بما يؤكّد على أهميّة وضرورة الوحدة والتعاون ونبذ الخلاف، لمواجهة خطر تداعي الأمم علينا وعلى مكتسباتنا، والذي حذَّرَ منه الصَّادقُ المصدوق صلى الله عليه وسلم، وهو لا ينطق عن الهوى إنْ هو إلا وحي يوحى، حيث قال: "يُوشِكُ أن تَدَاعَى عليكم الأممُ من كلِّ أُفُقٍ، كما تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إلى قَصْعَتِها ..." الحديث. وثقتنا كبيرة في ربّنا - سبحانه وتعالى - ثم بقيادتنا الرشيدة وجهودها الحثيثة المتواصلة أَنْ يحفظ بلادنا من كيد الأعداء، ويجمع شمل الأمة على الحقِّ والهدى والرشاد.