أطلق زفرة ارتياح، وابتسامةٌ واسعة ترتسم على مُحياه.. لقد أنهى أخيراً روايته الأولى التي قضى عقداً من الزمان في كتابتها وتنقيحها وتعديلها مرات ومرات.. لقد اقترب من تحقيق حلمه في أن يصبح كاتباً مشهوراً يُشار إليه بالبنان، ويُذكر اسمه في أكبر المجلات والجرائد، وتلهث القنوات التلفزية والمحطات الإذاعية لنيل شرف حوار معه. صحيح أنه لا يملك حاسوباً شخصياً، وليس لديه مكتب خاص به، صحيح أنه يكتب على طاولة الأكل الصغيرة في مطبخ شقته الضيقة، صحيح أنه يشتغل وسط ضجيج أطفاله وزمجرات زوجته التي لا تنتهي، صحيح أنه تَعوَّد في كل وقت أن يسمع تذمرها مما يقوم به، ومطالباتها بإعدام كتبه التي تحرمها وأبناءها من حيز لا بأس به من الشقة، وتذكيره صباح مساء أن فُلانًا اشترى فيلا، وعِلانًا ابتاع سيارات من نوع كذا، وأن أرصدتهم البنكية مكتنزة... كل هذا لا يهم.. لقد وضع قدمه على أول الطريق؛ وها هو ذا حلمه في طريقه إلى التحقق.. يكفي أن يرقن المخطوطة، ثم سيبعثها إلى أرقى دار نشر.. نعم، لن يقبل بأقل من هذا.. روايته ستكون فتحاً في مجال الإبداع، ست... ألا تسمع! لقد بُح صوتي وأنا أنادي عليك.. هيا أحضر الغسيل من السطح.. أسرع فابنك في حاجة إلى جواربه.. لماذا تحدق في هكذا؟ لله العجب، لقد أتت الكتب على البقية الباقية من عقلك. أسرع إلى السطح ليحضر طلبها وليتقي شرها، ثم عاد.. ولكن.. أين المخطوطة..؟! لقد تركها هنا.. إنه متأكد.. أتبحث عن أوراقك؟ لقد أخذت بعضها لأضعها تحت السمك المقلي، وسلمت الأخرى لعامل النظافة لكي يرميها في مكب النفايات.. لقد بدت لي متسخة للغاية.. ثم إن درج جواربك مملوء بالأوراق عن آخره.. هيا هيا لا تزعجني. ذاهلاً، فكَّر في «طارق بن زياد».