العشرُ الأواخرَ من شهرِ رمضان على الأبواب، ثم سنعود لأيامنا المعتادة الطويلة المملة، سيكونُ هناك متسع من الوقتِ للترفيهِ والقراءةِ المتنوعةِ ووسائلِ التواصلِ وأشياء أخرى كثيرة، وقتٌ طويلٌ وكافٍ لإشباعِ جميعِ الرغبات. في هذهِ الليالي العشرِ المباركة، سنتركُ كلَّ ذلك خلفنا، سنجتهدُ في العبادةِ، سنكونُ أجودَ وأطهرَ وأرقى وأنقى وأتقى، فاللحظاتُ فيها؛ صيدٌ سمين، فلا يُفلِت، والدقائقُ منها؛ نقدٌ ثمين، فلا يضيع، بقيَ القليلُ من القليلِ، أياماً معدودات، هكذا قيل. قبل الرحيل، شُدَّ عزيمتك، وخُذ غنيمتك، واكتب مآلك بأثرٍ لا يمحوهُ الزمان، ولا يحيطهُ المكان، ويَجُلُّ عن النسيان. قبل الرحيل، دع ما يمكن إدراكهُ لاحقاً، لما لا يمكن إدراكهُ أبداً، يومُكَ يومُكْ، ساعتُكَ ساعتُكْ. قبل الرحيل، أجّل الكسلَ حتى إشعارٍ آخر، كن شعلةً تلتهب، وماءٌ ينسكب، كن أجودَ بالخيرِ من الرّيح المرسلةِ كما كان حبيبُكَ عليهِ الصلاةُ والسلام، كن كالمقاتل الذي يردّد "إنّما النّصرُ صبرُ ساعة" نعم هذه هي الساعة. قبل الرحيل، تذكر ليلةَ الوداع، في تلك الليلة التي ستعيشها إن شاء الله، فقط في تلك الليلة يتحسّر من ضيّع الأوقات إن كان له قلب، أما الميّت فلا يشعر بشيء. في تلك الليلة، يفرح من استقر في نفسه أنه بذل غاية الجهد أو قريباً منه، تلك الليلة هي ليلة الأفراح والأتراح، لمن كان له قلب. قبل الرحيل، يا من فرّط في العشرين، عليك بالعشر، فهي أكثر! وأجمل، وأكمل، وفيها ليلة القدر، خيرٌ من ألف شهر. قبل الرحيل، ما تدري نفسٌ ماذا تكسب غداً، وما تدري نفسٌ بأي أرضٍ تموت، ليت شعري هل نعيشُ رمضاناً آخر، أم هذا هو الآخِر.