إن أعظم ما تسعى وتطمح وتتطلع له المملكة وقيادتها الرشيدة هو تحقيق الأمن والسَّلام والاستقرار الدائم، ليس في اليمن فقط، وإنما في منطقة الشرق الأوسط، لتتمكن دوله ومجتمعاته من التركيز على التنمية والتطوير والتقدم والنهضة الاقتصادية والصناعية.. السَّلام هو الأصلُ الذي قامت عليه سياسة المملكة العربية السعودية، وهو الأساسُ الذي اتبعته سياسات المملكة العامة على امتداد تاريخها العريق، وهو المنهج الذي تتبناه وتعمل وفقاً له وتدعو إليه سياسة المملكة الخارجية، وهذا السَّلام الذي تنشده المملكة يتمثل بقيم ومبادئ الأمن، والأمان، والطمأنينة، والاطمئنان، والصلح، والتصالح، والعفو، والألفة، والاعتدال، والوسطية، والسلم، والاستقرار، والبناء، والتنمية، والرخاء، والرفاه، والازدهار. وهذا يعني أن المملكة التي تتبنى السَّلام والدعوة له تعارض كل ما يتعارض ويتصادم مع قيم السَّلام، وتقف بحزم وثبات ضد دعوات الصراع، والنزاع، والاعتداء، وزعزعة الاستقرار، والاضطراب، والتطرف، والإرهاب، والفتنة، والخروج عن القانون، والفوضى، وغيرها من دعوات مُدمرة للمجتمعات والشعوب الآمنة، ومخربة للأوطان المستقرة. نعم، هكذا هي مبادئ وقيم وأسس السياسة الخارجية السعودية مُنذُ تأسيسها وحتى وقتنا الحاضر، حيث استطاعت أن تسهم مساهمة مباشرة في تحقيق السَّلام في منطقة الشرق الأوسط بما يحفظ للشعوب والمجتمعات سيادتها الوطنية ومصالحها القومية، وبما يتماشى مع القانون الدولي، واستطاعت بفضل حكمة قيادتها الكريمة أن تدفع نحو الأمن والسِّلم والاستقرار بين مجتمعات ودول المنطقة بما يجعلها تبتعد عن النزاعات والصِّراعات، وتسعى لوقف الخلافات وتدعو للمفاوضات والحوارات حتى تستفيد الشعوب وتتحقق الرفاهية لجميع المجتمعات في المنطقة. وهذه المنطلقات الإيجابية والبنَّاءة والعظيمة التي عملت وتعمل عليها السياسة الخارجية السعودية تمثلت وتتمثل في قضايا وملفات سياسية عديدة ومهمة جداً للأمن والسلم والاستقرار الإقليمي، حيث تمكنت من خلالها من أن تدفع نحو الأمن والسَّلام في منطقة الشرق الأوسط، وتنجح بجهودها في إيقاف أو تخفيف حدة النزاعات والصراعات وحالة عدم الاستقرار، وليتحقق من خلال مساعيها تنمية وبناء المجتمعات، لتنعم شعوبها بالرفاه والرخاء. وإذا كانت تلك القضايا والملفات السياسية المُهمة متعددة ومختلفة، إلا أن وقتنا الحاضر يفرض علينا التمعن والتطرق للجهود العظيمة التي تبذلها المملكة في سبيل الدفع نحو الأمن والسَّلام والاستقرار في المنطقة من خلال تحقيق المصالحة مع إيران، وكذلك من خلال توفير الأرضية المناسبة والملائمة لمكونات وأطراف المجتمع اليمني من الحوار والتفاهم حتى الوصول لاتفاق ينهي الأزمة اليمنية ويعيد حالة الأمن والسلم والاستقرار للمجتمع والشعب اليمني. وإذا كانت المصالحة مع إيران القائمة وفقاً لما تضمنه البيان الثلاثي المشترك بين المملكة وإيران والصين في مارس 2023م من تأكيد على احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، والاتفاق على تفعيل اتفاقية التعاون الأمني بينهما الموقعة في إبريل 2001م، والاتفاقية العامة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب الموقعة في مايو 1998م، بالإضافة للتعبير عن حرص هذه الدول على بذل الجهود كافة لتعزيز السِّلم والأمن الإقليمي والدولي، تتوافق تماماً مع سياسة ومنهج وطريقة عمل وأسلوب المملكة في التعامل مع القضايا الإقليمية والدولية، وترتقي لمنزلة متقدمة جداً من منازل صناعة السَّلام وتحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط ذات الأهمية الاستراتيجية في السياسة العالمية، إلا أن جهود المملكة العظيمة ودورها المحوري في سبيل الدفع نحو السَّلام وتحقيق الأمن والاستقرار في اليمن تستحق الإشادة والثناء والتقدير من جميع الأطراف المحلية والإقليمية والدولية لأنها تتوافق تماماً مع قيم ومبادئ السَّلام العالمي التي أقرتها الشرائع السماوية، كما أنها تؤكد على قواعد القانون الدولي التي أقرتها وتعمل وفقاً لها المجتمعات والدول. نعم، لقد بذلت المملكة جهوداً عظيمة في سبيل أمن وسلام واستقرار الدولة اليمنية، ولتتحقق التنمية والتطوير والنهضة الشاملة في جميع الأراضي اليمنية، ولينعم الشعب اليمني بالأمان والرخاء والرفاه. وهذه الجهود العظيمة التي بذلتها المملكة تمثلت على أرض الواقع بالمبادرات السياسية والدبلوماسية، والدعم الاقتصادي والتنموي، والتمويل المادي والمالي، والدعم الإغاثي والإنساني، والتأييد الكامل للجهود السَّاعية لوحدة الصف اليمني وإنهاء حالة الخلافات الداخلية بين المكونات اليمنية. نعم، فمُنذُ بدء الحراك الشعبي المطالب بأهمية تغيير القيادة اليمنية في يناير 2011م بادرت المملكة بدعوة أبناء اليمن لحل الخلافات الداخلية على أُسس المصلحة اليمنية العليا. وفي هذا الشأن قدمت المملكة مع دول مجلس التعاون وبالاتفاق مع الأطراف اليمنية المُبادرة الخليجية في إبريل 2011م، الهادفة لوضع آلية تنهي الأزمة اليمنية وفقاً لمطالب الشارع والأطراف اليمنية، وبما يعيد حال الأمن والسلم والاستقرار للمجتمع اليمني. وعلى الرغم من أن هذه المبادرة حققت جزءاً من النجاحات المأمولة، إلا أنها ولأسباب داخلية وتدخلات إقليمية سلبية تصاعدت حالة الخلافات الداخلية بين الأطراف اليمنية مما هدد حالة الأمن والسلم والاستقرار في اليمن. وعلى الرغم من ذلك، إلا أن جهود المملكة العظيمة في سبيل إعادة حالة الأمن والسلم والاستقرار لم تتوقف حتى عندما سيطرت جماعة الحوثي على السلطة في صنعاء، فالمملكة التي أرادت لليمن الاستقرار ولشعبه الرفاه والرخاء، استضافت القمة 36 لقادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في الفترة من 9 – 10 ديسمبر 2015م (GCC)، حيث أقرت في بيانها الختامي نقاطاً مهمة جداً في الشأن اليمني ومنها: "التأكيد على الالتزام الكامل بوحدة اليمن واحترام سيادته واستقلاله ورفض أي تدخل في شؤونه الداخلية، كما أكد على أهمية الحل السياسي. وكذلك الإشادة بالجهود الإنسانية التي قدمتها دول المجلس لإدخال وتوزيع أكبر قدر ممكن من المساعدات الإنسانية والطبية للشعب اليمني الشقيق، منوهاً بالدور الإنساني الكبير الذي يضطلع به مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية في هذا الخصوص، داعياً المجتمع الدولي إلى تكثيف مساعداته الإنسانية من أجل رفع المعاناة عن الشعب اليمني الشقيق". وعلى الرغم من أن هذه الجهود العظيمة ساهمت إلى حد كبير في تخفيف آلام ومعاناة الشعب اليمني، إلا أن الظروف الإقليمية لم تساعد كثيراً في إنهاء حالة النزاع الداخلي بين الأطراف اليمنية. وعلى الرغم من ذلك لم تتوقف مساعي وجهود المملكة الإيجابية تجاه اليمن، ومن ذلك مبادرة المملكة التي عبر عنها تصريح وزير خارجيتها في مارس 2021م (واس) بالقول: "استمراراً لحرص المملكة العربية السعودية على أمن واستقرار اليمن والمنطقة، والدعم الجاد والعملي للسَّلام وإنهاء الأزمة اليمنية، ورفع المعاناة الإنسانية للشعب اليمني الشقيق، وتأكيدًا لدعمها للجهود السياسية للتوصل إلى حل سياسي شامل بين الأطراف اليمنية في مشاورات بييل وجنيف والكويت وستكهولم، فإنها تعلن عن مبادرة المملكة لإنهاء الأزمة اليمنية والتوصل لحل سياسي شامل، والتي تتضمن وقف إطلاق نار شامل تحت مراقبة الأممالمتحدة، وإيداع الضرائب والإيرادات الجمركية لسفن المشتقات النفطية من ميناء الحديدة في الحساب المشترك بالبنك المركزي اليمني بالحديدة وفق اتفاق ستوكهولم بشأن الحديدة، وفتح مطار صنعاء الدولي لعدد من الرحلات المباشرة الإقليمية والدولية، وبدء المشاورات بين الأطراف اليمنية للتوصل إلى حل سياسي للأزمة اليمنية..". وبالإضافة للمُبادرات السياسية والدبلوماسية المتصلة والمستمرة التي قدمتها المملكة في سبيل أمن واستقرار المجتمع والدولة اليمنية، بادرت المملكة، كذلك، بمواصلة تقديم الدعم المالي الكبير، ومن ذلك ما أُعلن عنه في فبراير 2023م (واس) من توقيع "المملكة اتفاقية وديعة مع البنك المركزي اليمني بمبلغ مليار دولار، وقد تم إيداعه بالكامل لدى حساب البنك. ويأتي هذا الدعم امتداداً لحرص حكومة المملكة، ودعمها المتواصل في مساندة الأشقاء بالجمهورية اليمنية تنموياً واقتصادياً، كما يأتي هذا الدعم تأكيداً من المملكة على وقوفها الدائم مع اليمن حكومةً وشعباً، ومساعدتها للنهوض بواجباتها في سبيل استعادة أمن واستقرار اليمن الشقيق". وفي الختام من الأهمية القول: إن المملكة تقود وتمثل الدور المحوري في سبيل إحلال الأمن والسِّلم والاستقرار في المجتمع والدولة اليمنية، وذلك من خلال تقريب وجهات النظر بين المكونات اليمنية السياسية والشعبية، التي تقع عليها مسؤولية تحقيق تطلعات ورغبات وأمنيات الشعب اليمني من خلال التوصل لاتفاق ينهي حالة النزاع والخلافات الداخلية، ويوقف التدخلات الخارجية في شؤون اليمن. نعم، إن أعظم ما تسعى وتطمح وتتطلع له المملكة وقيادتها الرشيدة هو تحقيق الأمن والسَّلام والاستقرار الدائم، ليس في اليمن فقط، وإنما في منطقة الشرق الأوسط، لتتمكن دوله ومجتمعاته من التركيز على التنمية والتطوير والتقدم والنهضة الاقتصادية والصناعية، وتستقطب مجتمعاتها الاستثمارات الإقليمية والدولية، وتنعم شعوبها في الحاضر والمستقبل بالرخاء والرفاه والازدهار والتكامل الاقتصادي.