الاستقرار والسلام من أهم شروط التقدم، وستشهد المنطقة بإذن الله نهضة شاملة حين يتحول الجهد المالي والبشري من الاستعداد للحرب إلى التعليم والبحث والتطوير والابتكار والصحة العامة والرخاء ومكافحة الفقر.. قليل هي الدول التي تنعم بالاستقرار، وتتمتع بعلاقات طيبة مع جيرانها، ومع بقية دول العالم، ومع الدول المؤثرة بشكل خاص، ذلك أن الخلافات ستظل قائمة بين الدول ما ظل الإنسان على هذه البسيطة، وما ظل فيها شعوب وحكومات، مصالح وتنافسات. وأخطر الصراعات هي التي منشؤها أيديولوجي ديني أو قومي، وعلى سبيل المثال لا الحصر عانت أوروبا من حروب مدمرة منذ مئات السنين، بعضها لأسباب دينية كالحروب التي استمرت ثلاث مئة سنة بين مذهبي الكاثوليك والبروتستانت، وبعضها بسبب قرارات فردية اتخذها قادة مندفعون، كغزو نابليون لأوروبا وروسيا، والحربين العالميتين، إضافة إلى الحروب في جنوب شرق آسيا كالحرب الكورية والفيتنامية وحرب أفغانستان، والحرب القائمة اليوم بين روسيا وأوكرانيا. وأكثر هذه الحروب تم حلّها على طاولة المفاوضات، وبعد سنوات من الخسائر المادية والبشرية وتدمير البيئة. الشرق الأوسط ناله نصيب من القلاقل والحروب، بعضها بين دوله أو مع المستعمر، وبعضها حروب أهلية داخلة، وتعد السعودية استثناء من كل ذلك، ففي الوقت التي كانت فيه الدول تقسّم وتجزأ، كان القائد الفذ الملك عبدالعزيز ورجاله المخلصون -يرحمهم الله- يوحدون أجزاء الجزيرة العربية، وينشرون الأمن والتنمية. واليوم تواصل قيادة المملكة تنفيذ سياستها الحكيمة والبعيدة النظر لترسيخ الأمن والازدهار، ليس على مستوى المملكة فقط، لكن ليشمل كل دول المنطقة، وآخر هذه الخطوات المباركة صدور البيان الصيني السعودي الإيراني الذي أكد على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وقد كان هذا البند أهم أسباب الخلاف بين المملكة وإيران، وسيمهد تنفيذه عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، ليتبعه التعاون وحل الخلافات على طاولة المفاوضات، وتفعيل النشاط الاقتصادي والذي يعد أهم أسباب التعاون والتقارب بين الدول. والجميل أن الدولة الراعية لهذا الاتفاق هي الصين التي ضربت مثالاً يحتذى في الاستقرار والابتعاد عن الحروب والتدخلات الخارجية، بل ركزت على التنمية الداخلية والتصنيع والتصدير وخلق الوظائف التي أخرجت نصف الشعب الصيني من دائرة الفقر، وهي الدولة الوحيدة التي تستطيع أن تؤثر على إيران، وتضمن نجاح الاتفاق لما تتمتع به من نفوذ واقتصاد قوي وخطط طموحة للتوسع التجاري على مستوى العالم، وقد بارك قادة الدول والشعوب التي تريد الخير لهذه المنطقة هذا الاتفاق، لما سيكون له من انعكاسات على كل دول المنطقة خاصة الدول غير المستقرة في المنطقة كاليمن ولبنان وسورية والعراق. السعودية ومنذ أن وضع ولي العهد الأمير محمد رؤيتها 2030 وهي في تقدم مستمر، وتعرف إلى أين تتجه، وقد كان الاقتصاد حاضراً في كل برامج الرؤية، ومن أهمها تنمية القدرات البشرية، وتنويع مصادر الدخل لما له من أهمية، ومن أهم الدروس التي تستنبط من هذا الاتفاق التاريخي ما يلي: أولاً، طاولة المفاوضات هي الميدان الملائم لحل الخلافات مهما كانت متداخلة ومعقدة، مع اشتراط وجود الرغبة وحسن النية والصبر، وإعطاء المتحاورين الحرية للبحث عن أفضل الحلول الممكنة، ولكي تنضج المفاوضات يجب أن تطبخ على نار هادئة، وهو ما قامت به المملكة بكل صبر واحتراف. ثانياً، العلاقات المتميزة، والمبنية على المصالح ومبدأ (أنا أربح وأنت تربح) هو ما ينجح المساعي الخيرة، فعلاقة المملكة مع الصين، وعلاقة الصين مع كل من إيران والمملكة هي التي أسهمت في إنجاح هذه الاتفاقية التي استمرت المباحثات من أجل إنجاحها سنوات. وكل ذلك لن يؤثر على سياسة المملكة وعلاقتها مع الدول الصديقة والشقيقة، بل سيزيدها قوة ومنعة. ثالثاً، الاستقرار والسلام من أهم شروط التقدم، وستشهد المنطقة بإذن الله نهضة شاملة حين يتحول الجهد المالي والبشري من الاستعداد للحرب إلى التعليم والبحث والتطوير والابتكار والصحة العامة والرخاء ومكافحة الفقر. قيادة المملكة جمعت بين الطموح والوضوح، وبين العمل والتعاون، تمد يدها لكل من يطلب العون أو يدعو للسلام.