لم تكن الانطلاقة الاقتصادية التي حققتها المملكة فيما مضى من سنوات رؤية 2030 عشوائياً، وإنما جاءت وفق دراسات علمية، مدعومة بإرادة وعزيمة من ولاة الأمر، بأن تبقى المملكة صاحبة أكبر اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما تحقق للمملكة، بشهادة المنظمات الدولية، التي رأت أن السعودية تصنع المستحيلات عبر رؤيتها الطموحة. الرؤية التي انطلقت في صيف 2016، خططت لطفرة اقتصادية شاملة، ثم بدأت التنفيذ على أرض الواقع، واليوم تجني المملكة ثمار هذه الرؤية في كل المجالات، بداية من تفعيل مجالات اقتصادية، لم تنل حظها من الاهتمام، مروراً بإنعاش قطاعي الصناعة والزراعة، وصولاً إلى تعزيز المسار الاقتصادي في مجالات عدة، أبرزها الترفيه والسياحة والرياضة، لضمان الاستدامة، وتحقيق مكاسب مالية. وبالأمس، كشف قرار مجلس الوزراء، برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، عن بوصلة المملكة، لتعزيز وانتعاش القطاع الاقتصادي بشكل «استثنائي»، من خلال قرار إنشاء «البرنامج السعودي لجذب المقرات الإقليمية للشركات العالمية»، مثل هذا القرار، يدعم هدفاً استراتيجياً، وهو إدراج العاصمة ضمن أفضل 10 مدن اقتصادية في العالم، ولعل هذا يفسر لنا سر الاهتمام الرسمي بالعاصمة في السنوات الأخيرة، وما نالته من خطط تطوير وتحديث، كانت امتداداً لخطط مماثلة، أشرف عليها خادم الحرمين الشريفين، طيلة نحو نصف قرن، عندما كان أميراً للرياض. قرار مجلس الوزراء، يعكس إيمان القيادة الرشيدة الراسخ بأهمية تفعيل ثقافة المدن الاقتصادية، ليس في الرياض فحسب، وإنما في بقية المناطق، عبر توظيف الإمكانات والمزايا النسبية لكل منطقة على حدة، واستثمارها بطرق علمية، تثمر عن إنعاش الاقتصاد بها، وتأمين وظائف لأبناء الوطن، وهو ما يفسر لنا تأسيس هيئات تطوير ومكاتب استراتيجية لمناطق المملكة، كما يفسر لنا سبب إطلاق القيادة للمشروع البيئي «الرياض الخضراء»، بجانب مشروعي «السعودية الخضراء» و»الشرق الأوسط الأخضر»، وكذلك مطار الملك سلمان، وطيران الرياض، والمربع الجديد. الرياض مؤهلة لأن تكون مركزاً اقتصادياً دولياً، تستهدفها الشركات العالمية بافتتاح فروع لها بداخلها، إن هي أرادت أن تروج منتجاتها وخدماتها في منطقة الشرق الأوسط، ويقيني بأن تأسيس البرنامج السعودي لجذب المقرات الإقليمية للشركات العالمية إلى العاصمة، وتكليف مجلس إدارة الهيئة الملكية لمدينة الرياض بالاشراف عليه، سيكون خطوة مهمة، نحو تحقيق الهدف المنشود، بشكل دقيق وعلمي، يحدد المرتكزات، ومن ثم ينطلق في عملية التنفيذ. وأعتقد أن محاولات المملكة اجتذاب الشركات، من أجل تأسيس مقار إقليمية لها في الرياض، سيكون له انعكاسه، ليس في جذب رؤوس الأموال فحسب، وإنما في جذب المخترعين والمبتكرين حول العالم، إلى الأسواق السعودية، لممارسة نشاطهم على أرض المملكة، وهو ما يمنح الفرصة لأبناء المملكة لاكتساب المهارات والخبرات المطلوبة. ولعل ما أعلنته وزارة الاستثمار أخيراً، بوصول عدد الشركات العالمية، التي افتتحت مقرات إقليمية لها في الرياض إلى 80، ارتفاعاً من 44 شركة، مثلت الدفعة الأولى من الشركات الراغبة في افتتاح مقر إقليمي لها، يبشر بالخير، ويعطي مؤشرات بأننا سائرون على الطريق الصحيح، في أن تصبح المملكة عامة، والرياض خاصة بؤرة اهتمامات الشركات العالمية.