على مدى نحو ثلاثة قرون، منذ نشأة الدولة السعودية الأولى على يد الإمام المؤسس محمد بن سعود - رحمه الله - ارتبطت مسيرة وطننا المباركة براية خفاقة تحمل الشهادتين تعبر عن عقيدة أمتنا، مع سيف يجسد قوة ومنعة وأصالة شعبنا، وكان كل تطور يطرأ على شكل وتصميم العلم يروي فصلًا من حكاية الوطن وتلاحم أبنائه خلف قيادته الرشيدة. وانطلاقًا من تلك المكانة التي يحتلها العَلم في ذاكرة وحاضر ومستقبل المملكة، جاء قرار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - بأن يكون يوم 11 مارس من كل عام يومًا خاصًا بالعَلم، إذ يأتي ذلك الاحتفال تعبيرًا عن قيمة العَلم الوطني الذي كان شاهدًا على حملات توحيد البلاد التي خاضتها الدولة السعودية، كما اتخذ منه المواطنون والمواطنات راية للعز شامخة لا تُنكّس. إن تلك المناسبة الوطنية تمثل كرنفالًا يعكس مشاعر التلاحم المجتمعي والائتلاف والوحدة بين أبناء المملكة، الذين يبادرون برفع العَلم تعبيرًا عن الانتماء والولاء للوطن وقيادته الرشيدة، والتمسك بالقيم والهوية السعودية الراسخة. استحضار التاريخ وللعَلم أهمية ورمزية كبرى لدى الأمم والمجتمعات، كونه يعبر عن هوية الدولة ويرتبط بكل ما يصنع فيها، وما ينتمي إليها، وما يعبر عنها، ويعد رمزًا يمثلها في الخارج؛ إذ يُرفَع فوق مقار السفارات، وفي الداخل فوق المؤسسات التعليمية؛ كي يتعلم الأبناء معنى الولاء، وأن يعرفوا أهمية ورمزية هذا العَلم في حياتهم، وبينما تتعدد المرادفات والمصطلحات اللغوية التي تستخدم للإشارة إلى العَلم في اللغة العربية، منها الراية واللواء والبيرق والعقاب، فإن جميعها يرمز إلى قطعة من القماش تُعقد على قائم وتُرفع ليُهتدى بها، وتصبح شعارًا دالًا على ما وُضِع له، وتُرفع سلمًا وحربًا، إن العَلم يعد اختصارًا مكثفًا لدلالات كبيرة ومعان عظيمة، فرؤية الرمز تجعلنا نستحضر تاريخًا ومراحل زمنية وقادة عظام حملوا لواء تلك الراية، لذلك يمثل العَلم السعودي أهمية كبيرة لأبناء الوطن، كونه رمزًا يُعبّر عن المبادئ والقيم التي قامت عليها المملكة العربية السعودية، كما أنه يعكس الصورة الذهنية المرتبطة بالدولة ويختزل تاريخها وحضارتها والمراحل التي مرت بها، والقيم التي تأسست عليها وتتمسك بها. يوم العَلَم يعكس مشاعر تلاحم الشعب والائتلاف والوحدة دلالات خاصة ويُعد علم الدولة السعودية من الأعلام المميزة برمزيته وتكوينه ودلالته، إضافة إلى أن لونه يحمل دلالات خاصة، فقد اختارت الدولة علمًا مكونًا من ثلاثة أجزاء؛ اللون الأخضر حيث يشير إلى السلام والنماء والرخاء والعطاء والتسامح الذي تتسم به السعودية، كما يشمل شهادة التوحيد «لا إله إلا الله محمد رسول الله» والتي تعد رمزًا للعقيدة وما قامت عليه الدولة منذ التأسيس، بالإضافة إلى السيفين اللذين يشيران إلى إظهار القوة، ويعكسان ما كانت عليه الدولة في أولى مراحل تكوينها، ولهما دلالة أخرى على العدل وأخلاق الفروسية، بالإضافة إلى النخلة وهي رمز العطاء والخير والشموخ والعزة، وفيها إعلاء لثقافة العمل المهني الزراعي والاعتزاز بها، لقد مر شكل العَلم السعودي بمسيرة من التطور منذ الدولة السعودية الأولى وحتى تأسيس المملكة على يد الملك المؤسس عبدالعزيز - طيب الله ثراه - وكانت هناك قواسم مشتركة تربط بين شكل العَلم على مدى تلك المسيرة الممتدة لنحو ثلاثة قرون، فلم يكن التطور يعكس قطيعة مع الماضي، الأمر الذي يُعبر عن الأصالة والتمسك بالجذور والهوية. خزّ وإبريسم ووفقًا لما أورده المؤرخ عبدالرحمن الرويشد في مؤلفه المهم، «تاريخ الراية السعودية: أعلام وأوسمة وشارات وطنية»، فإن علم السعودية علم متوارث مرت به تطورات إلى أن استقر على النحو الذي هو عليه في أواخر عهد الملك عبدالعزيز - رحمه الله - موضحًا أن ثمة اتفاقًا بين المؤرخين على شكل العَلم السعودي ومكوناته، وأنه تميز بلونه الأخضر في عهد الدولة السعودية الأولى وصناعته من الخزّ والإبريسم، وكُتب عليه شهادة التوحيد «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، وأنه كان يُعقد على سارية بسيطة، وقد استمرت هكذا في عهود المؤسس الأول الإمام محمد بن سعود وابنه الإمام عبدالعزيز بن محمد، وابنه الفاتح العظيم الإمام سعود بن عبدالعزيز المعروف ب «سعود الكبير» وابنه عبدالله بن سعود - رحمهم الله - وكذلك في عهد الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - حيث أجريت بعض التغييرات بعد ضم الحجاز إلى الدولة السعودية فأصبح العَلم أخضر اللون، وأدخل عليه بعض البياض مما يلي السارية، وأصبح يُصنع من الحرير، ووُضع على رأس السارية قرص نحاسي، تعلوه حربة، وأخذ العَلم شكلًا مستطيلًا تتوسطه الشهادتان وقد مُيّزتا باللون الأبيض وكُتبتا بخط جميل. مراحل تطور ومر العَلم السعودي بمراحل تطور متعددة في ظل مسيرة الملك المؤسس عبدالعزيز - رحمه الله - لتوحيد الدولة، فكانت البداية بعلم أخضر كامل مكتوب عليه شهادة التوحيد «لا إله إلا الله» بالخط الأبيض مع وجود مساحة بيضاء على يسار العلم، وهو ما يعرف بعلم إمارة نجد منذ دخول الرياض عام 1902م حتى 1921م، وخلال رحلة الملك عبدالعزيز وضم العديد من المقاطعات أصبحت تعرف بمملكة نجد منذ عام 1921م حتى 1926م، حيث تم تغيير العَلم وأصبحت شهادة التوحيد «لا إله إلا الله» كبيرة على المساحة الخضراء، وأصبح الجزء الأبيض الطولي يمين العلم، كما أضيف السيف الأبيض أسفل شهادة التوحيد، ولاحقًا تم إزالة السيف وأصبحت الراية الخضراء محاطة بلون أبيض تتوسطها شهادة التوحيد باللون الأبيض، حيث رفعت هذه الراية منذ عام 1926م حتى 1932م تحت اسم مملكة نجد والحجاز، ومع إعلان تأسيس المملكة العربية السعودية في العام ذاته أصبح العلم أخضر بالكامل، وكتبت عليه شهادة التوحيد بشكل كامل باللون الأبيض وأسفلها سيف أبيض، حيث يكون نهاية السيف مع بداية كلمة التوحيد، وظل العَلم على هذا الشكل حتى عام 1973م ففي عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز - رحمه الله - أُدخلت تعديلات بسيطة على العَلم السعودي شملت مقاسات العَلم وتغيير بداية ونهاية السيف الأبيض، حيث أصبح المقبض أسفل بداية شهادة التوحيد وينتهي بنهايتها نحو السارية. إجراء تعديلات وصدر نظام العلم للمملكة العربية السعودية والذي أشار في مادته الأولى إلى وصف العَلم الوطني بأنه مُستطيل الشكل عرضُه يُساوي ثُلثي طوله، لونه أخضر مُمتد من السارية إلى نهاية العَلم، تتوسطه الشهادة «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، وسيف مسلول تحتها مواز لها، تتجه قبضتُه إلى القسم الأدنى من العلم، وتُرسم الشهادة والسيف باللون الأبيض وبصورة واضِحة من الجانبين، كما ينص على أن مساحة رسم الشهادة والسيف تُساوي عرضًا مسافة عرض القسمين الأعلى والأدنى من العلم، وطولًا مسافة عرض القسمين الأيمن والأيسر من العلم، وأن تُرسم الشهادة بخط الثُلث وقاعدته في مُنتصف مسافة عرض رسم الشهادة والسيف، وأن يُرسم السيف بطول يُساوي ثلاثة أرباع طول رسم الشهادة وعلى مسافة مُتساوية من الجانبين، وظل العَلم بهذا الشكل إلى يومنا هذا، وإن حدثت تغييرات خلال السنوات التالية، لكنها ارتبطت تحديدا بالمقاسات والحجم، دون تغيير على محتويات العَلم الوطني، وكان آخر تلك التغييرات في فبراير من العام الماضي، حيث أقر مجلس الشورى السعودي، مشروع تعديل «نظام العلم» بالمملكة، الذي يقضي بإجراء تعديلات على نظام العَلم والشعار والنشيد الوطني دون المساس بمحتوى أو شكل أي منها. رمزية وتوقير ويتسم علم المملكة بأنه يحمل العديد من الدلالات الرمزية المرتبطة بوطننا الغالي وعقيدتنا السمحاء، إذ يعبر اللون الأخضر عن التطور والنماء ووفرة الخيرات في أرض المملكة المباركة، أما شهادة التوحيد التي تتوسطه فهي تعبير عن رسالة الإسلام التي قامت عليها هذه الدولة المباركة، ويُرمز بالسيف إلى القوة والأنفة وعلو الحكمة والمكانة، وأخلاق الفروسية التي يتصف بها الإنسان العربي الأصيل، وترمز أيضًا إلى الدفاع عن مضمون الشهادتين وأمة التوحيد، ولمّا كان العَلم السعودي يحمل رمزية عظيمة للأمة والعقيدة والوطن بوصفه راية ملهمة ومبعث الفخر والاعتزاز بالوطن ورمزًا للدولة وسيادتها واستقلالها، استوجب ذلك توقيره واحترامه وتجنب أي سلوكيات أو ممارسات لا تتفق مع هيبة العلم الوطني، لذا من الطبيعي وجود جملة من المحاذير التي يتم تجنبها فيما يتصل بالعلم، ومنها أنه لا يجوز تنكيس العَلم - رفعه عند منتصف السارية - لأنه يحمل شهادة التوحيد، كما يحظر رفعه مقلوبًا أو بعكس لفظ الشهادة، فضلا عن عدم جواز ملامسته لسطحي الأرض والماء، بالإضافة إلى ذلك، لا يجوز في المكان الواحد رفع أي علم أو راية تعلو أو تجاوز حجم العَلم الوطني، ويحظر أيضًا استعمال العَلم الوطني كعلامة تجارية أو لأغراض الدعاية التجارية، ويمنع استخدام العَلم بأي صورة قد تعرضه للتلف أو تسيء له بما في ذلك طباعته على المواد التي يتم التخلص منها بعد استخدامها، مثل الأكياس والأكواب الورقية، وقد نصّ نظام العَلم في المملكة على عقوبات رادعة ضد من تُسول له نفسه ارتكاب فعل يسيء إلى العَلم الوطني، إذ نص النظام على أن كل من أسقط أو أعدم أو أهان بأي طريقة كانت العَلم الوطني أو العَلم الملكي أو أي شعار آخر للمملكة العربية السعودية كراهةً أو احتقارًا لسلطة الحكومة، وكان ذلك علنًا أو في محل عام أو في محل مفتوح للجمهور يُعاقَب بالحبس لمدة تصل إلى سنة وبغرامة تصل إلى ثلاثة آلاف ريال. احتفاء مُستحق إن إعلان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان - حفظه الله - تخصيص يوم للعلم، نحتفي فيه بالعلم الوطني، يمثل إضافة لمناسبة وطنية جديدة عزيزة، واحتفاءً واجبًا بكل ما يتصل بتاريخ أمتنا المجيدة من أحداث ورموز، لنستذكر نحن السعوديين كبارًا وصغارًا، شيبًا وشبانًا، رجالًا ونساءً، تاريخنا العريق وحكاية وطن يرويها العَلم السعودي، الذي يواصل شموخه سامقًا بأمجاد الأجداد والآباء المؤسسين التي تعانق الفَخار بتاريخ ناصع أبلج، كما يشهد في الوقت ذاته على منجزات حاضرنا الزاهر ومستقبلنا المشرق، لطالما شكّل العَلم رمزًا مبجلًا لسيادة الوطن وكرامته واستقلاله وعزة أبنائه، لذلك فإن هذه المناسبة الوطنية العزيزة تبعث فينا معاني الفخر بالعَلم السعودي الذي كان وسيبقى شاهدًا على إنجاز الآباء والأجداد، وأحد الرموز الوطنية التي نتوحد حولها، كما أننا نلتف حول راية الوطن بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان رئيس مجلس الوزراء - حفظهما الله - بكل فخر واعتزاز بما حققته المملكة من منجزات بفضل حكمة القيادة الرشيدة ورؤيتها الطموحة «رؤية المملكة 2030»، التي استطاعت خلال سنوات قليلة تحقيق طفرات في شتى القطاعات، وهكذا يظل العَلم السعودي حاضرًا في كل احتفال بإنجاز أو مشروع، وزاهيًا بمعانيه ودلالاته السامية، وسفيرًا للوطن في كافة المحافل الإقليمية والدولية. هوية وطنية إن العَلم السعودي لواء يشير إلى هوية وطنية ضاربة في الأعماق، أساسها يعود إلى الدين الإسلامي، لذا يُنظر إلى العَلم بوصفه جزءًا لا يتجزأ من عملية بناء الأمة، كما يشير إلى ذلك الشعور المتنامي بالوطنية بين أبناء المملكة، ويكثف إحساسهم بجملة من الرموز والعلامات والألوان ويمنح معاني ودلالات متراكمة مع الأيام، ليحفظ ذاكرتهم الوطنية، لقد تفرّد العلم السعودي بسمات فريدة وهي أنه لا ينكس في المناسبات بخلاف غيره من أعلام الدول الأخرى، ولونه الأخضر وعمق دلالاته، وإعلاء شهادة التوحيد، وإثبات رمز السيف، ولعلم المملكة مكانة عظيمة لا تقتصر فقط على السعوديين، بل جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها كونه يحمل شهادة التوحيد «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، فضلًا عن الصورة الذهنية التي ارتبط بها ذلك العَلم في نفوس الملايين حول العالم، فكان حاضرًا مع كل غوث ودعم تقدمه مملكة الإنسانية انطلاقًا من دورها القيادي والريادي العالمي. إننا في هذا اليوم المجيد، نرفع العلم الوطني، كل واحد منا في موقعه، وتغمرنا مشاعر الفخر والاعتزاز، تعبيرًا عن الوحدة والإخلاص للأرض، والشعور بالأمان والطمأنينة، وذلك تجسيدًا لمعنى السيادة والاستقلالية التي يتمتع بها الوطن، لكون العَلم رمزًا يُعبّر عن الإنسان والأرض التي ينتمي إليها. أحقية وجدارة ومما لا شك فيه أن الاحتفاء بالعَلم عنصر أساسي في ترسيخ الهوية الوطنية في نفوس النشء، وبناء شخصية الأجيال الجديدة التي يقع على عاتقها مسؤولية حمل هذه الراية، وإضافة المزيد من الإنجازات والنجاحات لرصيد وطننا وأمتنا، لنظل دائمًا في الصدارة بكل أحقية وجدارة، كما يُمثل يوم العَلم مناسبة نستذكر فيها مسيرة وطننا الغالي وقيادته الرشيدة، وكل جهد يُبذل في سبيل رفعة ونهوض البلاد، لا سيما ما تشهده من حِراك تنموي يكتب صفحات جديدة لحاضر مزدهر نحياه اليوم، ليصبح في الغد والمستقبل جزءًا من التاريخ التليد للمملكة، الذي نفخر به، لذا فإن مناسبة كيوم العَلم تعمل على شحذ الهمم لبلوغ القمم، وتستنفر كل طاقاتنا من أجل مزيد من الإسهام في جهود التحديث التي تشهدها كل أنحاء المملكة. وختامًا، نسأل الله العلي القدير أن يُبقي وطننا شامخًا عزيزًا، وأن يديم أمنه واستقراره ورخاءه، ويحفظ ولاة أمرنا وشعبنا من كل سوء أو مكروه. في يوم العَلَم نستذكر ماضينا العريق وحاضرنا المُشرق