عقد قسم اللغة العربية في كليّة الآداب (سابقًا) بجامعة الملك سعود لقاءً علميًّا مع الأستاذة الدكتورة سوزان ستيتكيفتش في 25- 8- 1443ه، تحدّثت فيه عن مجمل أعمالها حول الشعر العربيّ القديم، وطرائق مقاربته العلميّة -من وجهة نظرها- التي تمثّلت بمعطيات علم الإنثروبولوجيا. وقد تحدّثت عن بحث لها عن لزوميّات أبي العلاء المعرّيّ، وقد قالت: إنّ لأبي العلاء كتابًا مفقودًا في العَروض، وإنّه لو كان موجودًا لاستفادت من الفكر العَروضيّ عند أبي العلاء، ولاستطاعت تفسير لجوء المعرّيّ إلى ظاهرة لزوم ما لا يلزم التي خصّها بديوان شعر مستقلّ. وبعد تسعة عشر يومًا من عقد هذا اللقاء مع الدكتورة سوزان، كنتُ أقرأ في كتاب (المتنبّي والتجربة الجماليّة عند العرب: تلقّي القدماء لشعره) للأستاذ الدكتور حسين الوادّ، ووقعتُ في الحاشية الأولى من الصفحة 269 على هذا التعليق الطريف: «لم نجد عند القدماء عناية معمّقة بموسيقا الشعر الناجمة عن تفاعل الأصوات وتمازجها، وبقي كلامهم في ذلك محصورًا في الإشارات الخاطفة إلى الأعاريض وأنواعها. وقد انتظرنا الكثير في هذا المبحث من الرسالة التي خصّ بها أبو العلاء المعرّيّ أوزان أبي الطيّب، حتّى إذا اطّلعنا عليها ألفيناها لا تتضمّن إلّا إحصاءً جيّدًا للبحور التي استعملها صحيحة أو مجزوءة»(1) ثمّ أحال حسين الوادّ إلى كتاب (الأوزان والقوافي في شعر المتنبّي) لأبي العلاء المعرّيّ بتحقيق محمّد طاهر الحمصيّ. نستنتج من النصّ السابق ما يأتي: الأول: أنّ محتوى كتاب (الأوزان والقوافي) للمعرّيّ لا يُنظّر لظاهرة لزوم ما لا يلزم التي نظم عليها المعرّيّ جزءًا من شعره. الثاني: أنّ للمعرّيّ كتابًا مطبوعًا موضوعه أوزان أشعار المتنبّي وقوافيه من حيث الإحصاء لما نظم عليه من بحور الشعر، وما وقع في شعره من زحافات وعلل، وأوصاف لحروف القوافي التي استعملها المتنبّي. وقد عدتُ إلى كتاب المعرّيّ (الأوزان والقوافي في شعر المتنبّي)، ولم أجد شيئًا جديدًا عمّا هو مقرّر في علمي: العَروض والقافية، ولم يشر أبو العلاء إلى ظاهرة لزوم ما لا يلزم، وإنّما اكتفى بوصف البحور الشعريّة، ووصف القوافي التي نظم عليها المتنبّي شعره. يقول محقّق الكتاب محمّد طاهر الحمصيّ واصفًا هذا الكتاب: «إنّ مخطوطة هذا الكتاب ليست إلّا جزءًا من أحد شرحي المعرّيّ على ديوان أبي الطيّب: اللامع العزيزيّ، ومعجز أحمد، أو من شرح آخر لم يصل إلينا(2). أيْ: إنّه ليس كتابًا مستقلًا في بحور الشعر وقوافيه التي نظم عليها المتنبّي، وليس في هذا الكتاب حديثٌ نظريٌّ يمكن أن يستفاد منه في تفسير سبب لجوء المعرّيّ إلى النظم على ظاهرة لزوم ما لا يلزم. وفي الختام فإنّ كتاب (الأوزان والقوافي في شعر المتنبّي) للمعرّيّ لن يفيد الأستاذةَ الدكتورةَ سوزان الاطّلاعُ عليه في بحث ظاهرة لزوم ما لا يلزم؛ لأنّه لم يتطرّق إلى هذه الظاهرة التي هي موضوع بحثها، وقد تنحصر الاستفادة منه في وصف الموسيقا الخارجية التي تتمثّل في بحور الشعر وقوافيه في شعر المتنبّي. الحواشي: (1) الوادّ، حسين: المتنبّي والتجربة الجماليّة عند العرب تلقّي القدماء لشعره، دار الغرب الإسلاميّ، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، 2004م، ص269، الحاشية: 1. (2) انظر المعرّيّ، أبو العلاء: الأوزان والقوافي في شعر المتنبّي: رسالة مخطوطة لأبي العلاء المعريّ، تحقيق: محمّد طاهر الحمصيّ، مجلّة مجمع اللغة العربيّة بدمشق، المجلّد السابع والخمسون، الجزء الرابع، محرّم 1403ه/ أكتوبر 1982م، ص599.