يصادف اليوم ال11 من مارس؛ يوم العلَم السعودي، والذي يعدّ مناسبة وطنية، تحتفي بها المملكة العربية السعودية؛ لما يمثله هذا العلَم من رمز للعقيدة، والوطن، وقيمة ممتدة، عبر تاريخ الدولة السعودية. كيف يرى المثقفون والأدباء والكتاب هذا اليوم؛ وكيف يقرؤون هذا القرار وتخصيص يوم للعلم؟ ودوره في تعزيز الهوية؟ وكذلك الأبعاد والدلالات لرموز العلم وتكويناته؟. بهذه الأسئلة توجهت «الرياض» لعدد من المثقفين واستطلعت آراءهم؛ فكانت هذه الحصيلة. د. القحطاني: رمز لعقيدتنا وحبنا للوطن دلالة حب وولاء في البداية تحدث الأديب الدكتور عبدالمحسن فراج القحطاني قائلاً: "حديثي عن العلم السعودي يطول لأنه حافظ أو عبر عن عقيدة الإنسان التي هي توحيد الله، وعن قدسية المكان الذي هو الحرمين الشريفين، وعن حب الوطن الذي حمى الإنسان وحمى الأماكن المقدسة أيضا، فهو علم يظل شامخا خفاقا باسقا لا ينكّس، ولعل هذا ما يجعل التأكيد على أن هذا العلم يوضع دائماً في مواضع تليق به، وأن يكون دائما في مكان شامخ ومرتفعا، وعلينا فعلا أن نحترم هذا العلم لأنه أكد توحيدنا وقدسية مكاننا، وأكد حبنا لهذا الوطن ولأنه يحمل شهادتين شهادة (لا إله إلا الله، محمد رسول الله) فهاتان الكلمتان الباسقتان علينا أن نحترمهما ونرفعهما تاجا على رؤوسنا، وأن نحب هذا العلم الذي حماها ودافع دونها وصار ملكها خادما لمقدساتها؛ الحرمين الشريفين، وهناك دول كثيرة احتفت بأعلامها فمن باب أولى أن نحتفل بعلمنا لأنه يحمل في مغزاه ومبناه أمورا كثيرة، فبعض الأعلام وضعت لمصممها، والبعض الآخر وضع لشخصية، لكن علمنا تجرد عن كل ذلك ووضع للعقيدة والشهادتين وحب المكان المقدس وحب الأرض التي تحافظ على هذا المكان المقدس". مجد وقوة ونماء الدكتورة صلوح السريحي من جامعة الملك عبدالعزيز تستعيد عمق وأهمية القرار؛ فتقول: "في يوم 27 ذي الحجة 1355ه الموافق 11 مارس 1937م أقر الملك عبدالعزيز- طيب الله ثراه- علم المملكة العربية السعودية الذي يُعد رمزا تعبيريا للعقيدة والوطن، يحمل دلالات عظيمة تشير إلى التوحيد والعدل والقوة والنماء والرخاء". وترى صلوح السريحي أن هذا العلم يشكل بهذه الدلالات صورة ترسخ في الذهن مجد الدولة وقوتها، كما تشكل مصدر الاعتزاز والفخر بها والانتماء إليها. وتضيف: "تشكلت هذه الدلالات من رموز عدة تضافرت وتكاتفت لتصمم صورة ذهنية مستمدة من شكله المستطيل بزواياه الأربعة الصحيحة التي تشير إلى الاستقرار والترتيب، ومن لونه الأخضر وما يسقطه من بعد روحي يوحي بالسلام، ويزداد هذا البعد تكثيفا بشهادتين رسمتا باللون الأبيض تتوسطان العلم هما: "لا إله إلا الله محمد رسول الله" وبصورة السيف المسلول تحت الشهادتين ومواز لهما تتجه قبضته إلى القسم الأدنى من العلم رمزا للقوة والمنعة، وبهذا تتشكل هوية الوطن وتترسخ في الذهن صورة تعبيرية مكثفة بدلالاتها وإيحاءاتها العظيمة، صورة أيقونية تمثل حلقة وصل بين الوطن والمواطن ترمز للتلاحم والائتلاف والوحدة الوطنية تختزن هذه الصورة الأيقونية حكاية وطن ومجد دولة شيدها رجال وبناها أبطال، ولا يزال البناء والتشييد بها قائما والعمل على استقرارها وتطورها مستمرا وبالبناء والنماء وبسواعد الأبناء". وختمت السريحي حديثها بالتأكيد على أن هذا العلم سيبقى خفاقا عاليا حاملا هوية البلاد وعدل حكامها وإخلاص شعبها وحبهم للمليك والبلاد والعلم. د. السريحي: توحيد وعدل وقوة ونماء تعزيز الانتماء الصادق أما الشاعر ورئيس النادي الأدبي بالباحة الأستاذ حسن الزهراني فيلفت إلى اهتمام القيادة الفذة لدينا قائلاً: "دأبت قيادتنا الرشيدة على ابتكار كل ما يعزز انتماء المواطن السعودي لدولته العزيزة ولوطنه الكبير ولقيادته الرشيدة"؛ ويضيف: "وما هذه اللفتة الملكية الكبيرة بأن يكون يوم 11 مارس يوم العلم السعودي إلا دلالة صادقة على أن هذا العلم الذي ليس كأي علم؛ أوّلاً فقد شرفه الله بكلمة "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، وبهذا اللون الحي الأخضر، وأيضاً بكل معاني الجمال. ويوضح الزهراني بأننا عندما نحتفل نحن ونبتهج بأن نخصص هذا اليوم لعلمنا السعودي الخفاق فإننا نحتفل كذلك بانتمائنا الصادق لعقيدتنا الإسلامية الصادقة خصوصاً وأن هذا العلم يحمل كلمة التوحيد وبالتالي نحن عندما نجعل لهذا العلم يوماً ونحتفي ونحتفل به كمواطنين سعوديين وكجهات وكدولة بأسرها نحتفل بكل معاني الجمال الروحي والجمال الوطني والجمال الإنساني، وبحمد الله تعززت هذه الرؤية التي تتحدث عن هذا العلم الخفاق بكل ما تقدمه هذه الدولة للإنسانية، وبالتالي نرى هذه الراية الخفاقة ترفع في كل مناسبات الأفراح وأيضا في مناسبات الأتراح لدعم ومساندة كل من يحتاج للدعم ليس على المستوى العربي والمستوى الإسلامي بل على مستوى العالم". ويؤكد الزهراني ارتباط هذه الراية بالرفعة؛ فيقول: "ارتبطت هذه الراية بالعز، ارتبطت هذه الراية بالتوحيد قبل كل شيء، ارتبطت هذه الراية بالإنسانية وفعل الخير وبث السلام والأمن والطمأنينة في كل مكان ترفع فيه، وليس جديدا على قيادتنا الرشيدة أن تقدم لنا في كل يوم فرحا جديدا، رأينا قبل أيام كيف أن الوطن بأسره احتفل -وهذا العام بالتحديد- بطريقة مختلفة بيوم التأسيس، أصبح يوم التأسيس جزءا منا ومن أفراحنا ومن أعيادنا ومناسباتنا الغالية، وسيكون كذلك يوم العلم بهذا المستوى الرفيع والعالي الذي دائما نجده حاضرا في أذهان أبناء هذا الوطن، وبحمد الله أيضا أبناء الوطن العربي وأبناء العالم الإسلامي الذين ينتمون لهذا العلم لأنه يحمل عقيدة كل مسلم؛ ثم إن هذا التاريخ الذي اختير لم يأت هكذا عبثا؛ فبحمد الله نجد أن القيادة الرشيدة تختار للمناسبات أياما هي بحد ذاتها أيام بهجة وفرح. نسأل الله أن يديم على هذا الوطن عزه، ويديم عليه رفعته ويديم عليه قيادته الرشيدة، ويديم أيضا هذا الشعب الذي نراه بكل محبة يلتف حول هذه القيادة ويآزر، ويبتهج بكل ما يأتي من آراء سديدة وبناءة لخدمة هذا الوطن ورفعته". عمق تاريخي من جهته يرى الناقد والكاتب الدكتور أحمد هروبي أن يوم العلم الوطني السعودي جاء انطلاقاً من قيمة ذلك العلم، تلك القيمة قيمة ثابتة، وممتدة، تضرب بجذورها في عمق التاريخ، ويضيف: "تاريخ الدولة السعودية منذ تأسيسها في عام 1139ه الموافق 1727م، ولا شك أن هذا العلم يمثل هوية هذا الوطن، بما يحويه من شهادة التوحيد، وما يتضمنه من قيم تعكس هوية هذا الكيان. الواقع أن أعلام الدول لا تتشكل اعتباطا، كما أن رموزها وعلاماتها تمثل مقصدية، تختار بعناية؛ لتعكس هوية عقيدة الوطن وهويته. العلم السعودي هو رمز من رموز الوطن، يفصح عن معتقدات هذا الكيان، المملكة العربية السعودية، وبيان عقيدته، وثوابته الراسخة. وفيما يخص الأيقونة الكتابية، ففيها شهادة التوحيد "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، وهذا الحضور لكلمة التوحيد يمكن النظر له من خلال مقصدية الحضور وأثرها في المتلقي، فحضورها في العلم، يحيل إلى دين البلد، وهو الدين الإسلامي، وقد جاءت كلمة التوحيد على امتداد العلم، وهي كما نعرف بوابة الدخول للإسلام، وحضورها إذن رسالة للمتلقي أن البلد بلد إسلامي، وأن الحكم فيه بشرع الله، وأنه دستور الوطن ومصدر التشريع فيه. أما الأيقونة الرمزية، فيوضح هروبي بأنه يشير لحضور السيف في العلم السعودي، وهو رمز القوة، والعدل، وقد يحيل على معنى إعداد العدة للدفاع عن تراب الوطن ومقدساته، بل أنه يبعث حالة من الاستقرار والاطمئنان بما يوحي به من حضوره كعلامة دالة على القوة في مواجهة الظلم والعدوان والتجاوز ودلالة ردع لكل من تسول له نفس المساس بأمن واستقرار الوطن. أما أيقونة اللون، فاللون الأخضر لون له حضوره يمكن أن نحيل على حضوره في القرآن الكريم يقول تعالى: "عاليهم ثياب سندس خضر"، ويقول سبحانه: "متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان"، فقد جعله الله لون لباس ومفارش الجنة؛ لذلك فإن للون قداسة في الآخرة، اكتسب منها العلم السعودي قداسة نابعة من ذلك الحضور. كما أن اللون الأخضر، هو لون الخصب والعطاء، ولون يبعث على السرور والفرح ويثير مشاعر الاسترخاء، ولك أن تتأكد من ذلك من غلبة ذلك اللون على الأشجار والنباتات الجميلة، التي هي من مباهج الحياة. د. هروبي: امتداد في عمق التاريخ أما اللون الثاني هو اللون الأبيض وفيه يتعاضد مع الأخضر ليمثل قوة تبعث على النقاء والصفاء والحزم في الوقت نفسه؛ حين يتم اختياره لونا للسيف، هذا اللون الذي يبعث مشاعر متباينة تتمثل في بث مشاعر الهيبة من جهة؛ لارتباطها بالسيف، ومشاعر الاطمئنان كذلك حين يرمز بلونه الأبيض إلى مشاعر الصفاء والنقاء. حفظ الله وطننا، وأدام علينا اخضرار رايته الخفاقة شموخا وعزا وإباء. رمز تسامح وعطاء وفي قراءة سيميائية يشير الدكتور عادل خميس الزهراني -أستاذ النقد الحديث بجامعة الملك عبدالعزيز- إلى أنه في علم السيميائيات يتحدث العلماء عن العلامة الأيقونية والعلم هنا يمثل واحدة من هذه العلامات الأيقونية لأنه يتحول إلى أيقونة تختصر في دلالتها ومدلولها وطناً كبيراً حيث يصبح العلم معادلاً للوطن، وهكذا حينما نرى العلم نقول المملكة العربية السعودية إذاً يصبح العلم علامة على هذا الوطن وبتخصيص للعلم تتحول هذه الأيقونة إلى مصدر ومحور الاهتمام وبالتالي يصبح اليوم تقليداً لطقس يقدم فيه أبناء هذا الوطن ولاءهم بشكل أو بآخر عبر الفعاليات والبرامج لهذا الوطن الذي تختصره هذه الأيقونة، داخل هذه الأيقونة عدد من العلامات الصغرى التي تجتمع في مضمونها الكلي لتعبر عن كل ما يمثله هذا الوطن الأخضر من تسامح وعطاء ونظر للمستقبل. إن تكريم العلم وتحديد يوم له وتحويل هذا اليوم طقسا سنويا ينتظره أبناء هذا الوطن ويحتفون به من شأنه أن يحول يوم الوطن ويوم العلم إلى علامة سيميائية كرنفالية يطوف بها السعوديون حول أيقونتهم الوطنية. د. النعمي: تتويج للحماية ونشر السلام فكرة تأصيل الهوية ويتفق معه الدكتور حسن النعمي الذي يرى بأن الاحتفال بيوم العلم ينسجم مع فكرة تأصيل الهوية الوطنية، فمن قبل كان اليوم الوطني، ثم يوم التأسيس، والآن الاحتفال بيوم العلم. وبزهو وانتشاء يؤكد النعمي: "أي مجد نبحث عنه خارج هذه القيم فلن نصل إلى شيء يضاهيها. المملكة العربية السعودية، ليست بلاد بترول وثروات طبيعية فحسب، بل هي بلاد تليدة عمقها يمتد إلى أصالة العربي في صحرائه، عمقها يمتد إلى ما حباها الله به من رعاية الحرمين، والعلم تتويج للحماية والأصالة والانتماء.، فهو قوة ونماء وأرض خضراء تنشر السلام بين الأمم". د. حسن النعمي د. عبدالمحسن القحطاني