الملافظ سعد والسعادة كرم    استنهاض العزم والايجابية    المصارعة والسياسة: من الحلبة إلى المنابر    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    فرصة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    لبنان يغرق في «الحفرة».. والدمار بمليارات الدولارات    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    حلف الأطلسي: الصاروخ الروسي الجديد لن يغيّر مسار الحرب في أوكرانيا    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «آثارنا حضارة تدلّ علينا»    «السقوط المفاجئ»    الدفاع المدني: هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    التدمير الممنهج مازال مستمراً.. وصدور مذكرتي توقيف بحق نتنياهو وغالانت    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    أرصدة مشبوهة !    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    إطلالة على الزمن القديم    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    فعل لا رد فعل    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    ترمب المنتصر الكبير    صرخة طفلة    «إِلْهِي الكلب بعظمة»!    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    المؤتمر للتوائم الملتصقة    دوري روشن: الهلال للمحافظة على صدارة الترتيب والاتحاد يترقب بلقاء الفتح    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    الأمن العام يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية احتفاءً باليوم العالمي للطفل    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    مدير عام فرع وزارة الصحة بجازان يستقبل مدير مستشفى القوات المسلحة بالمنطقة    ضيوف الملك: المملكة لم تبخل يوما على المسلمين    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    «المرور»: الجوال يتصدّر مسببات الحوادث بالمدينة    «المسيار» والوجبات السريعة    أفراح آل الطلاقي وآل بخيت    وزير العدل يبحث مع رئيس" مؤتمر لاهاي" تعزيز التعاون    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة للمدينة المنورة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القيم المُجتمعيّة التي نشأت عليها الدَّولة السُّعوديَّة الأولى.. تحقيق الأمن والأمان ونشر العَدل والمُساواة

أصبح المواطنُ في عهد الإمام مُحمّد بن سعود يعتزُّ بانتمائه الوطنيّ للدِّولة وحُكّامها ويشعرُ بقيمةِ وطنهِ واستعدادهِ لبنائهِ وتطويرهِ والدِّفاعِ عنه
اللّيدي آن بلنت وصفت الدّولة: "أوّل دولة عربيّة تنشأ بعد عصر الرّسول صلّى الله عليه وسلّم وتُوحِّد تحت رايتها جزيرة العرب على أساسٍ من العَدْل والتّنظيم الإداري المُحْكم".
جاء في العديد من الدِّراسات السّابقة التي تناولت في موضوعاتها الدَّولة السُّعودية الأولى من حيث تاريخ نشأةِ، والأُسس التي نشأت عليها تلك الدَّولة، وجب تصحيح بعض البيانات التّاريخيّة الخاصّة في تحديد موضوعَي: تاريخ نشوء الدَّولة (1157ه)، والأسسِ الحقيقية التي نشأت عليها.
وبناء على ذلك جاءت المُنطلقات النَّظريّة، والأهداف العلميَّة لهذا التقرير مُتّفقة مَنهجيًّا مع أهدافِ ومُنطلقاتِ رّؤية (2030م) السُّعوديّة في توثيق التّاريخ السُّعودي التليد على أسسٍ علميّةٍ سليمةٍ.
تمثّلت المُنطلقات النّظريّة لهذا التقرير بما يأتي:
أ‌- أسّس الإمام مُحمّد بن سُعود الدَّولة السُّعودية الأولى سنة: (1139ه/1727م) في الدِّرعيّة العاصمة.
ب‌- تأسّست الدَّولة السُّعودية الأولى على أُسسٍ مُجتمعيةٍ مُتعدِّدةٍ، تمثّلت في حاجةِ المُجتمع في نجد والجزيرة العربيّة سنة (1139ه/1727م) إلى تحقيقِ حالةٍ من الأمنِ المُجتمعي الشّاملِ، والاستقرارِ الاجتماعي للفردِ والأُسرةِ والقبيلةِ والمُجتمع في كلٍّ من البوادي والقُرى والمُدن، وحِفظِ أمنِ طُرق قوافل الحُجّاج والسَّابلة والتّجارة، المارّة بِبُلدان نجد، وضمان سلامة وصولها إلى المُقدّساتِ الإسلاميّةِ في مكّة المُكرّمة، والمدينةِ المنوّرةِ، ثمَّ ضمان سلامة عودتها إلى بُلدانها الأم بأمان.
ت‌- حاجة المُجتمع في نجد والجزيرة العربية سنة (1139ه/1727م) إلى دولةٍ مركزيّةٍ قويّة تعمل على تحقيقِ الأمنِ، والعدلِ، والمُساواةِ، وتأمين سُبل التطوّر والازدهار والعيش الكريم للنّاس في المُجتمع.
ولتوضيح ذلك وصفت أحوال البلاد في نجدٍ قبل تأسيس الدَّولة السّعوديّة الأولى، حيث كانت تعيش حالةً من التَّفكّكِ، والضّياعِ الاجتماعيِّ والأمنيِّ، في مُجملِ مناحي الحياة.
فمن النّاحية الاجتماعيّة باتتِ المِنطقةُ مُجرّد إِمارات قبليّة مُنقسمة ومُتناحرة، تعيشُ حالة من الصّراع والتّنافس والحروب؛ فانعدمَ الأمن، ونُسي الأمان، وانقطعت الطُرق، وقَلَّ عدد السّكّانِ وأماكن تواجدهم واستيطانهم، واضطرّوا أنْ يحملوا عبء الدِّفاعِ عن أنفسهم ضدّ هجمات القبائل، وغيرها من الجماعات المُستقرّة؛ وذلك بسبب غياب السُّلطة المركزيّة التي تحميهم.
وبناء عليه، قَلّ التّواصلُ المجتمعي بين أقاليم نجد المُتجاورة من جهة، وبين منطقة نجد والدّول الأخرى من جهة ثانية. فأدّى ذلك إلى إعاقة حركة الأنشطةِ التّجاريّةِ، والتّواصلِ الاجتماعي بين النّاسِ؛ بسبب غياب الحراسة اللازمة لقوافلِ الحجيج والتّجارة وطُرقها، وما يتطلّب ذلك من دفعِ أتاواتٍ باهظةٍ للقبائلِ التي تمرُّ تلك القوافل والسّابلة من ديارها، فأدى ذلك إلى تفرّق القُرى الصّغيرة والضّعيفة في نجد.
أمّا النّاحية السّياسيّة فإن بُلدان نجد - قبل تأسيس الدَّولة السُّعوديَّة الأولى- اتسمت بطبيعتها القبليّة المُتصارعة، فعاشت حالة من عدمِ الاستقرارِ، وفقدان الأمن، وانتشار الفوضى.
ومن الناحية الاقتصادية كانتِ الزّراعةُ في نجد بمثابةِ العمودِ الفقري لاقتصادِ السُكّانِ المُستقرّين. ورغم الصّعوبات الكبيرة التي واجهت السُّكّان؛ والمتمثّلة في التّربة الفقيرة، وإمدادات المياه غير الكافية، فقد كان النّجديُّ مُزارعاً ناجحاً ودؤوباً. يبذل ويُكافح من أجل امتلاك قطعة أرض ليضمن بقاءَه هو وأسرته. وبقيت مسألة تأمين السّلام والحماية أهمّ مسألة تؤرق جفنه، فهما اللذان يُتيحان للمُزارعِ الزّراعة، ومن ثمّ حصاد ثمارِ تعبهِ.
أما النّاحية الثقافية نجد أنّ التَّعليم والثّقافة في بلداتِ نجد - قبلَ تأسيسِ الدَّولة السُّعوديَّة الأولى - كان جيّداً يحكمه الشَّرعُ الإسلاميُّ، وليسَ كما تحدَّث ابن بشر وغيره من الكُتَّاب المُعاصرين عن انتشار البِدعِ والجهل والكُفر والشّرك بشكلٍ كبيرٍ، وأنَّ محاربة الشيخ مُحمّد بن عبد الوهاب وأتباعه لتلك الظّواهر كان السّبب الرئيس في ظُهورِ الدَّولة السُّعوديَّة الأولى.
إنّ السَّبب الرَّئيسي في ظُهورِ الدَّولة السُّعوديَّة الأولى تمثّل في حاجةِ المجتمع في نجد آنذاك إلى ضبط الفوضى، وتحقيق الأمن والأمان، ونشر العَدل والمُساواة بين النّاس، وحفظ أمن طُرق الحجّ والتِّجارة والسّابلة في البلاد.
ومعلومٌ أنَّ تأسيس الإمام مُحمّد بن سعود للدَّولة السّعوديّة الأولى في الدِّرعية العاصمة سابق على قُدومِ الشّيخ مُحمّد بن عبد الوهاب إلى الدِّرعية ب: (19) عاماً.
كان هذا واقع بلاد نجد قبل تأسيس الدَّولة السّعوديّة الأولى.
لكنْ قضت سُنّة الله تعالى في أرضهِ وبينَ عبادهِ أنْ لا يدعهم هَمْلاً، فما بالُنا وقد كرّمَ الله تعالى هذه الأرض المُباركة وشرّفها. فقيّض لها من يرفعُ مِنْ شأنها، ويُعيدُ لها مَجدها الذي كان، ولنْ يزولَ بمشيئةِ الله تعالى.
كانَ الإمامُ مُحمَّد بن سُعود الذي هيأه الله تعالى لتلكَ المَهمَّة الشَّاقَّة اليسيرة؛ الشَّاقة بثقلِ حِملها ومسؤوليّاتها، ولكنّها يسيرة على من يسّرها الله له، وأعطاهُ منَ المُؤهّلاتِ الخَلقيّة والخُلُقيّة ما يُعينهُ على تحمُّلِ كافّةِ تلكَ المسؤوليَّات على أتمّ وجه.
في عام (1139ه) وُلدت الدَّولة السُّعوديَّة الأولى في عاصمتها الدِّرْعِيَّة؛ على يدِ مؤسّسها الإمام مُحمَّد بن سعود، بعد أنْ وحّد شطريها المعروفين؛ المُليبيد وغصيبة، على وادي حنيفة، حيث شرع ابتداءً بقطع دابر الظّلم الذي يتعرّض له السّواد الأعظم من سُكّان نجد، الأمر الذي لقيَ دعماً جماهيريّاً لمشروعِ دولتِه الحضاريّةِ النّاشئةِ. فأخذت الصّفوف تتجمّع، والبلدات تتوحّد، فنشأت وِحدةٌ في العارض، ثمّ وِحدةٌ في نجد.
أوّلاً: تأسيس الدَّولة السُّعوديّة الأولى (1139ه/1727م):
شهد القرنُ التَّاسع الهجري/الخامس عشر الميلادي نُقطةَ تحوّلٍ في تاريخِ السُّكّانِ المُستقرّينَ في نجدٍ بوجهٍ عام، واليَمامة بوجهٍ خاصٍّ. فأخذتِ الظُّروفُ تتحسّنُ بشكل ملحوظ، وبدأتِ الأُسرُ والقبائل تتجمَّعُ في اليَمامةِ وفي أجزاء أخرى منْ نجد. بالإضافةِ إلى القُرى الجديدة التي كانتْ قدْ أُسِّستْ بجوارِ القُرى القديمة.
كانتْ أُسرة المردة منْ بني حنيفةَ، والّتي تنتمي إليها أُسرة آل سُعود الأماجد، منْ أقدمِ الأُسرِ الّتي هاجَرتْ إلى وادي حنيفة في مُنتصفِ القرنِ التّاسعِ الهجري/الخامس عشر الميلادي حيثُ أسّسَ الأميرُ مانع المريدي بلدةَ الدِّرعيّة.
وفي عَهْدِ الأميرِ ربيعة بن مانع المُريدي، وابنه موسى بن ربيعة، شهدتْ بلدةُ الدِّرعيّة الجديدة توسّعاً كبيراً، وزادَ عددُ سُكّانها فغدت بلدةً كبيرةً تكتظُّ بالسُّكّانِ، ويقصدها النَّاسُ منَ الزُّوّارِ والتُّجّارِ وأصحابِ الحاجاتِ من مختلف البُلدان.
وفي سنةِ (1139ه) بويعَ الإمامُ مُحمَّد بن سعود بن مُحمّد بن مقرن بَعْدَ وفاة أبيه أميراً على إمارة الدِّرعيَّة فاستقلَّ بولايةِ الدِّرعيّة كلّها، بما فيها غصيبة، وهي محلّة في أعلى الدِّرعيّة.
كانتْ ولايةُ الإمام مُحمَّد بن سُعود على الدِّرعيّة نِهاية لحالةِ الاضطرابِ والفوضى وعدمِ الاستقرارِ وانعدام الأمن، الّتي مرَّ بها مُجتمعُ الدِّرعيّة سابقاً بسببِ النِّزاع على الحُكم والتنافس على المراعي ومناهل المياه وغير ذلك، وبِدايةً لعهدٍ جديدٍ منَ الاستقرارِ، ونشرِ الأمن ِوالأمان وإحلال السّلم والسّلام. ويعودُ ذلكَ لحنكتهِ وبُعْدِ نظرهِ، ورزانةِ عقلهِ، وقوّةِ شخصيّتهِ وحبّه للعدل والإنصاف والحق.
وفي القرنِ الثَّاني عشرَ الهجري/الثَّامن عشر الميلادي تدهورَ الوضعُ الاقتصادي في الجزيرةِ العربيَّةِ، وعانى الاقتصادُ منَ الرُّكودِ في الدَّولة العُثمانيَّةِ، وانهارتِ القِوى المُنتجةُ، وتدهورتِ التِّجارةُ معِ الهندِ عبر الحِجازِ بعدَ تقلُّصها، وكانتِ النِّزاعاتُ والحزازاتُ في الدَّولة العثمانيَّةِ، والخراب الذي أصاب السُّكّان أدّى إلى قلّةِ عددِ الحُجّاج إلى بيت الله الحرام، وكان لذلك كلّه آثار أليمة على بدو الجزيرة العربيّة.
وفي هذه الظّروف من انعدام الأمن والأمان وانتشار الفوضى، كثُرت غارات القبائل البدويّة وعدوانها بهدف السّطو والنّهب للسُّكّان الحضر المحليين، وقوافل التّجارة والمارة. وكأنّها مكرّرة.
وما كان بالإمكان تحقيق الاستقرار السّياسي ووقف النّهب والسّلب لقبائل البدو، وتأمين سلامة الطّرق التّجاريّة إلّا في ظلّ وجود دولة مركزيّة تفرض سيطرتها وقوانينها على البلاد.
وفي هذه الفترة وُلدت الدَّولة السُّعودية الأولى على يد مؤسّسها الإمام مُحمَّد بن سعود، حيث شرع بسياسة التّخفيف من الظّلم الذي يتعرّض له السّواد الأعظم من سكّان نجد، الأمر الذي لقيَ دعماً جماهيريّاً لمشروعِ دولته النّاشئة على العدل والمساواة.
وصفت اللّيدي آن بلنت هذه الدّولة بأنّها: "أوّل دولة عربيّة تنشأ بعد عصر الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، وتُوحِّد تحت رايتها جزيرة العرب على أساسٍ من العَدْل والتّنظيم الإداري المُحْكم".
1 - الإمام مُحمَّد بن سعود مؤسّس الدَّولة السُّعوديّة الأولى في (30/6/1139ه):
يُعدّ الإمام مُحمَّد بن سعود مؤسّس الدَّولة السُّعودية الأولى سنة (1139ه)، وهو الذي أبرزَ كيانها التّوحيدي بين الإمارات النَّجديّة المُتصارعة، إذ تكوّنت نواة هذه الدَّولة في عهدهِ وجهودهِ المُباشرة، فسعى إلى ضمّ ما يُمكن ضمّه من البُلدان النَّجديّة، رغم الصّعوبات التي واجهته، لكنَّ تصميمه على تحقيقِ هدفه الإنساني الكبير جعله يُذلّل كلّ الصّعُوبات.
اتَّسم عهد الإمام مُحمَّد بن سعود ببسطِ نفوذِ الدَّولة السُّعودية الأولى في مُعظمِ مناطق نجد وبُلدانها، ومع ما زامن هذا النفوذَ من تَقَلُّبٍ - أحياناً- بين الطّاعة والخروج عنها، إلا أنه شكَّل أرضيّة صلبة لبسطِ هذا النّفوذ بشكل أقوى في عهود خُلفاء الإمام مُحمَّد سعود، فقد وجّهت الحملات على الرّياض وبُلدان العارض الأخرى والخرج والشّعيب والمحمل وسدير والوشم والزّلفي لتوحيد نجد، ولم يتوفَّ الإمام مُحمَّد بن سعود إلّا بعد أنْ قَرَّت عينه بمُشاهدةِ امتداد الدَّولة السُّعوديّة الأولى في هذه المناطق.
وممّا جعل عَهدَ الإمام مُحمَّد بن سعود؛ عهد التّأسيس القوي للدَّولة السُّعودية الأولى ما تمتّع به هذا الإمام من صفات قياديّة؛ أبرزها حُسن التدبير والتّخطيط، والشّورى، والعَدْل.
أ‌- التّعريف بالإمام مُحمَّد بن سعود وأسرته ونسبه:
هو الإمام بن مُحمَّد بن سعود بن مُحمَّد بن مقرن بن مرخان بن إبراهيم بن موسى بن ربيعة بن مانع بن ربيعة من بني حنيفة من قبيلة بكر بن وائل العدنانيّة.
وُلد الإمام مُحمَّد بن سعود في الدِّرعيّة في حدود سنة (1100ه/1687م) على أصحّ التّقديرات، وتوفّي سنة (1179ه/1765م)، وبلغت مُدّة حكمه (40) أربعين سنة، وله من الأولاد الذّكور: الأمير فيصل، والأمير سعود (استُشهِدا في حياته)، والإمام عبد العزيز، والإمام عبد الله.
ب‌- المكانة الاجتماعيّة والسّياسيّة للإمام مُحمَّد بن سعود:
كان للإمام مُحمَّد بن سعود تأثيرٌ قويٌّ في سيرِ الأحداث في الدِّرعيّةِ العاصمة؛ بما يملكهُ من صفاتٍ قياديّةٍ حكيمةّ، وما يتحلّى به من أخلاقٍ حميدةٍ، وما هو عليه من مكانةٍ اجتماعية عاليةٍ بين آل مقرن وفي وسطه الاجتماعي.
ت‌- خِصال الإمام مُحمَّد بن سعود الحميدة:
عُرف عن الإمام مُحمَّد بن سعود صفات مُتعددة، من لهفة للتّعلّم، وحبّ الخير والعدل والإنصاف، والشّجاعة، والقدرة على التّأثير، وحُسن القيادة، وكثرة بذل أياديه الخيّرة، وورعه.
كان الإمام حاكماً حكيماً وفيَّاً، تربّى في بيت عزِّ وإمارةٍ، وتعلّم السّياسة وطُرق التّعامل مع الإمارات المجاورة، والعشائر المُتنقّلة، وقد كان له أثرٌ كبيرٌ في استتباب الأوضاع في الإمارة قبل تولّيه الحكم.
أثنى المؤرّخون وغيرهم على حُسنِ سيرته ووفائهِ، وحُسنِ مُعاملته واشتهاره بذلك دون سائر أُمراء البُلدان النَّجديّة، سواء كان ذلك قبل تولّيه الإمارة، أم أثناء إمارته.
يقول فيلبي عن الإمام مُحمَّد بن سعود: "عرفه شعبه بورعه وإنسانيّته أكثر ممّا عرفه ببسالتهِ وشجاعتهِ".
ومن الخصال الكريمة التي كان يتمتّع بها الإمام مُحمَّد بن سعود مُنذُ عهد الإمارة: الكرم والسخاء العربي، وحُبّ قضاء حوائج النّاس؛ سواء كانوا من أهل الدِّرعيّة أم من غيرهم، وتفقّده لأمور العامّة من رعيّته؛ بحفظِ حقوقهم، ودفع الظُّلم عنهم.
قال عنه ابن غنّام: "كان الأمير مُحمَّد بن سعود بُحسنِ السّيرةِ معروفاً، وبالوفاءِ وحُسنِ المُعاملةِ موصوفاً، ومشهوراً بذلك، دون من هنالك".
وقال صاحب "لمع الشهاب": "ذَكرَ الثِّقات من المُخبرين عن شأنِ الإمام مُحمَّد بن سعود أنه: كان رجلاً كثير الخيرات والورع، وكريم الطّبيعة، مُيسَّر الرّزق، له أملاكٌ كثيرةٌ من نخلٍ وزرعٍ، وله عدد من المواشي. قيل: من سخاوتهِ كان الرَّجُل يأتيه من البُلدان يطلبُ شيئاً كثيراً لوفاءِ دَيْنٍ عليه، فإذا عَرف أنه مُحقٌّ أعطاه إيّاه. وكان أبوه سعود وجدّه محمَّد والِيين (أميرين) في الدِّرعيّة".
كان الإمام مُحمَّد بن سعود لا يرى شاباً من أهلِ بلدته غير متزوّجِ إلّا سأله عن حالهِ، فإذا كان فقيراً أعانه بالمهرِ، وأمرهُ بالزّواجِ.
ث‌- علاقات الإمام مُحمَّد بن سعود في مُحيطه الاجتماعي:
أجمع كلُّ مَنْ كَتب عن حياة الإمام مُحمَّد بن سعود أنَّ علاقته بمُحيطهِ الاجتماعي كانت علاقةً طيبة وثيقةً فيها المحبّة، والاحترام، والتّقدير المُتبادل بين الإمام ورعيّته، فقد أحبّه أهل الدِّرعيّة ونجد وغيرهما من البُلدان، وبايعوه على الطّاعةِ، ولم يُقصّر في نشرِ العَدْلِ والأمنِ في المنطقة، وإبطال المظالم.
ففي عام (1920م) نشر الأب لويس شيخو في مجلّة "المشرق" في بيروت بحثاً حول جزيرة العرب، تحدّث فيه عن دولة نجد، وعن مُؤسّسها الإمام "مُحمَّد بن سعود" فقال: "صار الأمر بعد سعود إلى ابنه مُحمَّد، وكان هذا ذا عزمٍ وإقدامٍ، حريصاً على السّيادةِ، راغباً في توسيعِ نطاقِ إمارتهِ، فسار سيراً حسناً في قومهِ، وأبطل المظالم، وألغى المكوس، وألَّف قلوب عشيرته، ثمَّ أخذ يسعى في (ضمِّ) قبائل نجد، فأخضع منها قبائل "العتوب" وعنزة، ووقف بالمرصاد لغيرها، آملاً أنْ يحكم جزيرة العرب".
ونتيجة الثّقة والمحبّة المُتبادلة بين الإمام مُحمَّد بن سعود ورعيّته؛ أطلقوا عليه لقب: "أمير" من آل مقرن، وكانوا يُسمّون حُكّام الدِّرعيّة قبل ذلك: شيخ الدِّرعيّة، أو صاحبها، أو رئيسها.
ثانياً: جهود الإمام مُحمَّد بن سعود في تأسيس الدَّولة السُّعوديّة الأولى:
1 - توحيد الإمام مُحمَّد بن سعود لشطرَي الدِّرعيّة:
أخذت الدّرعيّة في عهد الأمير مانع وابنه ربيعة، الذي تولّى الحُكمَ بعده، بالنموّ والتوسّع والاشتهار والاستقرار؛ وبعد أن ساد فيها العَدْل وتحقّقَ الأمن والأمان، كَثُرت عمارتها وزاد غرسها، ثمَّ ظهر ابنه موسى الذي كان يحمي قوافل الحجيج المارّة بالعارض، وخاطبه العثمانيّون عام (981ه) لعلوِّ ورفعةِ مكانتهِ وأهميّته في العارض ونجد؛ إذ ذكرت وثيقة عُثمانية مؤرَّخة عام (981ه/1573م) تُخاطب جَدَّ الأسرة السُّعوديّة، وأمير الدِّرعيّة؛ إبراهيم بن موسى بن ربيعة الحنفي، وتبيّن دوره في حماية وتأمين سلامة وأمن طرق قوافل الحُجّاج الأحسائيّة العابرة من بُلدان العارض ونجد باتجاه مكّة المُكرّمة، والمدينة المنوّرة المُشرّفتين، ورعاية شؤون أفرادها،
وعلى هذا النّهج سار حفيده أمير الدِّرعيّة الإمام مُحمَّد بن سعود بن مُحمَّد بن مقرن، فأصبحت إمارته أوسع من الإمارات السّابقة له في الدِّرعيّة، ويمكن بالتالي إطلاق اسم الدِّرعيّة الكُبرى على مناطقها السّابقة بعد توحّدها في عهد الإمام مُحمَّد بن سعود.
2 - عبقريّة الإمام مُحمَّد بن سعود في مشروع الوحدة الوطنيّة السُّعودية:
لم يُفارق الإمام مُحمَّد بن سعود الحياة عام (1179ه/1765م) حتّى شهد نشوء أوّل دولة عربيّة في الدِّرعيّة.
وكانت هذه الدَّولة في ازديادٍ واتِّساعٍ وقوّةٍ، وكان خصومها في تناقصٍ وتراجعٍ. وفي عهدهِ تمَّ توحيد أكثرَ بلادِ العارضِ، وشقّت الدَّولة طريقها إلى الوشم، حيث انضمّت إليها الشّقراء، ثمَّ الفرعة وثرمداء، وامتدّت الدَّولة إلى بُلدان سدير، والمحمل، وشعيب، وطلبت الرّياض السّلم، وانطوت تحت راية آل سعود.
وهكذا ترك الإمام مُحمَّد بن سعود لأولاده إرثاً تجاوز كثيراً إرث آبائه، ترك لهم دولةً تُرفرفُ راياتها على أكثر من بلدٍ من بُلدانِ نجد.
3 - تحصين الدِّرعيّة:
بُني السّور المحيط بالدِّرعيّة عام (1172ه) في عهد الإمام مُحمَّد بن سعود، حينما بدأ عريعر بن دجين يستعدّ لغزو الدِّرعيّة، وأشرف على البناء ولي عهده الأمير عبد العزيز بن مُحمَّد بن سعود الذي أُسندت إليه قيادة جيوش الدَّولة كلّها منذ عام (1136ه/1750م)، ومع وجود أبيه في الدِّرعيّة فإن الدِّفاع عنها كان مَنوطاً به، ولذلك قال ابن غنّام عن أحداث تلك السّنة: "وقام عبد العزيز – رحمه الله تعالى - بالجِدِّ والاجتهاد، وشمّر ساعده في البناء والاستعداد، فبنى على الدِّرعيّة سورين منضودين بالبروج؛ خشية التَّسَوُّرِ والعروج".
4 - حملات الدَّولة السُّعوديّة الأولى على القبائل والبُلدان المُتمرّدة:
بعد أنْ أسس الإمام مُحمَّد بن سعود الدَّولة السُّعوديّة الأولى بايعه عدد من البُلدان طَوعاً وحُبَّاً نذكر منها: الدِّرعيّة، العيينة، منفوحة، ضرما، حريملاء، القويعية، ثادق، القصب وغيرها. ووقعت بعض حوادث التمرّد والعصيان تكاثرت خاصّة خلال عامَي (1166ه، و1167ه) فأرسل الإمام مُحمَّد بن سعود العديد من الحملات العسكرية على القبائل والبُلدان المُتمرّدة بهدف إعادتها إلى سلطة الدَّولة وقوانينها.
ويصف لنا ابن بشر أوّل حملة لجيش الدَّولة السُّعوديّة الأولى بقوله: "فأوّل جيش غزا سبع ركايب، فلمّا ركبوها وأعجلت بهم النّجائب في سيرها، سقطوا من أكوارها؛ لأنّهم لم يعتادوا ركوبها، فأغاروا على بعض الأعراب، فغنموا ورجعوا سالمين".
5- مواجهة الإمام للحملات الداخليّة والخارجيّة على الدَّولةِ السُّعوديّةِ الأولى:
تعرّضت الدَّولة السُّعوديّة الأولى لبعضِ الحملات المُضادة لها، وقد نجح الإمام مُحمَّد بن سعود في صدّها والدِّفاع عن دولتهِ ورعيّته، وقد يكون هو المُهاجم لا اعتداءً وظلماً، بل دِفاعاً عن حُلفائه المُعتدى عليهم.
ففي سنة (1159ه) فاجأ دهام بن دواس بلدة منفوحة - التي انضم أهلها برضاهم إلى الدَّولة السُّعوديّة الأولى - بغزوةٍ ماكرةٍ، ودخلها واستولى على قصر الإمارة، ولكنّ أهلها استطاعوا إخراجهِ منها بعد قتالٍ عنيفٍ. إذ سارَ الإمام مُحمَّد بن سعود برجاله مُستخفّين ليلاً إلى الرّياض، فدخلوها وذهبوا إلى القلعة التي بها قصر ابن دواس، واقتحموا باب القلعة وبلغوا إلى بيوت بعض الرؤساء، فوجدوا فيها إبلاً فعقروها، ثمَّ أطلقوا الرّصاص على ابن دواس في عِليَّته، وخرجوا بعد ذلك سالمين، ورجعوا إلى الدِّرعيّة.
وفي عام (1177ه) أرسل دهام بن دواس إلى الإمام مُحمَّد بن سعود يعرض عليه الطّاعة، فاشترطوا عليه أنْ يُعيد إلى أتباع الإمام مُحمَّد بن سعود، الذين اضطرّوا للهجرة إلى الدِّرعيّة، أملاكهم التي صادرها وأن يُساعد الدِّرعيّة في حروبها فَقَبِلَ.
وفي عام (1172ه) سار عريعر بأهل الأحساء وعشائر بني خالد إلى نجد، واستنفر أهل الوشم وسدير ومنيخ والخرج والرّياض، فاجتمع إليه عدد كبير من المقاتلة، ثمَّ سار عريعر بجُنده إلى (الجبيلة)، وكان الأمير عبد العزيز أمدّها بعددٍ كبيرٍ من المقاتلة، فقاومت الغُزاة مُقاومة عظيمة، ثمَّ جاء مدد جديد من الأمير عبد العزيز من خلف المُهاجمين الغزاة، فأوقع الفوضى في صفوفهم، وكتب عليهم الهزيمة.
أمّا الدِّرعيّة فكان أهلها يخشون وصول عريعر إليها، فاستعدّوا لمُقاومته، وبنوا في بلدتهم "سورَين مَنضودين بالبروج"؛ ليمنعوا الأعداء من الصّعود إلى الجدران، ولكن المعركة انتهت في الجبيلة، وكفاهم الله القتال في قلب البلد.
وهكذا تمّ إخضاع شرق الجزيرة العربيّة، وصارت تابعة للإمام مُحمَّد بن سعود وتحت سُلطة الدَّولة السُّعوديّة الأولى.
ثالثاً: القِيَم المُجتمعيّة التي نشأت عليها الدَّولة السُّعوديَّة الأولى سنة: (1139ه/1727م):
لطالما قرأنا عن المدينة الفاضلة، وحلم النّاس في تأسيسها والعيش فيها، وظنّنا أنّها مُجرّد طيف خيال وردي جميل يُراود مُخيّلتنا، مُبعدين احتمال وجودهِ واقعاً مُعاشاً يوماً ما.
ولكن.. وكما يقول الأثر: اقرؤوا التاريخ إذ فيه العِبر.. ضاع قوم ليس يدرون الخبر.
فمن لم يقرأ تاريخ الدِّرعيّة العاصمة، ويطّلع على القيم الأخلاقيّة والمُجتمعية التي أُسّست عليها، سيظنّ أنّ إقامة الدَّولة الفاضلة حُلمٌ مستحيلٌ، لا يوجد إلّا بين أسطر الرّوايات الخياليّة.
فما بالنا وقد تحقّق هذا الحُلم، وعاشه من عاصر بدايات تأسيس الدَّولة السُّعوديّة الأولى في الدِّرعيّة العاصمة. تلك الدَّولة التي أقامها الإمام مُحمّد بن سعود على أُسسٍ أخلاقيّةٍ، نشأ عليها العرب قبل الإسلام، وجاء نبيّ الرّحمة عليه الصّلاة والسّلام ليُتمّم تلك القيم وينشرها، ويجعلها أخلاقاً نادى بها الإسلام وأثاب عليها. فنال مؤسّسها حسن القبول في الدنيا، والثّواب الجزيل في الآخرة. وما زالت تتوالى عليه الرّحمات والبركات بما نشر من خيرٍ ومُثُلٍ قيّمة لا تزال ماثلة حتى يومنا هذا.
يوضح د. السّلامات في تقريره الصّحفي هذا؛ كيف أسس الإمام مُحمّد بن سعود دولته الحضاريّة على منظومةٍ من القيمِ المُجتمعيّةِ والأخلاقيّة والحضاريّة التالية، والتي شكّلت آنذاك حاجة مُجتمعيّة للناس والمجتمع، أدّت إلى ظهورِ دولةِ مدنيّة سعوديّة قويّة البُنيان، راسخة الأساس:
1- منظومة القيم الاجتماعيّة:
أ‌- الاستقرار المُجتمعي: سادَ الاستقرارُ المُجتمعيُّ في عهدِ الإمام مُحمَّد بن سعود في الدِّرعيّةِ، فتحسّنت العلاقة مع الجيران بسبب سياسة حسن الجوار التي اتبعها الإمام بجنحهِ للسّلم وحُبّه لحقن الدّماء، ونشر الاستقرار؛ فهدأت النّفوس، وعاش النّاس في سلام وأمان واستقرار وهدوء، بعد أنْ كانوا دائماً عُرضةً للغزوِ والنّهب من جيرانهم.
ب‌- الأمن والأمان: فتحقّق الأمن المُجتمعي الشّامل في جميع أرجاء الدَّولة السُّعوديّة الأولى وفي خارجها، وتمَّ تأمين سلامة طُرق السّفر والقوافل، وطُرق الحج. بعد أنْ كان المسافر أو القاصد للحجِ لا يأمن على نفسهِ، ولا على مالهِ من كثرة السّرقات والنّهب التي تتعرض لها القوافل من القبائل وقُطّاع الطُرق.
ت‌- العَدْل: أصبحت العدالة والإنصاف وحُسن المعاملة قيماً مُجتمعية أساسية في دستور أخلاق الدَّولة السُّعودية الأولى، فعمّ العَدْل جميع أرجاء الدَّولة تحت قيادة الإمام مُحمَّد بن سعود باتّفاق الكُتّاب والمؤرّخين والسّياسيين؛ فأخذ كلّ صاحب حقٍّ حقّه، كما تمَّ تنظيم العلاقات بين أفراد المجتمع بالعَدْل، وعدم التّمييز بينهم تبعاً للهوى والمصالح، أو قوّة النّفوذ.
ث‌- قيمة الفروسيّة والبطولة: حَرِصَ الإمام مُحمَّد بن سعود على غرس قيم الفروسيّة، والبطولة، والشّجاعة في نفوس أبناء الدِّرعيّة، وبُلدان الدَّولة، فغدت الدِّرعيّة وأهلها من أقوى البُلدان في المنطقة، فكانت جبهتها الدّاخليّة قويّة جدّاً، واستطاع أهلها - بما يملكون من شجاعةٍ - الصّمود أمام كلّ من أراد الاعتداء على أرض دولتهم.
ج‌- قيمة المرأة: فمنذ نشأة الدَّولة السُّعوديَّة الأولى سنة (1139ه) ازداد تكريم المرأة السُّعودية، وأَخذت حقوقها كاملةً، فحفلت الرّسائل - التي كان يوجّهها أئمّة الدِّرعيّة لمن حولهم - بالحثّ على تكريم المرأة، وإعلاء مكانتها، وإنصافها، ورفع الظُّلم عنها، خاصّة في قضايا التّحجير أو التّحيير أو التّحيين، فقد جاء التّشديد على منعها وأصبحت سائدة على نطاق ضيق جداً بالمُقارنة مع ما كان قبل نشوء الدَّولة السُّعوديَّة الأولى.
2 - منظومة القيم السّياسيّة:
أ‌- قيمة الوطن والمواطنة: أصبح المواطنُ السّعوديّ في عهد الإمام مُحمّد بن سعود يعتزُّ بانتمائه الوطنيّ للدِّولة السّعوديّة الأولى وحُكّامها، ويشعرُ بقيمةِ وطنهِ واستعدادهِ لبنائهِ وتطويرهِ والدِّفاعِ عنه بأغلى ما يملك. فهو انتماءٌ لتاريخِ الأمُةِ وتُراثها، وافتخارٌ بمسيرتها عبْرَ التَّاريخ.
ب‌- قيمة الشّورى: برز مبدأ الشّورى في الدَّولة السُّعوديَّة الأولى مُنذُ نشأتها؛ فكان الإمام مُحمَّد ابن سعود إذا أراد إبرام أمرٍ، أو صنع قرار مهم يتعلّق بحياة النّاس والمُجتمع، شاور أهل الرّأي من الأمراء والمُستشارين، والقُضاة، والقادة، والوجهاء.
ت‌- قيمة المُساواة: تحقّقت المُساواة في عهد الإمام مُحمَّد بن سعود بعد أنْ كان الناسُ محرومين منها، فأصبح الغنيُّ والفقيرُ متساويين في الحقوقِ والواجباتِ، وفي حال وقوع الاعتداء على أحدٍ ما، يأخذ المظلوم حقّه كاملاً كائناً مَن كان، ولهذا لا يجسر ذو مال، أو جاهٍ، أو سُلطان أنْ يتعرّض لأحد، حتّى الشتم والسّبّ تمَّ منعهما، ومن هنا ندرك أنَّ قيمة المساواة كانت من القيم السّياسيّة الرئيسة التي تأسّست عليها الدَّولة السُّعوديَّة الأولى.
3- منظومة القيم الاقتصادية:
حين أسّس الإمام مُحمَّد بن سعود الدَّولة السُّعوديَّة الأولى سنة (1139ه) عمل على الاهتمام بالزّراعةِ كموردٍ أساسيٍ لاقتصاد الدِّرعيّة العاصمة، وتخليص الفلّاحين من جميعِ أنواع الظُلم والاستغلال، كما تمَّ توزيع الأموال على الفقراء والمساكين، فأوجد ذلك ارتياحاً اجتماعيّاً، وكَسباً شرعيّاً، كما كان للزّكاةِ دورٌ كبيرٌ من النّاحيةِ الاقتصاديّةِ، إذ أمّنت مورداً دائماً للمُحتاجين، وبذلك حقّقت الدَّولة السُّعوديَّة النّاشئة قدراً كبيراً من الأمن الاقتصادي؛ فشعر النّاس بالرّاحةِ والأمانِ والرخاء.
4- منظومة القيم الثّقافيّة:
أ‌- العلم: اهتمّ الإمام مُحمَّد بن سعود ومَنْ جاء بعدهِ من الأئمة السُّعوديين بالعلوم الشّرعيّة والعلوم الأخرى، وخاصّة بعد اتِّساع رُقعة الدَّولة وثباتها، وكثرة العلماء فيها، فكانت الدِّرعيّةُ قِبلة الطّلبة من مُختلف الجهات، يَفدون إليها فيجدون فيها ما يُثلِجُ صدورهم من العلوم والمعارف، ولعلَّ الاهتمام الكبير بعلوم اللُّغة والأدب ودواوين الشّعر أدّى إلى نُبوغِ بعضهم في هذا الجانب بصورةٍ خاصّة.
كما شجّع الإمام مُحمَّد بن سعود طلبة العلم، وكان يُنفق عليهم، وأمر بعقدِ المجالس العلميّة للدّروس، وكان يُخصّص المُكافآتِ والعطايا لطلبةِ العلمِ والعلماءِ. كل ذلك ساهم في انتقال الدِّرعيّةِ إلى عالم نور العلم الذي جاء به الإمام مُحمَّد بن سعود، والأئمّة من بعده.
ب‌- التّعليم والمدارس:
كان لبسطِ نفوذ الدَّولة السُّعوديَّة الأولى وسُلطانها على كثيرٍ من مناطقِ الجزيرةِ العربيةِ، وخاصةً المناطق ذات الاقتصاد القوي مثل الأحساء، أثرٌ إيجابيٌّ كبيرٌ في تنامي بُنية اقتصادها، ممّا أدّى إلى ازدهار الحركةِ التّعليميّةِ في المُجتمع، فكان مسجد الطّريف في الدِّرعيّة من أبرز الأماكن الرئيسة لتلقّي العلم، والمدرسة الأولى للتّعليم في الدَّولة السُّعوديَّة الأولى؛ حيث اشتهر بكثرةِ الطلابِ، وتنوّع مجالات التّعليم فيه.
يقع المسجد في حي الطريف غربي الدِّرعيّة، وهو مقرّ أسرة آل سعود في الدِّرعية العاصمة، وكذلك مسجد البجيري الواقع في شرقها، وكذا مسجد غصيبة، وغيرهم؛ حيث بلغ مجموع المساجد في الدِّرعيّة ثمانيةً وعشرينَ مسجِداً، وأشار بعض المؤرّخين إلى وجود ثلاثين مدرسة في الدِّرعيّةِ، ومِثلها من المساجد.
ت‌- تطوّر العلم والتّعليم: ازدهرت الحياة العلميّة في عهد الإمام مُحمَّد بن سعود وظهر عدد من العلماء والقُضاة؛ كالقاضي الشّيخ عبد الله بن عيسى، الذي احتلّ مكانة مرموقة بين علماء نجد.
ومِن علماء الدِّرعيّة أيضاً الشّيخ عبد الله بن عبد الرّحمن سويلم، وابن عمّه أحمد بن مُحمَّد بن سويلم. ولا ريب أنّ وجود هؤلاء العلماء وغيرهم أدّى إلى نموّ الحركة العلميّة في الدِّرعيّة زمن الدَّولة السّعوديّة الأولى، فغدت الدِّرعيّة من أهمّ المراكز العلميّة في المنطقة، فنافست بذلك البُلدان المجاورة.
رابعاً: السّياسة العامّة للدَّولة السُّعوديَّة الأولى:
1- مبادئ الحُكم في الدَّولة السُّعوديَّة الأولى:
كان عهد الإمام مُحمَّد بن سعود - مؤسّس الدَّولة السُّعوديَّة الأولى - الذي تولّى الحكم بعد تواترٍ للإمارةِ من سلالةِ جدّه الأمير مانع بن ربيعة المريدي الحنفي البكري الوائلي - مؤسّس الدِّرعيّة - يُعدُّ مُنعطفاً مُهمّاً جداً في مُجريات الأحداث في الجزيرةِ العربيّةِ بشكلٍ عامٍ؛ من خلال فلسفةٍ جديدةٍ للحُكم؛ وهي توحيد الصّفوف، ونبذ الفرقة والنّزاع.
فحرص حين تولّى الإمارة على إنهاء الخلافات مع الآخرين، وهذا ما يدلّ على وجود شخصيّة قيادية بارعة ومُختلفة عن الآخرين في سموّ فكرها، وطموحها، وبُعد نظرها.
2- خصائص الدَّولة السُّعوديَّة الأولى (الامتداد والنّفوذ):
بعد عامين من نشوء الدَّولة السُّعوديَّة الأولى على يد الإمام مُحمَّد بن سعود، بدأ ببعث الرسائل إلى العُلماء وزعماء البُلدان والقبائل النَّجديّة للانضمام إلى دولتهِ، وأثمرت هذه الجهود في بعض بُلدان العارض، فانضمّت العيينة بزعامة عثمان بن معمر، كما انضمّت حريملاء بزعامة مُحمَّد بن عبد الله المبارك، وبايعت منفوحة بزعامة علي بن مزروع، كما بايعت عرقة والعمارية. وكان انضمام هذه البُلدان عن طواعية، واهتمام بالولاء للدَّولة السُّعوديَّة الأولى.
3- نظرة الشّعوب إلى الدَّولة السُّعوديَّة الأولى: كان للسّياسة الحكيمة التي اتّبعها الإمام مُحمَّد بن سعود في الدِّرعيّة أثرٌ إيجابيٌ في تَقَبُّلَ الشّعب هذه القيادة الجديدة الطّموحة إلى تحقيق الاستقرار والأمن والأمان والرّخاء والازدهار، ولمسوا تغيّراً نحو الأفضل في أوضاعهم الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسّياسيّة، فجاءت المظاهر المؤيّدة لهذهِ الدَّولة من أهل الدِّرعيّة والبُلدان المجاورة، وكثر أنصارها في العراق والشّام واليمن والهند وغيرها من البُلدان الأخرى.
وسعى الإمام مُحمَّد بن سعود بكلِّ جُهدهِ لإحلال السّلام والاستقرار في الوضع الدّاخلي والخارجي، كلّ ذلك جعل كثيراً من أهل نجد يرحلون إلى الدِّرعيّة ويستقرّون بها، أو يتردّدون عليها بين الحين والآخر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.