توارث أئمة الدولة السعودية وملوك المملكة وصولا إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله- خدمة الإسلام والحرمين الشريفين وضيوف الرحمن فمنذ تأسيس الدولة السعودية الأولى في عهد الإمام محمد بن سعود وهي تقوم على كتاب الله وسنة نبيه والحكم الرصين والتنمية المستمرة في سبيل تعزيز مكانة الوطن على مختلف الصعد، ولاشك أن ذكرى يوم التأسيس مناسبة وطنية عظيمة توضح مدى تأصل وثبات نظام الحكم ونظام الدولة السعودية لمدة توالت ثلاثة قرون بدءا باختيار الدرعية عاصمة للحكم والتي كانت بمثابة نقطة تحول سياسية ورمزا تاريخيا من رموز التأسيس الكبرى وعلى إثر ذلك صدر الأمر الملكي الكريم ليكون يوم 22 فبراير من كل عام يوما لذكرى تأسيس الدولة السعودية باسم يوم التأسيس. نعقد اليوم ندوة «الرياض» بعنوأن (يوم التأسيس التاريخ كتب المستقبل)، بحضور نخبة من المؤرخين والباحثين وأساتذة التاريخ، بدأية نرحب بالدكتور راشد بن محمد العساكر مؤرخ مختص في تاريخ المملكة العربية السعودية والدكتور فارس المشرافي أستاذ التاريخ الحديث المساعد رئيس قسم التاريخ جامعة الملك سعود والأستاذ عبدالله بن علي بن نوح باحث في التاريخ السعودي والأستاذ محمد عبد الكريم المنقور باحث في التاريخ السعودي والدكتورة مريم خلف العتيبي أستاذ التاريخ السعودي جامعة الأمير سطام بن عبد العزيز في الخرج. قرار تحديد يوم التأسيس صدر من قارئ حذق للتاريخ وسياسي محنك ونرحب بسعادة رئيس تحرير جريدة «الرياض» الأستاذ هأني وفاء والزملاء مديري التحرير الأستاذ خالد الربيش والأستاذ صالح الحماد والأستاذ جمال القحطأني. ونفتتح الندوة بكلمة من سعادة رئيس التحرير الأستاذ هأني وفا. يدرك أهمية الوعي التاريخي في توثيق العلاقة بين الدولة والمجتمع الأستاذ هأني وفا: نرحب بهذه الكوكبة من المؤرخين والباحثين في هذه الندوة التي تعقد بمناسبة يوم التأسيس وهي مناسبة عظيمة وجميلة جدا ونريد من خلال هذه الندوة أن نستشرف قيام الدولة السعودية وعلى أي أساس وما الذي أوصلها إلى أنها تقوم من إمارة صغيرة إلى دولة مترامية الأطراف وأنعكاسات هذه الدولة على الدولة الثأنية والدولة الثالثة التي نحن في ظلها وأعتقد أنه بإمكأننا التطرق إلى العوامل المشتركة لتأسيس الدولة السعودية الأولى وصولا إلى رؤية 2030 حيث أرى أن هناك امتدادا بين المرحلتين، نرحب بكم مرة أخرى ونريد أن نستمع منكم وأنتم أهل علم في هذا المجال إضافة إلى إمكانية وجود مداخلات قيمة تفيد قارئ الرياض عن تاريخنا والأهداف التي قامت لأجلها الدولة واستمرت لأكثر من 300 سنة، شكرا لحضوركم ونتمنى أن تكون هذه الندوة ثرية نافعة. الجوانب السياسية الفاعل الأصلي في قيام الدولة السعودية أ. نوال الجبر: يرى المؤرخون أن تحديد تاريخ يوم التأسيس جاء بناء على عدد من الأحداث التاريخية التي حدثت خلال الفترة والتعبير عن الوحدة والأمن في الجزيرة العربية بعد قرون من التشتت والفرقة وعدم الاستقرار وصمودها أمام محاولات القضاء عليها قبل وبعد تولي الإمام محمد بن سعود الحكم في الدرعية حيث شهدت الدولة منذ بداية عهده عدة منجزات من أبرزها تأسيس الدولة السعودية وتوحيد إمارة الدرعية لتكون عاصمة الدولة في إطار هذه الاستنتاجات نبدأ من خلال محور ذكرى تأسيس الإمام محمد بن سعود للدولة السعودية الأولى في إمارة الدرعية، مع الدكتور محمد بن راشد العساكر، ركزتم منذ العام الفائت وسلطتم الفكرة لقيام يوم التأسيس على عنصر الأمن في المقام الأول كيف نظرتم لهذا الأمر وما المصادر التي اعتمدتم عليها. لا بد من التركيز على الجانب الوطني في كتابة التاريخ ذكرى التأسيس د. العساكر: أشكر جريدة «الرياض» وسعادة رئيس تحريرها والعاملين فيها والزملاء لإتاحة الفرصة لمناقشة هذا الموضوع. والذي يتحدث عن يوم مهم من أيام تاريخ المملكة العربية السعودية. طبعا الحديث عن التأسيس مهم جدا لأن المنطقة (الجزيرة العربية) كانت تعيش في تشتت وتناحر منذ مقتل الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه في العهود الإسلامية الأولى حيث استمر الحال في الجزيرة العربية في تشتت لأركانها وتقطع لمناطقها في ظل انعدام الأمن والاستقرار وإن كانت هناك فترات استثناء خلال الحكم الأموي والعباسي ولكنها لم تمتد بالسيطرة الكبرى على مناطق الجزيرة العربية ومع بروز الإمام محمد بن سعود والأحداث جرت في تلك الفترة والصراعات الداخلية أو الإقليمية إن صح التعبير والصراع مع مدينة الرياض. بعض العلماء حاولوا تصحيح الصورة الذهنية عند الناس لكن صوتهم لم يكن مرتفعاً أدى بالتالي إلى أن يتطلع الإمام محمد بن سعود إلى تأسيس دولة وتبدأ المعارك الكبرى بين الرياض والدرعية قبل قدوم الشيخ محمد بن عبدالوهاب كل ذلك أدى إلى نشوء ظروف معينة استطاع من خلالها الإمام محمد بن سعود أن يستقر في هذه المنطقة ويتوسع من جهة الجنوب، واستمر الصراع بينه وبين أمير الرياض في فترة من الفترات لأكثر من 28 سنة من بدء الدولة السعودية الأولى وتوفي الإمام محمد بن سعود ولم يتمكن من التوسع باتجاه الجنوب بشكل كبير بسبب الصراع مع إمارة الرياض التي تعد بوابة الجنوب إلا في عهد الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود، الشاهد هنا أن الإمام محمد بن سعود استطاع حكم المنطقة بعد أن جمع بين حيين كبيرين في الدرعية وهما المليبيد وغصيبة تحت ظل حكم واحد عام 1139ه / 1727م مما حدا بالمؤرخين إلى اعتبار هذا التاريخ بدأية مرحلة تأسيس الدولة في الدرعية وجمع الأطراف المتصارعة في المناطق المحيطة وتوحيدها ليكون ذلك نواة انطلاق العملية الكبرى للدولة السعودية ولا شك بأن العنصر الذي نؤكد عليه كما أكد عليه المرسوم نصا بقوله وما أرسته من الوحدة والأمن في الجزيرة العربية بعد قرون من التشتت والفرقة وعدم الاستقرار هو عنصر الأمن الذي أرخى بظلاله وساعد على توسع الدولة السعودية الأولى. يجب ألا نختزل الدولة في دعوة إصلاحية وإن كانت مهمة في بعض الجوانب أ. نوال الجبر: العمق الحضاري والتاريخي والثقافي للمملكة العربية السعودية عندما أسس الإمام محمد بن سعود الدولة السعودية الأولى عام 1139ه هي حكاية اعتزاز طويلة عن الصمود والدفاع والوحدة الوطنية وقادة كتب التاريخ عنهم بفخر عطفا على دائرة الحديث حول التأسيس ومحور المؤرخون والتأسيس، أوجه السؤال إلى الدكتور فارس المشرافي أستاذ التاريخ الحديث المساعد رئيس قسم التاريخ جامعة الملك سعود: كيف ينظر المؤرخون إلى يوم التأسيس؟ وما جهود المراكز وأقسام التاريخ في الجامعات وكيف تنظرون إلى أثر إقرار يوم التأسيس في المناهج وكيف ترى هذه الحركة وإعادة كتابة التاريخ السعودي من جديد؟ المؤرخون السابقون ركزوا على الصبغة الدينية كتابة التاريخ د. فارس المشرافي: أشكر جريدة «الرياض» على إقامة هذه الندوة وسعيد لانضمامي إلى كوكبة من الباحثين في شأن التاريخ السعودي. كما تعلمون صدر القرار في العام الماضي بتحديد يوم 22 فبراير من كل عام ليكون يوما للتأسيس والمقصود بهذا التاريخ اليوم الذي تولى فيه الإمام محمد بن سعود إمارة الدرعية 1139ه / 1727م نظرا لتحقيق ركيزة اساسية في تلك الفترة ألا وهي الأمن كما ذكر الدكتور محمد بن راشد كما أن لذلك دلالة على تصحيح مفاهيم وحقائق تاريخية فالتاريخ السعودي كتب على أن عام 1744 - 1157ه هو يوم تأسيس الدولة السعودية الأولى على يد الإمام محمد بن سعود بينما الإمام محمد بن سعود قد تولى إمارة الدرعية قبل نحو 20 من هذا التاريخ وبالتالي هذه الحقبة الزمنية المنسية من الإمارة تعطي دلالة على أننا لا نعتبر الدولة السعودية الأولى امتدادا لإمارة الإمام محمد بن سعود. إن هذا القرار قد صدر من قارئ حاذق للتاريخ وسياسي محنك يدرك أهمية الوعي التاريخي في توثيق العلاقة بين الدولة والمجتمع فإرجاع تاريخ قيام الدولة السعودية الأولى إلى تاريخ بداية تولي الإمام محمد بن سعود للإمارة الدرعية سيغير حقيقة المفاهيم ويدحض مزاعم سياسية لا تزال تلقي بظلالها إلى هذا اليوم وأننا إذا قلنا إن قيام الدولة السعودية بدأ من اتفاق الإمام محمد بن سعود مع الشيخ محمد بن عبدالوهاب فإننا نختزل دولة بهذا الحجم في دعوة إصلاحية ونقلل من أبعاد أخرى سياسية واجتماعية واقتصادية لعبت أدوارا محورية في قيام وبناء الدولة السعودية وأن رؤية 2030 أتت لتصحح عدة مفاهيم كانت سائدة سواء كانت تاريخية أو اقتصادية أو اجتماعية أو حتى شرعية فإعادة التصحيح ليس في كتابة التاريخ فقط بل نجدها في الجانب الشرعي أيضا فكثير من الفتاوى بدأ العلماء في مراجعتها. إن تصحيح التاريخ أو تعديل التاريخ أو ما يسمى بإعادة تفسير التاريخ هو منهج قائم يعمل به المؤرخون له شروطه وطرقه ومن جهة اختصاصي في التاريخ سأتحدث في هذا المحور، المؤرخون والتأسيس عن نقطتين أساسيتين توضحان جانب جهود أقسام التاريخ في الجامعات السعودية عن يوم التأسيس والنقطة الأخرى هي الحاجة إلى إعادة كتابة التاريخ السعودي. أما أقسام التاريخ في الجامعات فأرى أن أول خطوة تجب على هذه الأقسام وأعضاء تدريسها لكونهم يتحملون هذه المسؤولية هي إعادة النظر في المقررات المتعلقة بالتاريخ السعودي خصوصا تاريخ الدولة السعودية الأولى وأن أغلب المصادر والدراسات التاريخية تستعرض أحداث تولي الإمام محمد بن سعود لإمارة الدرعية في عام 1727م إلا أنه لا تؤكد هذه الدراسات على وجه الحقيقة أن هذا التاريخ هو تاريخ تأسيس الإمارة السعودية بل تعرض هذه الأحداث على أنها امتداد لحكم الدرعية الذي بدأ منذ قدوم مانع بن ربيعة المريدي إلى منطقة العارض وتذكر المصادر أن الإمارة توارثت منذ ذلك التاريخ تقريبا في عام 850 - 1446م في أبناء وأحفاد الأمير مانع المريدي ويأتي الإمام محمد بن سعود ضمن من ورث هذه الإمارة وحكمها في المقابل يتم طرح أن الدولة السعودية الأولى قامت بعد اتفاق الدرعية وهذا فيه تجاهل لثمانية عشر عاما من حكم الأمير محمد والحقيقة أنه برغم وجود دراسات معدودة ومحددة ناقشت وميزت فترة إمارة الإمام محمد بن سعود عن غيرها من فترات حكم الدرعية ومن تلك الدراسات دراسة عبدالرحمن العريني المعنونة ب»جهود الإمام محمد بن سعود لتأسيس الدولة السعودية الأولى» والدكتور العريني رغم تقديمه جهودا كبيرة في هذه الدراسة وميز الإمارة وسماها بالإمارة المحدودة للمرة الأولى لكنه لم يبرز معنى التأسيس ولماذا تعد بداية حكم الأمير محمد بن سعود بداية للتأسيس. لذا يبقى هذا السؤال مطروحا وهو لماذا نقول ونعد إمارة الأمير محمد بن سعود عام 1727م بداية التأسيس أو كما يقال يوم بدينا؟ للإجابة عن ذلك هناك ثلاث ملحوظات تؤيد أن يكون يوم التأسيس هو يوم تولي الأمير محمد بن سعود إمارة الدرعية الأولى كما ذكر الزملاء توحيد الدرعية حيث كانت مقسمة إلى قسمين حتى وحد الأمير محمد بن سعود بين القسمين مليبيد وغصيبة في إمارة واحدة بدل وجود فرعين يتوليان الإمارة في الدرعية وهما ال مقرن وآل وطبان وكلاهما ينتمي إلى مانع المريدي. أما الثانية: فهي انحصار الحكم في آل سعود، فنجد أنه بعد تولي الإمام محمد بن سعود انحصر الحكم في هذه الأسرة علما أن الحكم بعد والد الأمير محمد بن سعود صار في آل مقرن وآل وطبان لكن بعد تولي الأمير محمد بن سعود الإمارة انحصر الحكم في أسرة آل سعود. أما الثالثة: فهي توسع الدولة في عهد الإمام محمد بن سعود. بالإضافة إلى أمور أخرى تكون من ضمن مسؤوليات أقسام التاريخ ومن ذلك إقامة الندوات والمحاضرات والتركيز على تاريخ محمد بن سعود بالتحديد وإبراز مفهوم التأسيس والمشاركة بالمناسبات التي تخص هذا اليوم وكتابة المقررات واللوحات الأكاديمية والتفاعل مع وسائل التواصل الاجتماعي. أما عن دور المؤرخين وهل نحن بحاجة إلى إعادة كتابة التاريخ السعودي فيما يخص يوم التأسيس نعم نحن بحاجة إلى إعادة الكتابة التاريخية وهذه المنهجية التاريخية إعادة كتابة التاريخ موجودة والمؤرخون يعملون بها وهي قائمة ولها طرق معينة وتحدد الأسئلة التي تستحق أن تطرح والأدلة اللازمة للإجابة عن تلك الأسئلة ووجهات النظر التي ينبغي النظر فيها وكيف ومتى يحدث التغيير بعد مراجعة كتابة التاريخ ومن يتأثر بهذا التغيير أكثر من غيره وهذا كله جزء من الأسئلة التي يقرر بها المؤرخون مما يبحثون عنه وكيفية تحليل وتقييم جهودهم. المؤرخون أ. هأني وفا: هناك سؤال يتبادر إلى أذهان الكثيرين حيث يوجد حديث عن 18 سنة تم إغفالها لماذا تم ذلك؟. د. فارس: لدينا إشكالية هنا وما يلفت النظر إليها وهي أن أول من تولى كتابة التاريخ في المملكة العربية السعودية أو بالأصح تاريخ الدرعية مؤرخ قدم من الأحساء واستقر في الدرعية وأصبح تلميذا للشيخ محمد بن عبدالوهاب مكتب التاريخ كتابة دينية وشخصية للشيخ محمد بن عبدالوهاب ولم يكتبه كتابة وطنية وهو ابن غنام وقد سبب ذلك إشكالية توحي بأن قدوم الشيخ محمد بن عبدالوهاب إلى الدرعية كأنه هجرة جديدة فيريد أن يصبغ عليها ويسقط عليها هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وهو بذلك تسبب في إشكالية كبيرة في تدوين التاريخ السعودي حتى أن بعض المؤرخين يذكر أن قدوم الشيخ محمد بن عبدالوهاب إلى الدرعية وإلى أسرة آل سويلم وانتقال زوجة الإمام محمد بن سعود وطلبها منه أن ينفي الشيخ محمد بن عبدالوهاب وغير ذلك.. فهم يسقطونها بذلك على ما قامت به زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم خديجة رضي الله عنها. وهناك بعض المؤرخين يشير إلى أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب عندما انتقل من حريملاء ثم إلى الدرعية كانت هناك شخصيات تريد اغتياله فيصورون هذا التصوير أنه من حديث سراقة عندما أراد المشركون قتل الرسول صلى الله عليه وسلم فصور هذا الجزء من التأليف التاريخي عند ابن غنام محاولا صبغته بالصبغة الدينية ومبالغا في حق الشيخ محمد بن عبدالوهاب وبالتالي لم يلتفت إلى الجوانب السياسية التي كانت هي الفاعل الأصلي في قيام الدولة لأن الإمام محمد بن سعود كأن في صراعه مع دهام بن دواس من قبل مجيء الشيخ محمد بن عبدالوهاب فهناك صراع سابق بين الرياض والدرعية أدى إلى أن يقوم أحد أمراء الرياض بقتل أمير الدرعية زيد بن وطبان ابن عم محمد بن سعود ثم يأتي محمد بن سعود مؤيدا لحاكم آخر في الرياض ضد هذه الأسرة التي قتلت أمير الدرعية فالصراع كان ينحصر في الجانب السياسي والجانب الأمني في المقام الأول ونحن في نقاشنا مع الأخوة يكون حول أن بلادنا لم تقم على الدين والسبب في قولنا ذلك أنه لو سلمنا أن بلادنا قامت على الدين فإذا ما كأن قبل محمد بن سعود وما كان عليه أباؤنا وأجدادنا كأن كفرا وشركا وقد نسوا دينهم وهذا لا يستقيم لذا لا بد من التركيز على الشباب الجديد أن هذه البلاد قامت على الأمن فالدين كأن موجودا والأمن كأن مفقودا وهذا ما يركز عليه المرسوم الملكي حيث وضعنا إطارا مهم جدا لتنبيه الناس إلى هذا اليوم يقول تحديدا ما أرسته من الوحدة والأمن في الجزيرة العربية بعد قرون من التشتت والفرقة وعدم الاستقرار فالجانب الأمني هو الجانب الفاعل الذي يجب في الحقيقة أن يركز عليه وأن يبنى عليه في نظرتنا لكتابة التاريخ. وباختصار أن من كتب التاريخ في بداية الأمر مؤرخ يميل بعاطفته ومبالغته للشيخ محمد بن عبدالوهاب في الجانب الديني ولم يكتبه من حيث الجانب الوطني. الإعادة تأصلت من خلال الكتابات السابقة وربما يأتي كل شخص ويحاول أن يطور منهجا جديدا ولهذا لدينا فكرة أن الدولة السعودية وتقسيمها إلى مراحل الأولى والثانية والثالثة لم يتم إلا في العصور الحديثة وذلك بعد أن قدم بعض المستشارين للملك عبدالعزيز - رحمه الله - مثل فؤاد حمزة وحافظ وهبة الذين حاولوا تقريب التاريخ السعودي فقسموه إلى الدولة السعودية الأولى والدولة السعودية الثانية والدولة السعودية الثالثة وهذا التقسيم لم يكن موجودا في المصادر القديمة. لذا يعد اجتهادا من قبلهم ومما ساهم في بناء جزء من العملية الإشكالية أن من تصدى لوزارة التعليم في المملكة العربية السعودية ربما جرته العاطفة أن يدونوا ذلك في المناهج التعليمية تقديراً للشيخ محمد بن عبدالوهاب، وأن هذه البلاد لم تكن شيئاً، وأنهم كفار يعبدون القبور والأصنام والأحجار.. والفضل في انتشالهم من ذلك يعود إلى الشيخ محمد بن عبدالوهاب، ويجب أن تنقد المناهج في هذه العبارة لأن الشيخ ابن عبدالوهاب وكذلك آبائي وأجدادي أتوا من هذه الجزيرة العربية التي فيها العلماء ونجدهم في تصانيفهم وأشعارهم موحدين على الكتاب والسنة، لذا نجد أن المشكلة الكبيرة التي كانت تعاني منها المنطقة هي فقد الأمن، لهذا فإن الأسس القديمة التي كتبت تاريخ الدولة ركزت على الجانب الأمني، وعدلت بمفهوم المرسوم الملكي الذي جاء مصححاً للاتجاه في كتابة التاريخ، ومحاولاً وضع الإطار اللازم لانطلاق المؤرخين في الكتابة الجديدة للتاريخ السعودي. د. مريم العتيبي (مداخلة): خلال السنوات الماضية كان هناك إغفال ليوم التأسيس، والتركيز على اللقاء التاريخي بين الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب، لذا فقارئ التاريخ يتساءل عن السنوات التي سبقت هذا اللقاء، فأعتقد أن القرار الملكي بإعادة يوم التأسيس قرار تاريخي من ملك مؤرخ. الجوانب الدينية أ. هأني وفا (تعقيب): لقد درسنا في المدارس أن الدولة السعودية قامت عندما اتحد الرجلان. د. راشد العساكر: وهذا ما يدعوني إلى الإشارة للإشكالية القديمة في عملية المنهج التاريخي لدينا في المملكة وهي أننا نركز على الجانب الديني، حيث إن من كتب تاريخ المملكة طلاب علم والذين أبرزوا الناحية الدينية في الجزيرة العربية ودور الإمام محمد بن عبدالوهاب في هذا الجانب، فيمكن اعتبار هذا الدور سبباً من الأسباب، ونحن نعلم أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب كان مطروداً من العيينة ومن حريملاء إلى أن قدم إلى محمد بن سعود الذي كان لديه توجه ضمن الصراع الذي كان في المنطقة، إلا أن التركيز على قدوم محمد بن عبدالوهاب والجوانب الدينية في كتابة بعض المؤرخين كابن غنام الذين حاولوا أن يصبغوا التاريخ هذه الصبغة الدينية، وقد جعل البعض مما كتبه ابن غنام الأساس الذي استند عليه في التاريخ، واستمر ذلك إلى الفترة القريبة، وتم تصحيح ذلك. د. فارس المشرافي: إعادة كتابة التاريخ تنطلق من عدة مجالات، ومن ضمنها من كتب التاريخ، فتاريخ الدولة السعودية كتبه طلاب العلم والشريعة، وهذا ما يبرر التركيز على الجانب الديني، لذا لا بد من إعادة كتابة التاريخ حتى نركز على الجانب الوطني، ولا نخفي جوانب أخرى كالجوانب السياسية والعسكرية وغيرها، فهذه كلها ساهمت في توسع الدولة، فالدولة قائمة منذ قدوم الأمير محمد بن سعود، لكن لو بقي تسليط الضوء على الجانب الديني فقط بإن ذلك يعطي صورة ضيقة عن حقيقة قيام الدولة.. ومن ضمن الجوانب التي لابد التركيز عليها التمييز بين الدولة والدعوة، فالدولة شيء والدعوة شيء، والدعوة كانت عاملاً من عوامل أخرى ساعدت في قيام الدولة، لكن يجب أن لا نختزل الدولة في دعوة إصلاحية وإن كانت مهمة في بعض الجوانب رغم بعض المبالغة فيها، فهل فعلاً ما كأن يروى ويكتب ونعلَّم أن الشرك كأن بهذا الشكل وهذه الصورة؟ لقد ظهرت دراسات تاريخية وبعض المخطوطات التي اكتشفت وأظهرت أن حاضرة نجد على الخصوص تعج بالمساجد والعلماء والأوقاف، فهذه جوانب متعددة على المؤرخين أن يعيدوا دراستها والذي سيغير مفهوم تأسيس الدولة. تأسيس إمارة الدرعية أ. نوال الجبر: يرتبط يوم التأسيس باليوم الذي تولى فيه الإمام محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الأولى وأول حكامها مقاليد الحكم في الدرعية، وهي تنسج باعتبارها رحلة بناء دولة عظيمة وحدت أطراف الجزيرة العربية الممتدة، ولأهمية كيان هذا التأسيس ورسم ملامح سياسية لشخصية الإمام محمد بن سعود المحورية في تاريخنا السعودي، يتفضل الأستاذ عبدالله بن علي بن نوح، الباحث في التاريخ السعودي الحديث عن المؤسس وتأسيس إمارة الدرعية. أ. عبدالله بن علي بن نوح: أبدأ كلامي بالحديث عن الأمر الملكي في جعل يوم 22 فبراير يوماً للتأسيس، هذا الأمر صدر عن ملك المملكة العربية السعودية والمؤرخ الأول في المملكة وقد يكون في التاريخ العربي والإسلامي، ولهذا أبعاد حضارية وتاريخية وذات جذور عميقة في تاريخ المملكة العربية السعودية، إن الأمير محمد بن سعود قد سبقه أمراء كثر من آل سعود في الدرعية على مدى (300) سنة مرت منذ تأسيسها من قبل مانع المريدي، وهنا أذكر أن الإمام محمد بن سعود هو الجد السادس للملك سلمان بن عبدالعزيز. ومانع المريدي هو الجد الثالث عشر، ولو نظرنا من (850 ه) إلى (1139ه) قرابة (300) سنة نجد العديد من الأمراء الذين تولوا إمارة الدرعية، وكلهم حاول التوسع في الدولة والإمارة، وكل محاولاتهم كانت باتجاه الشمال غالباً كالوصيل والعمارية والعيينة وحريملاء، إلى جانب وجود إمارة قوية بجوارهم وهي الرياض، تحدهم من الجنوب والشرق، إضافة إلى وجود خلافات داخلية في الدرعية بين فرعي أسرة آل سعود وهما: آل وطبان وآل مقرن، وقد ذكر في وثائق حققها الدكتور راشد العساكر أن ربيعة بن مرخان ومقرن بن مرخان قد حجا كأميرين على الدرعية، فالدرعية كانت مقسمة إلى مليبيد وغصيبة، وكل واحد من الفرعين أمير على قسم منها، محمد بن سعود كان متابعاً للأحداث قبل فترة حكمه، ويقرأ ما يحدث بين أبناء عمومته، وكأن يتصف بأخلاق حسنة كالوفاء والكرم ويحب العلماء ويستشيرهم في الرأي، ونجد هذه الصفات في تركي بن عبدالله وعبدالعزيز بن عبدالرحمن مؤسسا دولة السعودية الثانية والثالثة، وهذه صفات يتميز بها القادة، ونجد محمد بن سعود عند مقتل زيد بن مرخان على يد ابن معمر في العيينة، وكأن موجوداً حينها وتعرض للحصار من قبل ابن معمر، إلا أنه تحصن والرجال الذين معه في أحد أبراج العيينة ولم يتمكن ابن معمر من دخوله ولم يخرج من هناك إلا بعد أن أخذ الأمان في عهد زوجة ابن معمر الجوهرة، فأمنته وعاد إلى الدرعية وكأن وقتئذ هو المؤهل من آل سعود للحكم لصفاته القيادية، وفي بداية حكمه أخرج آل وطبان من الدرعية الذي انتقلوا إلى المراكز المعارضة لآل سعود في الرياض وسدير والزبير، وبذلك وحّد الدرعية وأنطلق في مسيرة توحيد البلدان التي حولها، ولأن هذا اليوم يعد يوماً فاصلا في أسرة آل سعود وجعلها في تقدم قرر الملك سلمان - حفظه الله - جعله يوم التأسيس، رغم أن محمد بن سعود لم يشهد توسعات الدولة، فالرياض مثلاً دخلت تحت حكم آل سعود بعد وفاة محمد بن سعود في عهد ابنه عبدالعزيز، وقد وصلت الدولة إلى أقصى اتساع لها وقد ضم إليها الحجاز والشرقية ووصلت حتى حدود دمشق ونابلس وجنوب بغداد واليمن، حتى أنهم أخذوا الزكاة من القبائل التي كانت في بصرى الشام، وكل ذلك حصل بعد وفاة محمد بن سعود إلا أنه من وضع تلك البذرة المؤسسة للدولة. * وتعليقاً على كلام الدكتور راشد والدكتور فارس، فإن العامل الديني كأن موجوداً وكأن لابد لمحمد بن سعود من التعامل معه وذلك بتقدير العلماء، فحين جاء إليه الشيخ محمد بن عبدالوهاب بعد عشرين سنة من المدافعة والقتال، وعرف أن وراء هذا الرجل خير، علماً أن الدرعية كأن فيها علماً، قبل مجيء الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وكأن فيها مكتبة وطلبة علم. * وتعقيباً على ما قاله د. فارس بأن من كتب التاريخ هم علماء الدين في ذلك الوقت، فهم من كأن مشهوراً بالكتابة حينها، فغالب من يعرف القراءة والكتابة هم قاض وإمام مسجد وبعض الناس لذا كانوا هم من كتب التاريخ في ذلك الوقت. أ. هاني وفا * هل نضع اللوم على رجال الدين لأنهم كتبوا التاريخ وكتبوا المناهج الدراسية؟ لمَ كان المؤرخون مغيبين؟ د. فارس: * العادة جرت في تلك الفترة أن طلاب العلم يمكنهم القراءة والكتابة، ومنهم من يرتفع شأنه ويدرس الدراسات الفقهية، فكان هذا السائد في المنطقة ذات الطبيعة البسيطة لسكانها حتى إن ابن غنام المؤرخ صاحب «الدولة السعودية الأولى» عندما كتب التاريخ عام (1157) كان ربما في بطن أمه أي لم يولد بعد، فكيف أتى لنا بهذه الكتابات التاريخية؟ بعضهم ذكر ك«لطف الله جحاف» أن ابن غنام ولد عام (1149) أي بعد قدوم محمد بن عبدالوهاب بثلاث سنوات، وهنا نتساءل عن المعلومات التاريخية ل(70) أو (80) سنة السابقة من أين أتى بها؟ وممن أخذها؟ لا نعلم.. لذا فالمشكلة أن من كتب هذا التاريخ طلاب علم حاولوا أن يبجلوا ويبالغوا في حق الشيخ محمد بن عبدالوهاب، ومن ثم أخذ منهم التاريخ على أنه الصحيح. أ. هاني وفا * سؤالي عن المؤرخين في العصر الحديث، لماذا تأخرنا في إقرار يوم التأسيس، وفي إبانة هذه الحقائق؟ د. فارس: * ربما لغياب التشجيع لهم وبالتالي ساروا على التقليد لمن سبقهم، مع أن بعض العلماء كالشيخ مقبل الثقيف في أيام الملك عبدالعزيز وكذلك الشيخ حمد الجاسر وغيرهم حاولوا أن يصححوا الصورة الذهنية عند الناس لكن صوتهم لم يكن مرتفعاً. ولاشك أن قرار يوم التأسيس صاغ لنا قالباً ونظرة واسعة المدى لإعادة كتابة تاريخ المملكة العربية السعودية من جديد وهذا ما نحتاجه. أساس الاستقرار أ. نوال الجبر * لقد وضع يوم التأسيس (22) فبراير أساس الاستقرار والنهضة ونقطة التحول في بناء الدولة واعتزازاً بجذورها الراسخة وتحولاتها الكبرى لمحور (التحولات السياسية والأمنية)، يتحدث الأستاذ محمد بن عبدالكريم المنقور، الباحث في التاريخ السعودي. أ. محمد المنقور * أشكركم على إتاحة الفرصة للحديث عن يوم مهم في التاريخ السعودي، ولا يمكن الحديث عن يوم التأسيس إلا بالتطرق إلى ما كانت عليه الحالة الأمنية التي سبقت يوم التأسيس، في فترة انتقال الخلافة إلى خارج الجزيرة العربية أصبحت البلدان النجدية عبارة عن إمارات صغيرة متناحرة فيما بينها، ومتمزقة سياسياً، وغير متفقة أمنياً، ويحدثنا أول من دوّن تاريخنا المحلي والتي وصلتنا كتاباته الشيخ أحمد بن محمد المنقور المتوفى سنة (1125) سواء عن طريق كتابه التاريخي المعروف وكتابه «الفواكه العديدة في المسائل المفيدة» والذي حقق مؤخراً، في إشارات إلى المعارك الحربية بين القبائل والوقائع البلدانية في وسط المنطقة أو نقله لأحكام بعض العلماء بيّن فيها الخلل الأمني في تلك الفترة.. علماً أن المنطقة تدين بديانة واحدة ومذهب واحد ومتفقين اجتماعياً وعرفياً إلا أنهم غير متفقين أمنياً، فنجد صراعاً بين بلدة وأخرى، وصراعاً بين أفراد العشيرة الواحدة، بل حتى ضمن الأسرة الواحدة فهناك من قتل أخاه ومن قتل أباه ومن قتل ابنه.. إلخ.. فكل ذلك كان داعياً لمحمد بن سعود سنة (1139) بتأسيس دولة تحفظ الأمن وتقيم الشرع وتردع المعتدين، فأصبح هناك تحول كبير ما بين قبل التأسيس وبعده، فأقام محمد بن سعود الدولة السعودية الأولى في منتصف سنة (1139) وعاصمتها الدرعية، ونشير هنا إلى الدولة العثمانية التي بسطت سيطرتها على أجزاء واسعة من البلدان العربية إلا أنها لم تعر وسط نجد أي أهمية، لعدم أهمية المنطقة اقتصادياً والسياسية، واكتفت بالحجاز لوجود الأماكن المقدسة، والأحساء خاصة بعد تعرضها لحملات البرتغاليين، أما وسط نجد فلم يشهد أي حامية عثمانية ولا تدخلات سياسية لا من قريب أو بعيد. والمطلع على القصائد النبطية في تلك الفترة يجد لغة القوة حاضرة والثأر والحث على سفك الدماء والاقتتال، فكان الداعي السامي والأساسي هو حفظ الأمن، وهذا ما دونه العلماء في كتبهم التاريخية أو نقلهم للنصوص الشرعية من الذين عايشوا تلك الفترة، مثل: المؤرخ أحمد المنقور وعبدالله بن ربيعة. العرضة السعودية أ. نوال الجبر * وختاماً على إيقاع الاحتفال بيوم التأسيس للترحيب بالذكرى التاريخية المهيبة، العرضة السعودية، وهي أفضل ما يجسد ذلك، حيث تستقر جذور العرضة إلى التاريخ العسكري الذي تحتفل به الدولة. وللحديث عن الملامح الوطنية وتفاصيل العرضة وارتباطاتها التاريخية بالتأسيس تتفضل الدكتورة مريم خلف العتيبي أستاذة التاريخ السعودي - جامعة الأمير سطام في الخرج للحديث عن ذلك. د. مريم العتيبي * بداية أشكر الجميع على إتاحة هذه الفرصة للحديث عن هذا اليوم المهم في تاريخنا السعودي، تعد العرضة موروثاً شعبياً ومن مرتكزات الثقافة في المجتمع، تتوارثها الأجيال، وتعززها رؤية 2030، وزاد الاهتمام بها بعد أن أطلقتها هيئة اليونسكو عام (2015) من ضمن الفنون الشعبية. أما تعريف العرضة فهي رقصة الحرب، كما عرفها ابن خميس في كتابه، وهي عادة متوارثة عن العرب في استشارة حمية الفرسان أثناء القتال. وجاء ذكر العرضة في يوم التأسيس عام (1178ه) عندما غزا عريعر بن دجين الدرعية وضرب أسوارها بالمدافع ولم يستطع إحداث أي ضرر وطلب الإمام عبدالعزيز بن محمد من أهل الدرعية الخروج خارج أسوارها والعرضة، وهذا أول ذكر للعرضة ولم تذكرها المصادر المحلية باستثناء ابن غنام حتى إنها لم تذكر في جميع النسخ. والعرضة أيضاً استشارة للحمية والقتال والاستبسال، حتى يغلب طرف الطرف الآخر. والعرضة لها مرتكزات من ضمنها البيرق والذي يكون موجوداً أثناء العرضة في ساحة القتال، وأول ذكر للبيرق في عهد الدولة السعودية الأولى ذكره الرحالة علي العباسي عام (1807)، حيث ذكر أنه رأى بيرق الدولة السعودية الأولى في مكة حين حج الإمام سعود بن عبدالعزيز. وبيرق الدولة السعودية الأولى قطعة قماش خضراء مكتوب عليها بالأبيض (لا إله إلا الله محمد رسول الله). أما المصادر المحلية فذكر العرضة فيها قليل، لأنها تركز على النواحي السياسية والعسكرية أما النواحي الاجتماعية والموروث الشعبي فلا تذكر على وجه الدقة، وقد ذكر البيرق في الدولة السعودية الأولى والثانية كعادة لأئمة آل سعود قبل أي غزوة، فيخرج البيرق من العاصمة سواء الدرعية أو الرياض فيوضع في مكان معين عند مورد ماء عادة فيتوافدون من الحاضرة والبادية كمركز تجمع للقتال. وحامل البيرق يمتاز بصفات معينة ومنها: البنية القوية والثقة بالنفس والقدرة على تحمل مسؤوليته، فالبيرق مهم جداً، فسقوطه يعني سقوط الدولة، والرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة مؤتة أخبر أن يحمل البيرق حتى آخر قائد عينه والذي حملها بما بقي من ساعديه بعد أن قطعت يداه. والبيرق يعين له أشخاص معينون من قبل القيادة لحمله، وفي الدولة السعودية الأولى كان ابن طوق حامل البيرق. أما قصائد العرضة فإن لها شعراء مخصوصين، فقصائد العرضة لها طرق خاصة لاستشارة القتال، ومن أبرز الشعراء: عبدالكريم بن حبشان، وهو شاعر يقول قصائده بالفصحى والعامية لكن المؤرخ ابن بشر لم يذكره لأنه قصائده بالفصحى، وابن خالد ذكر قصائده ابن خميس في كتابه. وتطورت العرضة عما سبق لتطور الظروف الاقتصادية وقلة الإمكانيات، فالعرضة في العهد السعودي الآن - ولله الحمد - لا تقتصر على المناسبات الحربية، فحسب، بل صارت في جميع المناسبات كالمراسيم والأعياد، ولها ترتيب معين باستخدام الطبول ولباس معين لصفوف العرضة. أ. خالد الربيش * أستطيع الاستنتاج من كلامكم أن يوم التأسيس هو إعادة لصياغة التاريخ السعودي، وسؤالي هو: لماذا تصحح هذه المفاهيم الآن وليس سابقاً؟ لماذا لم تتطرق أقسام التاريخ في الجامعات لهذا الجانب من قبل؟ د. راشد العساكر * في تصوري أن الإشكاليات الدينية في تلك الفترة كان صوتها أقوى من الصوت الآخر، بمعنى أنه في وقت من الأوقات لا يمكن ذكر وجود علماء على منهج السلف قبل قيام الدولة السعودية، وأن أحكامهم ونظرتهم للأمور شرعية، فنجد الآخر يقول لماذا تتكلم بهذا الكلام إنما من قام بهذا كله هو الشيخ محمد بن عبدالوهاب فقط، فكانت النظرة - للأسف - الدينية المتشددة هي التي تجعل الآخرين لا يتطرقون إلى هذا المحور، ولهذا حتى في الفترات التاريخية القديمة إذا تكلم علماء معارضون للشيخ محمد بن عبدالوهاب، وليسوا معارضة للدولة، ومن أبرزهم الشيخ عثمان بن سند، الذي عارض فكرة محمد بن عبدالوهاب، والشيخ محمد بن عبدالوهاب أشار إليها، لأنه لم تأتنا كتابات سابقة للدولة، فمثلاً مدة (30) أو (40) سنة ومحمد بن سعود وأبناؤه يقاتلون ويقتلون ولم يتكلم أحد عنهم، بينما ابن غنام يشير إلى كل شاردة وواردة عن الشيخ محمد بن عبدالوهاب من (30) سنة، فغلب الجانب الديني على الجوانب الأمنية والاقتصادية والعلمية والسياسية والتي - للأسف - لم تصلنا. فمحمد بن سعود يقاتل ويُقتل أبناؤه سعود وفيصل في حربه مع الرياض ومع ذلك لا نجد ذلك في كتاباتهم، مع أن محمد بن عبدالوهاب أو أبناؤه لم يحملوا السيف ويجعل عملهم جهاداً ويتحدث عنه دون الحديث عن أعمال محمد بن سعود الذي يحاول توحيد وجمع البلاد، أما الآن فهناك وعي لذلك وبدأ يتحول - ولله الحمد - بشكل واضح في عهد الملك سلمان، وليس على مستوى الجوانب التاريخية فحسب بل الاجتماعية بأنظمة وقوانين والسياسية وتنظيمات اقتصادية، كل ذلك - ولله الحمد - توافق في هذه الفترة، انعكست بالتالي في هذه المسألة بإعادة كتابة التاريخ للمملكة دوافع سياسية أ. هاني وفا * الأستاذ محمد المنقور، تحدث عن أن الدولة العثمانية لم تهتم بوسط الجزيرة ومنطقة نجد، بل اهتمت بالحجاز لوجود الأماكن المقدسة، وبالشرقية لاعتبارات سياسية وجغرافية، لكننا نجد في الوقت نفسه أن الدولة السعودية الأولى انتهت على يد الدولة العثمانية، فبما أنها لم تهتم بالدولة السعودية فلماذا أوعزت إلى محمد علي ليرسل ابنه إبراهيم باشا إلى الدرعية حتى يسقط هذه الدولة؟ أ. محمد المنقور * لأن توسع الدولة السعودية الأولى السريع، وتطلع الناس إلى شخص يقود زمام الأمور ويحفظ الأمن ويقيم الأحكام ونشر العلم والتجارة وتأمين الحج، لهذا كله خشيت الدولة العثمانية من قيم هذه الدولة، بالإضافة إلى محاولات بني خالد في الأحساء بالقضاء على الدولة السعودية، وكل ذلك بدوافع سياسية وليست دينية. لو نظرنا إلى الدولة العثمانية بوجه عام فإن منطقة الحجاز دخلت تحت حكم الدولة العثمانية في أواخر ذي الحجة عام (923)، وكانت الدوافع الاقتصادية للدولة العثمانية حاضرة في السيطرة على المناطق إلا أن نجد كانت بعيدة عن هذا الأمر، لذا استخدم الغطاء الديني للسيطرة على الحجاز، والغطاء الاقتصادي للسيطرة على الأحساء لوجود الموانئ والمنافذ البحرية، أما نجد فلم تكن تمثل شيئاً لهم، لكن بقيام الدولة السعودية الأولى ذات المساحة الشاسعة أصبح يشكل ذلك خطراً على الدولة العثمانية، حتى إن بريطانيا هنأت العثمانيين حين القضاء على الدولة السعودية الأولى رغم خلافهم وذلك بسبب إبعاد الدولة السعودية عن البحار، وكل منهما تحركه الدوافع الاقتصادية والتي تعد من أهم العوامل في امتداد الدول وحروبها، وهناك من يقول إن الدوافع في القضاء على الدولة السعودية هي دينية، وهذا مجانب للصواب، وحجتهم في ذلك هو التعصب الديني للدولة السعودية، وهذا مردود عليهم فالشرقية ونجران فيهما مذاهب الشيعة ولو كانت الدولة السعودية كذلك لغيرت مذاهب هؤلاء لكنها لم تفعل، بل كانت تحترم عادات وتقاليد تلك البلدات وبهذا استطاعت الدولة السعودية بسط نفوذها على تلك المناطق لأنها وفرت ما كانت تحتاجه وهو الأمن، إضافة إلى التفاعل الاجتماعي في البلد. فالجانب الأمني مهم جداً، فمنذ مقتل الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه لم يكن يستطيع أحد أن يعبر من شمال الجزيرة العربية إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها خوفاً على أمنه، أما لو نظرنا الآن فإننا نجد التمازج الاجتماعي في لحمة واحدة والذي كان غير موجود قبل (300) سنة في الجزيرة العربية، فعندما وجد الأمن فعلت الجوانب الاجتماعي، وبهذا الاستقرار خافت الدول الأخرى من قوة الدولة السعودية سياسياً وتنظيمياً من الداخل، ومثال على قوة الدولة السعودية كان يوجد شيء اسمه «المنقية» ويكون باختيار أكثر من (300) شخصية تكون في مقدمة الجيش يمكن أن تطلق عليها قوات الصاعقة، وإذا وجدت الدولة شخصاً في البادية قوي البنية فإن الإمام محمد بن سعود يأتي به إلى الدرعية ويجزل له العطاء ولأهله ويبقيه فيها ليتعلم الفروسية. وهناك بعض المراسلات أخرجتها الأميرة جواهر آل جلوي، وجدنا فيها رسالة للإمام سعود يتحدث للعثمانيين بأنه إذا كان الفرس يواجهونكم فنحن نستطيع توفير (200) رجل مدجج بالسلاح لكم. ومن أحد خطابات الإمام سعود لوالي الشام يقول فيها: نحن لم نأت إلا لتأمين الناس. لا أن نفرق بين قيود الدولة وقيام الدعوة، لكن الإشكالية القديمة أن الدولة العثمانية عندما رأت الدولة السعودية وأنها راعية للحرمين تتوجه الأنظار لها وحافظت على أمن المنطقة، جاءت لتقول إنها تقود العمل الإسلامي وتحمي الحرمين وبالتالي أوعزوا لإبراهيم باشا في مصر أن يسقطوا الدولة السعودية وذلك كله بدوافع سياسية وهذا ما تأتى لهم فيم بعد لعدم تكافؤ القوتين، إلا أن الدولة السعودية عادت من جديد وبتكاتف الجميع في جميع جوانب المملكة بعد أقل من تسع سنوات. أ. عبدالله بن علي * بالنسبة للدولة السعودية الأولى فإنها بدأت من الدرعية وامتدت إلى الجزيرة العربية التي هي أصل العرب مهد الإسلام من قبل قيام الدولة السعودية الأولى، العثمانيون ليسوا عرباً، فالدولة السعودية بعثت الروح في الأمة العربية لوجود حكم عربي يوحد البلاد وهي منصورة لعقيدتها السليمة وهدفها في توطيد الأمن، وعند توسعها لتصل إلى البصرةودمشق ومن ثم امتدادها إلى الحجاز أدرك حينها العثمانيون خطر الدولة السعودية لهذا أرادوا القضاء عليها. موطن العرب د. راشد العساكر * ولذلك يا أستاذ عبدالله فإن جزءاً من كتابات الغربيين عندما يكتبون عن تاريخ المملكة العربية السعودية يؤكدون على قيام العنصر العربي، فنجدهم يتحدثون عن الجزيرة العربية بادية وحاضرة، وأخبارهم، وهذا ما جعل بريطانيا تؤسس مراكز دراسات عربية وشرقية في القرن الثامن عشر، وذلك إثر تعرفهم على الدولة السعودية، فبدأت الكتابات الغربية عن موطن العرب، وأصدرت الدراسات في الجامعات الأميركية في تلك الفترة والتي أطلق عليها الدراسات الشرقية للجزيرة العربية، وصارت الجزيرة العربية تشهد وجود رحالة يتعلمون العربية وعادات العرب وتقاليدهم ومن ثم يكتبون عنهم في إطار دراسات تعريفية بهم. فالعنصر العربي - ما ذكر الأستاذ عبدالله - مؤثر وفعال. د. فارس المشرافي * في أوروبا كانت تدور فيها رحى الحرب الدينية في القرنين الخامس عشر والسادس عشر إلى أن انتهت بمعاهدة وستفاليا عام (1648م) التي أدت إلى تصالح الدول الأوروبية والبدء بالعمل الدبلوماسي فيما بينها، وانعكس ذلك على الجزيرة العربية عن طريق بريطانيا التي كانت لا تتعامل مع مستعمراتها على أساس الدين، واستمر ذلك حتى عهد الملك عبدالعزيز ودخوله الأحساء عام (1912م)، حيث كانت بريطانيا لا تنظر إلى الدولة السعودية بشيء، ولكن بعد معاهدة وصول الملك عبدالعزيز إلى البحار خافت بريطانيا من السعوديين وخشيت من فرض نفوذهم على البحار لذا عقدت معاهدة عام (1934م) مع الملك عبدالعزيز تضمنت بقاء الملك عبدالعزيز ضمن الحدود التي وصل إليها وعدم الامتداد إلى دول الخليج وإعطائه (5000) جنيه، فقبل ذلك الملك عبدالعزيز درءاً لخطر بريطانيا والتعامل معها على أساس المصالح، علماً أن ذلك المبلغ لا يساوي شيئاً في تلك الأيام، فميزانية الدولة السعودية كانت (600) ألف جنيه استرليني، وبالتالي تمكن الملك عبدالعزيز من الحفاظ على دولته كما كان قديماً امتدادها. ضيوف الندوة د. راشد العساكر أ. محمد المنقور د. مريم العتيبي * أ. عبدالله بن نوح د. فارس المشرافي حضور الندوة هاني وفا جمال القحطاني صالح الحماد خالد الربيش نوال الجبر