في خضم انشغال المجتمع الدولي بالأحداث الساخنة التي تشهدها الساحة الإيرانية منذ بدء الانتفاضة في عموم المدن الإيرانية في سبتمبر 2022م، تتوجه الأنظار إلى الدورة التاسعة والخمسين لمؤتمر ميونيخ للأمن اليوم الجمعة، والتي تستمر لمدة ثلاثة أيام؛ حيث يعد مؤتمر ميونيخ للأمن الأشهر من نوعه على صعيد مؤتمرات السياسة والأمن في العالم، ويشارك في دورته السنوية زعماء عالميون بينهم العديد من المسؤولين العرب، ومن المقرر أن يحضر اجتماع هذا العام رؤساء 40 دولة، كما ترسل 90 دولة وفوداً رفيعة المستوى إليه. والشيء اللافت للنظر في الدورة التاسعة والخمسين، هو إعلان مدير القمة كريستوف هويسجن أنه بدلاً من دعوة ممثلين عن حكومتي روسياوإيران، تمت دعوة وفود من المعارضين لهاتين الحكومتين؛ إذ شدد المسؤول الألماني على أن هذه القمة يجب ألا تصبح بعد الآن مكانًا للدعاية للحكومات الاستبدادية، وبناءً على ذلك أعلن أسماء وفد المعارضة الروسي المدعو إلى القمة، لكن الشيء الغريب هو أنه خلال المقابلة التي أجرتها معه وكالة الأنباء الألمانية الرسمية، لم يذكر أسماء شخصيات المعارضة الإيرانية، مما يثير التساؤلات حول هوية المعارضة الإيرانية التي ستوجه إليها الدعوة للمشاركة في هذا المؤتمر!، ولكن سرعان ما انكشفت الحقيقة الصادمة لتزيل الغموض وتنكشف للعلن بوادر مخطط يهدد مستقبل الشعب الإيراني في الصميم، حيث تفاجأ الرأي العام العالمي بدعوة رضا بهلوي إلى هذا المؤتمر! وهنا يأتي السؤال: من هو رضا بهلوي؟ وما علاقته بالمعارضة الإيرانية؟ وتحت أي مبرر وقع عليه الاختيار للمشاركة في مؤتمر دولي بالنيابة عن شعب يُسحَق يومياً تحت آلة الموت في شوارع المدن الإيرانية؟! وهل يُجازى هذا الشعب المنتفض الذي قدم التضحيات في مواجهة قوات الملالي القمعية أن يمثله في المحافل الدولية ابن دكتاتور أطاح به الشعب الإيراني قبل 44 عاماً؟!، قبل أن يمتطي نظام الملالي هذه الثورة الشعبية، بالتنسيق مع الغرب. من هو رضا بهلوي؟ بعد مرور 43 عامًا من الثورة الإيرانية في عام 1979م، والإطاحة بنظام الشاه، ظهر فجأة نجل الشاه المخلوع مدعياً ومحاولاً التسويق لنفسه على أنه بديل لنظام الملالي ويطمح للوصول إلى السلطة، وخلال مسيرته السياسية القصيرة، لم يجرؤ رضا محمد رضا بهلوي في أي وقت من الأوقات انتقاد الفظائع التي ارتكبها والده وجدّه، ناهيك عن إدانتها، بل على العكس تماماً، نراه يقدّم صورة غرائبية لإيران في ظل ديكتاتورية عائلة بهلوي، وذلك من خلال تلطيف جرائم البهلويين ومحاولته لتحريف تاريخ إيران في أفلام وثائقية وهمية مليئة بالفبركات. وعلى الرغم من افتقاره إلى موطئ قدم على الصعيد الاجتماعي والسياسي داخل إيران، فإن مسيرة بهلوي السياسية بأكملها تتكون من نشر عدد من التغريدات السياسية المتفرقة في موقع تويتر، وعدد من المنشورات الهزيلة على موقعي فيسبوك وإنستغرام، والمشاركة في مقابلات تلفزيونية للترويج الذاتي، والإشادة بقوات حرس نظام الملالي وذراعه العسكرية المعروفة باسم قوات الباسيج كشركاء في الحملة لإسقاط النظام والحفاظ على القانون والنظام في إيران في مرحلة ما بعد حكم رجال الدين. ورفض بهلوي توضيح مواقفه تجاه أية قضية من القضايا الإيرانية المصيرية، مثل مطالب أبناء القوميات الأخرى بالحكم الذاتي ضمن وحدة أراضي إيران، وبالمثل، فقد تجنّب الإجابة عن سؤال حول شكل الحكومة المستقبلية في إيران، لأنه مدرك تماماً بأن الشعب الإيراني لن يدعم بأي حال من الأحوال نظام الشاه من جديد، بينما يحاول جاهداً أن يدّعي بأنه منفتح على فكرة أن الناس يجب أن يقرروا الشكل المستقبلي للحكم في إيران. كما أعلن بهلوي صراحةً أنه يعتمد على قوات الحرس الثوري وقوات الباسيج كعناصر أساسية في استراتيجيته لتغيير النظام، وذلك خلال برنامج حواري مع إيران انترناشونال في عام 2018م، إذ قال : «إنني على اتصال ثنائي مع جيش النظام والحرس الثوري وقوات الباسيج، نحن على تواصل مستمر، إنهم يعبرون عن استعدادهم للتوافق مع الشعب»، ويضيف: «أن العنصر الأكثر أهمية بين جميع العوامل هو الدور الذي يمكن أن تلعبه القوات العسكرية وشبه العسكرية في هذا الانتقال (تغيير النظام)، هذا هو السبب في أن الجنود والميليشيات هم المستهدفون من بعض رسائلي». وتحدث بهلوي في اجتماع في 18 ديسمبر 2018م: «بالطبع، الفرد الذي هو عضو في الحرس الإيراني والباسيج، أولئك الذين أصيبوا بخيبة أمل اليوم شأنهم شأن بقيتنا، لديهم مكان معنا في المستقبل، ويجب أن يكون لديهم مكان، يجب أن يعلموا أن القوة ذاتها التي تضمن أمن إيران واستقرارها في المستقبل هي نفسها في الواقع... أقول هذا بناءً على اتصالاتي المباشرة مع ممثلي القوات العسكرية وشبه العسكرية الإيرانية التي تحدث بشكل يومي، وتتزايد تلك الاتصالات يوماً بعد يوم». ولن نتفاجأ كثيراً مدى التخادم بين الملالي وبهلوي إذا علمنا أن هاشم خواستار، مسؤول نقابة المعلمين في إيران، المسجون راهنًا بسبب معارضته لنظام الملالي، صرّح من خلال رسالة منشورة في موقع (إيران بلا أقنعة) في 01 أكتوبر 2020م، بأن قوات الحرس الثوري طلبت منه عدم العمل مع منظمة مجاهدي خلق وحثته على الاتصال برضا بهلوي!. لذلك لن نعجب من تصرّف قادة الغرب وتجاوزهم التاريخ المليء بالاستبداد والشمولية لعائلة بهلوي من خلال توجيه الدعوة لرضا بهلوي للمشاركة في مؤتمر ميونيخ ومتجاهلين المعارضة؟!. تجربة صناعة البدائل قد ينظر البعض الى دعوة نجل الشاه المخلوع للمشاركة في مؤتمر ميونيخ على أنها مجرد خطأ وقع فيه القائمون على هذا المؤتمر، والذين كان هدفهم (سد النقص) أو ملء فراغ وفد ملالي إيران الافتراضي الذي تم حجب الدعوة عنه أسوة بروسيا باعتبار الحكومتين دكتاتوريتين، لكن المسألة ليست مجرد خطأ عابر أو سوء تنظيم للمؤتمر، فالشعب الإيراني المستمر في انتفاضته ضد نظام الملالي ينظر بقلق بالغ إلى هذه الخطوة التي يمكن تفسيرها على أنها تمهيد لصناعة بديل لنظام الملالي تم تفصيله وفقاً للإرادة الخارجية، وإلا كيف يمكن تفسير عدم دعوة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية ومنظمة مجاهدي خلق إلى مؤتمر ميونيخ رغم أن الانتفاضة الراهنة هم من يقودها؟! فهل هناك احتمالات لسرقة الثورة الراهنة مثلما سُرقت ثورة 1979م، والمجيء بحكّام يتم فرضهم قسراً على الشعب الإيراني، من خلال إعداد شخصيات مِن قبل الغرب ليحكموا إيران وفقاً للإرادات الخارجية على غرار التجربتين العراقية والأفغانية؟!. لا سيما أن السيدة مريم رجوي قد أشارت خلال تجمع حاشد للمعارضة الإيرانية الذي أقيم في باريس، إلى التعاون المصلحي بين نظام الشاه وبين الملالي، قائلة: «من سخرية التاريخ أنه عندما كان الشاه في السلطة، تعاون العديد من الملالي معه ومع سافاكه الجهنمية (شرطة الشاه السرية)، والآن بعد أن وصل الملالي إلى السلطة، وقف فلول الشاه بجانب حرس الملالي الجهنمي، وأعلنوا جهاراً أن الحرس الثوري والباسيج هم القوة الأولى لضمان أمن واستقرار مستقبل إيران». صدمة وقلق لدى المنتفضين يتشارك كل من نظامي الشاه والملالي في العديد من الأفكار الأساسية، ويؤويان أيديولوجيات بغيضة موجهة للداخل والخارج على حدٍّ سواء، وهذا هو السبب في أن الشعب الإيراني يردد في انتفاضاته المستمرة: «الموت للظالم سواء كان الشاه أو المرشد خامنئي». لذلك، بالنسبة للإيرانيين، الخيار لا يجب أن يكون أخفّ الضررين، فالشعب الإيراني يرفض الماضي والحاضر لصالح مستقبل ديمقراطي، يسعى إلى إقامة جمهورية ديمقراطية، تحترم حقوق الإنسان وحقوق المرأة والأقليات، وبعد الإطاحة بالفاشية الحالية، لن يعود التاريخ إلى الوراء. وخلاصة القول: لقد ارتكب القائمون على مؤتمر ميونيخ خطًأ كبيرًا بحق شعب بأكمله عندما وجهوا دعوة الى نجل الشاه المخلوع، وتغافلوا عن توجيه الدعوة إلى المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية الذي يمثل الشعب الإيراني في الداخل والخارج، ويقود الحراك الشعبي خلال الانتفاضة الراهنة داخل إيران، لا سيما أن دعوة نجل الشاه أثارت القلق لدى عموم الشعب الإيراني والمنتفضين من احتمالات قيام الغرب بصناعة بديل سيئ لنظام الملالي وتكرار التجربتين العراقية والأفغانية والمجيء بأشخاص فاسدين بعيدين كل البُعد عن تطلعات الشعب الإيراني، فإذا اتضح لاحقاً أن هناك مخططًا بالفعل، فهذا يعني أن دماء المنتفضين الإيرانيين ذهبت ظلمًا دون تحقيق أمل الحرية في إيران.