تعد مقاطع الفيديو بحجم اللدغة شيئاً كبيراً على الإنترنت؛ فبمجرد أن تدخل كمشاهد لإحدى هذه المنصات تجد نفسك قد شاهدت المئات منها واحداً تلو الآخر، دون أن تنتبه للوقت الذي قضيته في المشاهدة، وأن التصور الأول للمتتبع لهذه البرامج أنها تنقل المعلومة له بسرعة، وتوفر الفائدة بسهولة، وتدخل المتعة للمشاهد أيضاً، وتعتبر أداة مساعدة للمسوقين والمتسوقين. إلا أن أدمان دخول هذه المنصات التي تعرض النموذج القصير يجعل المستخدمين لها في إلهاء كبير غير قادرين على الصمود أمام أي محتوى طويل، وسيجعل العقل كسولاً جداً، والشغف لديهم يقل كل دقيقة، والنفور من كل عمل طويل يتطلب منهم التركيز، فهؤلاء اللاعبون الثلاثة TikTOk وYouTube وInstagram في سباق لا نهاية له على الفوز بلعبة الفيديو القصير. على الاعتراف أنني في فترة من الفترات أصبحت تستهويني متابعة هذه البرامج، إلا أن ما يفعله الفيديو القصير بالإدراك البشري والأداء العقلي العام له آثار ضارة على المستخدمين المنتظمين، خاصة على الأطفال والمراهقين وفي السياق نفسه، وضح مهدي عامري -خبير التواصل الرقمي والتنمية الذاتية- لجريدة هسبريس، أنه "في السنوات الأخيرة، بات تبادل ومشاركة المقاطع الفيديوغرافية القصيرة عادة شائعة"، وأضاف عامري أن "أغلب المحتويات التي يتم تداولها على نطاق واسع هي محتويات تغلب عليها السطحية، وبعيدة عن المحتوى الهادف والتثقيفي، لكن رغم ذلك نجد عدد المشاهدات يفوق الملايين". وعلى الرغم من أننا مازلنا نفتقر إلى البحث في هذه الظاهرة ألا أن هناك أدلة واعترافا من دراسة أجنبية تقول إن 50 ٪ من المستخدمين يجدون الفيديو الطويل مجهدا لهم، ويواجهون صعوبة بقراءة كتاب أو ممارسة المهام المنزلية المعتادة كونها تأخذ منهم وقتا طويلا. في كتاب "لا تغذِّي عقل القرد.. كيف تُوقِف دورة القلق، والخوف، والرهبة؟"، تصف جينيفر شانون تقافز العقل من فكرة سريعة إلى أخرى بأنه يشبه قفز القرد بين الأشجار بحثا عن الموز، واليوم بتنا نتقلب من شجرة إلى أخرى بحثا عن محتوى سريع وسطحي لا يحتاج إلى بذل جهد سوى تمرير إصبع على الشاشة. وهذه الظاهرة لا تقتصر على الفيديو المرئي فقط بل انتقلت في عدواها للكتب والكتابة، فقد ظهرت بعض الكتب التي تتخذ في محتواها العبارات المختصرة القصيرة، فتجد نفسك أمام كتاب لا يحمل محتوى ولا مضمون ولا فائدة، لذا يمكن القول إن السرعة هي داء العصر بامتياز. لذلك يتوجب علينا التقليل من مشاهدتها وإيجاد الطرق التي تحد من تشتت الانتباه مثل التركيز على إنجاز مخططات للأعمال اليومية أو التخطيط على أداء مهمات العمل الضرورية والالتزام بها.