لفتت المملكة أنظار العالم في عام 2022 بشكل بارع وعلى مدى أيامه والبلاد تزدان بتحول أجزاء هائلة من صحرائها الشاسعة لمعتركات صناعة وتصدير الوقود السعودي الأخضر المتمثل بطاقة الهيدروجين، والتقدم التكنولوجي المذهل في مشروعات خفض انبعاثات الكربون، ومعامل حفظ الغاز، إلى الاستثمار الاستراتيجي في الغاز الطبيعي لتعظيم استخدامات النفط الخام، إذ برز العام الفائت كمحرك أقوى سلاسة وإنجازاً في رحلة تحول المملكة لرؤيتها 2030. ويمكن أن يلخّص مدى التقدم اللافت الذي شهده العام 2022 في خضم إصلاحات الطاقة بالمملكة، تحدث عنها وزير الطاقة صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سلمان، في مؤتمرات محلية وعالمية بأن المملكة تعظم الاستفادة من مواردها الطبيعية والتقليدية وتمضي لتعزيز منهجية تطوير تنويع مصادر الدخل ضارباً المثل بقدرات تقنية تحويل البترول لمنتجات بتروكيميائية وتحويل الطاقة المتجددة إلى هيدروجين وامتلاك المملكة السجل الأقل تكلفة في إنتاج الطاقة المتجددة. وبهذا الصدد أعلن وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان عن إطلاق أضخم مشاريع الطاقة في 2022 مدفوعة من البرنامج الاستراتيجي لاستدامة الطلب على البترول الخام، والإعلان عن إطلاق استراتيجية متكاملة لقطاع البتروكيميائيات في المملكة وهي في مراحلها النهائية، والكشف عن خطط المملكة التوسعية في إنتاج النفط الخام والغاز الطبيعي والكهرباء. وتم الإعلان عن اعتزام شركة سابك بالتعاون مع شركة أرامكو بالبدء بأول مشروع في المملكة لتحويل البترول إلى البتروكيميائيات والمعروف "بالخام إلى المواد الكيميائية" في مدينة رأس الخير بسعة تبلغ 400 ألف برميل يومياً والمستهدف استكماله خلال السنوات القادمة. وكشف وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان عن ملامح للتوجهات المستقبلية منها أن قطاع البتروكيميائيات الأكثر نمواً في الطلب على البترول عالمياً وسيستمر التصاعد في هذا النمو في الطلب خلال السنوات القادمة بنسبة 60 % سنوياً حتى 2040 والمملكة اليوم تعد رابع أكبر منتج عالمي للبتروكيميائيات كما أنها تمتلك جميع المقومات اللازمة لهذا القطاع للنمو بشكل أكبر مستقبلاً. ويجسّد العام قوة التلاحم بين النفط والكيميائيات وعمل منظومة الطاقة على تحديد الاستخدام الأمثل للمواد الهيدروكربونية حيث أطلقت برامج منها ما سيوفر مليون برميل يومياً من النفط المكافئ بحلول 2030 وبالتالي سيتيح فرص أكبر للاستفادة منها للصناعة البتروكيميائية. كما تعتزم منظومة الطاقة زيادة الطاقة القصوى المستدامة للمملكة من البترول الخام إلى حوالي 13 مليون برميل يومياً الامر الذي سيسهم في توفير لقيم إضافي يدعم نمو قطاع البتروكيميائيات وكذلك تعمل المنظومة على تطوير حقول الغاز كما بدأ سابقاً في حقل الجافورة لإنتاج أكثر من 630 ألف برميل من سوائل الغاز الطبيعي والمكثفات وكذلك أكثر من 380 مليون قدم مكعب قياسية في اليوم من غاز الميثين، وتهدف المنظومة بتحويل حوالي 4 ملايين برميل يومياً من البترول الخام والسوائل إلى بتروكيميائيات في مشاريع محلية. كما تستهدف منظومة الطاقة التوسع في صناعة البتروكيميائيات التكميلية لزيادة الاستهلاك في السوق الوطنية من الكيماويات الأساس من حوالي 15 % إلى حوالي 40 % من إجمالي الانتاج المحلي من البتروكيميائيات وتستهدف المنظومة كذلك التركيز على انتاج المواد الكيميائية المتخصصة لدعم التطبيقات الصناعية وتوطينها ودعم توطين الصناعات الممكنة للوصول لمزيج الطاقة الأمثل لإنتاج الالواح الشمسية وصناعة البطاريات. واليوم يعمل البرنامج من خلال عدد من الشراكات لتحقيق أهدافه لتوطين سلاسل الامدادات وعلى راسها الشراكة مع المشاريع الكبرى مثل نيوم لاستخدام المواد القائمة على البوليميرات لتعزيز المنفعة البيئية والاقتصادية للمشروعات وكذلك العمل مع تطوير بوابة الدرعية على إيجاد حلول لتحديات البناء التي تواجهها الهيئة للحد من تطاير الغبار الرملي وإصلاح التربة. كما عمل البرنامج مع هيئة المواصفات والمقاييس والجودة لانشاء 55 مواصفة للمواد البوليمرية لتضمينها في كود البناء السعودي. ويسعى البرنامج للتوسع لرفع الطلب على المواد البتروكيميائية في السوق العالمي من خلال العمل مع عدد من الدول مثل الهند والصين والمملكة المتحدة وغيرها. ويشأن الهيدروجين والاقتصاد الدائري للكربون وبحسب وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان أن المملكة أوعزت بأن تكون المصدر الأول للهيدروجين النظيف في العالم لإنتاج 4 مليون طن بحلول 2030 وهذا أصبح الحد الأدنى وسيكون الحد الأقصى 6 مليون طن متى ما استوجب الطلب. لذلك سيتم انتاج 3 ملايين طن في مدينتي الجبيل ورأس الخير الصناعيتين من خلال اطلاق عدد من المشروعات بحلول عام 2030 وسيكون بعضها ضمن مجمعات إنتاج البتروكيميائيات والاسمدة. كما تستهدف منظومة الطاقة ان تكون المملكة من أولى دول العالم في تطبيق تقنيات التقاط الكربون واستخدامه وتخزينه حيث اعلن في المنتدى الثاني لمبادرة السعودية الخضراء في شرم الشيخ عن اطلاق المرحلة الأولى لأكبر مركز في منطقة الشرق الأوسط لالتقاط واستخدام وتخزين ثاني أكسيد الكربون في الجبيل الصناعية بطاقة استيعابية تبلغ نحو 9 مليون طن سنوياً في عام 2027 وستكون المحصلة النهائية في 2035 حوالي 44 مليون طن وسيكون هذا الأكبر منشأة لتطوير هذا النوع الذي نعتقد انه قد يكبر كلما تطورت التقنيات مستقبلاً والتي تتضمن تقنيات التقاط ثاني أكسيد الكربون من المصانع لإنتاج الجلايكول والغازات الطبيعية التابعة لشركة سابك. وفي قطاع الكهرباء تعمل منظومة الطاقة على تقديم خدمة كهربائية بموثوقية وكفاءة عاليتين خاصة في المناطق الصناعية حيث طورت المنظومة مزيج الطاقة الأمثل لإنتاج الكهرباء مستهدفة 50 % من مصادرة الطاقة المتجددة و50 % من المصادر الغازية عالية الكفاءة بحلول 2030 مراعية في ذلك إمدادات الخدمات الكهربائية وتنويع مصادرها واستدامتها وخفض تكلفتها إلى أدني حد ممكن. كما عملت المنظومة على تمكين الجهات المختلفة بما فيها الجهات الصناعية الراغبة بتركيب أنظمة الطاقة المتجددة بما هو أعلى من 2 قيقا لتستفيد بالإنتاج الذاتي كما انه هناك تسعيرة خاصة او تعرفة خاصة تم استهدافها للصناعات كثيفة الاستخدام للكهرباء وهو امر محفز لكثير من الصناعات التي تحتاج كميات أكبر من الكهرباء. علماً بأن كل ما هو متعلق بشبكات الكهرباء سواء في قطاع النفط او التوزيع المتهالكة او المتقادمة سيتم خلال الخمس إلى الست سنوات القادمة إعادة تأهيلها بشكل متكامل حتى تكون قادرة على استيعاب حجم الكهرباء المولدة او نوعية. وتطمح المملكة إلى عام 2025 بأن تكون منظومة الكهرباء في هذا البلد تضاهي أهم 10 دول في العالم. وفي التوطين تشكل مشروعات قطاع الطاقة في مجال البترول والغاز والبتروكيميائيات والطاقة التقليدية والمتجددة رافد رئيساً للاقتصاد الوطني وتقدر قيمة المشروعات المستهدفة في قطاع الطاقة حتى عام 2030 بنحو 2,850 ترليون ريال وهذا يتطلب جذب استثمارات لإنشاء مصانع بقيمة 260 مليار ريال خلال العقد القادم لتوطين نحو 75 % من مكونات هذه المشروعات. ولتحقيق هذا الهدف قامت منظومة الطاقة بتأسيس مشروعات متميزة لتوطين سلاسل الامدادات وسلاسل القيمة من مكونات قطاع الطاقة والاستفادة من البنية التحية للمدن الصناعية الجبيل وينبع وراس الخير وجازان ومن ابرز هذه المشروعات مشروع صفائح الحديد والصلب في مدينة راس الخير. ويشكل قطاع البتروكيميائيات أكثر من 50 % من مشروعات التوطين حيث بلغت حصة الاستثمارات المحلية المتعلقة بالتوطين اكثر من 50 مليار ريال. وفي مشاريع البنية التحتية، أن المشروعات المستهدفة المذكورة ستسهم في تطوير البنية التحتية في المدن الصناعية الجبيل وينبع ورأس الخير وجازان حيث يتطلب تطويرها ما يقارب من 100 كلم2 من الأراضي الصناعية إضافة إلى إنشاء فرضة جديدة لتصدير البترول في رأس الخير بما يتوافق مع زيادة الطاقة الإنتاجية إلى 13 مليون برميل يومياً إضافة إلى توسعة سعة التخزين للبتروكيميائيات في الجبيل وينبع ورأس الخير وتوسعة الموانئ القائمة بالجبيل وينبع وإنشاء ميناء جديد لتصدير البتروكيميائيات في رأس الخير.