السعودية والدول العربية والصين؛ قوى سياسية مهمة على الساحة الدولية، وفي ظل الظروف التاريخية الجديدة من المهم أن يتطور التعاون الصيني العربي في ظل التيار العالمي للتطور والتقدم، ويتقدم إلى الأمام باستمرار.. وصل الرئيس الصيني شي جينبينغ يوم الأربعاء الماضي إلى المملكة العربية السعودية، في زيارة رسمية استمرت حتى يوم الجمعة، والزيارة تأتي بناءً على دعوة من خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وتعزيزاً للعلاقات التاريخية والشراكة الاستراتيجية المتميزة التي تجمع المملكة العربية السعودية بجمهورية الصين الشعبية. انعقدت خلال زيارة الرئيس الصيني ثلاث قمم هي (السعودية - الصينية، والخليجية - الصينية، والعربية - الصينية)، بحضور أكثر من 30 قائد دولة ومنظمة دولية، ما يعكس أهمية انعقاد هذه القمم، وما تحظى به من اهتمام إقليمي ودولي، وانطلاقاً من العلاقات المتميزة التي تربط دول مجلس التعاون الخليجي، والدول العربية، مع الصين الشعبية، تضمن برنامج الزيارة حضور الرئيس شي جينبينغ (قمة الرياض الخليجية - الصينية للتعاون والتنمية)، و(قمة الرياض العربية - الصينية للتعاون والتنمية)، بمشاركة قادة دول التعاون الخليجي والدول العربية، وتم خلال القمتين مناقشة سبل تعزيز العلاقات المشتركة في المجالات كافة، وبحث آفاق التعاون الاقتصادي والتنموي. وعلى هامش القمة (السعودية - الصينية) تم توقيع وثيقة الشراكة الاستراتيجية بين المملكة والصين، وخطة المواءمة بين رؤية السعودية 2030، كما أعلن عن إطلاق جائزة الأمير محمد بن سلمان للتعاون الثقافي بين السعودية والصين، وتشهد العلاقات الدبلوماسية السعودية - الصينية، تطوراً مميزاً ووثيقاً، وتسير بوتيرة متسارعة نحو مزيد من التعاون والتفاهم المشترك بينهما في مختلف المجالات. ويأتي حرص السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده، على تنمية العلاقات الثنائية مع الجانب الصيني في سياق توجهها الاستراتيجي لتعزيز علاقاتها وشراكاتها الثنائية مع جميع الدول والقوى الدولية المؤثرة، وإقامة علاقات متوازنة معها تخدم أهداف المملكة، وتسهم في حماية مصالحها. وتقود اللجنة السعودية - الصينية المشتركة رفيعة المستوى، التي يرأسها من جانب السعودية الأمير محمد بن سلمان، ومن الجانب الصيني نائب رئيس مجلس الدولة هان تشنغ، الجهود القائمة من حكومتي البلدين لزيادة التنسيق في الشأنين السياسي والأمني، وتعزيز أوجه التعاون في الجوانب التجارية والاستثمارية، والطاقة، والثقافة، والتقنية. واحتلت الصين مركز الشريك التجاري الأول للسعودية لآخر 5 سنوات، إذ كانت الوجهة الأولى لصادرات السعودية ووارداتها الخارجية منذ عام 2018، حيث بلغ حجم التجارة البينية 309 مليارات ريال (82.4 مليار دولار)، في عام 2021، بزيادة قدرها 39 % على عام 2020، كما بلغ إجمالي حجم الصادرات السعودية إلى الصين 192 مليار ريال (51.2 مليار دولار)، منها صادرات غير نفطية بقيمة 41 مليار ريال. وقد بلغت قيمة الاستثمارات السعودية في الصين 8.6 مليارات ريال، وجاءت السعودية في المرتبة 12 في ترتيب الدول المستثمرة في الصين حتى نهاية عام 2019، في المقابل بلغت قيمة الاستثمارات الصينية في المملكة 29 مليار ريال بنهاية عام 2021. وتعزيزاً للعلاقات الاقتصادية بين البلدين؛ تم تأسيس صندوق (سعودي - صيني) لدعم الشركات التقنية الناشئة في المملكة برأس مال يقدّر ب1.5 مليار ريال سعودي بشراكة بين (eWTp) الصينية المدعومة من قبل شركة (علي بابا) وصندوق الاستثمارات العامة، وبدعم من الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز، بهدف الإسهام في دعم منظومة اقتصادية متينة للأعمال الرقمية في المملكة. وتدعم الصين مبادرة (الشرق الأوسط الأخضر) التي أطلقها ولي العهد، كما رحبت بانضمام السعودية إلى مبادرة التنمية العالمية التي اقترحها الرئيس الصيني شي جينبينغ، لتوجيه التنمية العالمية نحو مرحلة جديدة من النمو المتوازن والمنسق والشامل لتسريع تنفيذ أجندة عام 2030، وتحقيق تنمية عالمية أكثر قوة واخضراراً وصحة. ولم تقتصر العلاقات بين البلدين على تلك المجالات فحسب، بل شهدت أفقاً أوسع، لا سيما في التبادل الثقافي، الذي سطّر صفحة جديدة وبعداً آخر، خصوصاً بعد إعلان وزارة الثقافة في عام 2019 عن (جائزة الأمير محمد بن سلمان) للتعاون الثقافي بين المملكة وجمهورية الصين الشعبية، ما يعكس حرص المملكة على تعزيز العلاقات الثقافية والعلمية، وتهدف الجائزة إلى ترويج للغة والآداب والفنون العربية والإبداعية في الصين، وتشجيع التفاهم المشترك والتبادل الثقافي بين الثقافتين السعودية والصينية، وتخدم الأهداف المشتركة لكل من رؤية المملكة 2030. أما العلاقات الصينية العربية فقد تطورت بشكل متسارع خلال القرن الحادي والعشرين، حيث أصبح التعاون الاقتصادي عنوانا للصداقة بين الطرفين، وتحولت الصين إلى أكبر شريك تجاري للدول العربية مجتمعة، والمستثمر الأول فيها، وشكلت مبادرة الحزام والطريق الصينية، أساسا لتعزيز هذا التعاون والارتقاء به إلى مستويات أكثر تطورا، ووفق المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "ألكسو"، فإن الاستثمارات الصينية بالدول العربية بلغت 213.9 مليار دولار في الفترة بين 2005 و2021، وهي بذلك أكبر مستثمر أجنبي في العالم العربي. السعودية والدول العربية والصين؛ قوى سياسية مهمة على الساحة الدولية، وفي ظل الظروف التاريخية الجديدة من المهم أن يتطور التعاون الصيني العربي في ظل التيار العالمي للتطور والتقدم، ويتقدم إلى الأمام باستمرار، والعرب والصين الآن هم في حاجة أكثر من أي وقت مضى إلى تعزيز التعاون لتجاوز الصعوبات والتقدم إلى الأمام يدا بيد.