المتتبع لسياسة المملكة المنفتحة على العالم بتنوع شراكتها يدرك الرؤية الثاقبة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهد الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -حفظهم الله- بجدوى هذه الرؤية على المدى البعيد وعدم وضع البيض في سلة واحدة، وكان الرئيس الصيني شي جين بينغ الذي ثبّته الحزب الشيوعي الصيني في تشرين الأول/ اكتوبر الماضي في منصبه لفترة ثالثة كأمين عام له، زار المملكة عام 2016، فيما قال القنصل الصيني العام في دبي لي شيوي هانغ في تصريحات نُشرت على موقع القنصلية مؤخرا أن الزيارة "حدث كبير لتحسين العلاقات الصينية العربية وعلامة بارزة في تاريخ العلاقات الصينية العربية"، لاسيما وأن المملكة هي أكبر مصدّر للنفط في العالم والصين هي أكبر مستورد للخام وتشتري ما يقرب من ربع الشحنات السعودية. تحسين العلاقات السمة السائدة في الزيارة وتعكس زيارة فخامة رئيس جمهورية الصين الشعبية شي جين بينغ إلى المملكة حرص قيادتي البلدين على تعزيز العلاقات الثنائية، وشراكتهما الإستراتيجية واستثمار إمكاناتهما السياسية والاقتصادية في خدمة مصالحهما المشتركة. ويأتي حرص المملكة على تنمية العلاقات الثنائية مع الجانب الصيني في سياق توجهها الاستراتيجي لتعزيز علاقاتها وشراكاتها الثنائية مع جميع الدول والقوى الدولية المؤثرة، وإقامة علاقات متوازنة معها تخدم أهداف المملكة، وتسهم في حماية مصالحها. اللجنة السعودية - الصينية حيث تقود اللجنة السعودية - الصينية المشتركة رفيعة المستوى، التي يرأسها من الجانب السعودي سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله-، ومن الجانب الصيني نائب رئيس مجلس الدولة هان تشنغ، الجهود القائمة من حكومتي البلدين لزيادة التنسيق في الشأنين السياسي والأمني، وتعزيز أوجه التعاون في الجوانب التجارية والاستثمارية، والطاقة، والثقافة، والتقنية. مبادرة الحزام والطريق والشرق الأوسط الأخضر وتولي حكومتا المملكة والصين اهتماماً بالغاً لتعزيز المواءمة بين مبادرة "الحزام والطريق" و"رؤية المملكة 2030"، وتطوير التعاون بين الجانبين، في مجالات مثل: الاقتصاد، والتجارة، والنقل، والبنية التحتية، والطاقة، وكذلك المجالات الناشئة، مثل: تقنية الجيل الخامس، والذكاء الاصطناعي، والبيانات الكبيرة. وتدعم الصين مبادرة "الشرق الأوسط الأخضر" التي أطلقها سمو ولي العهد -حفظه الله-، كما رحبت بانضمام المملكة إلى مبادرة التنمية العالمية التي اقترحها الرئيس الصيني شي جين بينغ، لتوجيه التنمية العالمية نحو مرحلة جديدة من النمو المتوازن والمنسق والشامل لتسريع تنفيذ أجندة العام 2030، وتحقيق تنمية عالمية أكثر قوة واخضراراً وصحة. وتساعد مبادرة "الحزام والطريق" في تحقيق أهداف "رؤية المملكة 2030"، من خلال التعاون الاستثماري بين البلدين في العديد من المشروعات الكبرى الطموحة التي أطلقتها المملكة، وتسهم في تنفيذها شركات صينية كبرى، وتعد شركة سينوبك سينشري برايت كابيتال العاملة في قطاع التصنيع، والبنك الصناعي الصيني (الأكبر في الصين والعالم من حيث حجم الأصول)، الذي يعمل في قطاع الخدمات المالية والتأمين، من أكبر المستثمرين الصينيين في المملكة. وكون المملكة أعادت تموضعها في المحيط العالمي، ونوعت علاقاتها شرقاً وشمالاً وغرباً وجنوباً، واضعة مصالحها الاستراتيجية وسيادتها واستقلالية قرارها فوق أي اعتبار، تماهت الرياض مع بكين في جميع المجالات النفعية، وأضحت العلاقات السعودية الصينية مثالاً يحتذى به كون هذه العلاقات تمضي، بخطوات متسارعة جداً، بما يتجاوز التبادل والتعاون التجاري، إلى بناء شراكة وتحالف لتصبح الشراكة الأكبر والأضخم في مشروع الحزام والطريق الذي يصفه المراقبون بأنه المشروع الجيو-اقتصادي الأكبر في العالم حيث ترى السعودية في الصين شريكاً اقتصادياً وسياسياً رصيناً على المدى الطويل، في حين تعد السعودية من الجيوغرافية السياسة حيوية، لاستراتيجية الصين الكبرى على خلفية مبادرتها الطموحة "حزام واحد، طريق واحد". وتعد المملكة شريكًا مهمًّا مع الصين في إحياء طريق الحرير القديم الذي يطلق عليه (طريق واحد - حزام واحد)، وهو الذي أنشأته الصين قبل 3000 سنة قبل الميلاد -وفقًا للموسوعة الحرة-، وكان ينقل تجارة ومنتجات الصين، خاصة الحرير الطبيعي، إلى روسيا مرورًا بآسيا الوسطى، عبر أكثر من 60 دولة، وقد بدأت السعودية والصين خطوات في تعبيد طريق الحرير منذ مدة، وتتواصل تلك الخطوات حتى يومنا هذا. طريق الحرير الصيني وجاء إحياء طريق الحرير الصيني ليتناسب مع (رؤية السعودية 2030) التي تستهدف تحويل الموقع الاستراتيجي للمملكة بين الممرات المائية ذات الأهمية الكبرى، كالبحر الأحمر الذي تعبره التجارة العالمية بما يقدر قيمته بأكثر من تريليونَيْ، لمركز لوجيستي عالمي، والاستفادة من ذلك لتحويله إلى جسر اقتصادي ضخم بين الشرق والغرب. وأطلقت الصين مبادرة الحزام والطريق عام 2015 بقصد تحسين الترابط والتعاون على نطاق واسع يمتد عبر القارات، والتحرك للدفع بالتشارك في بناء الحزام الاقتصادي لطريق الحرير للقرن الحادي والعشرين. ثلاث قمم ستغير الخارطة وتنعقد خلال زيارة الرئيس الصيني ثلاث قمم هي: (السعودية الصينية، والخليجية الصينية، والعربية الصينية) بحضور أكثر من 30 قائد دولة ومنظمة دولية، ما يعكس أهمية انعقاد هذه القمم، وما تحظى به من اهتمام إقليمي ودولي. اتفاقيات بقيمة تصل ل110 مليارات ريال وستوقع على هامش القمة السعودية الصينية أكثر من 20 اتفاقية أولية بقيمة تتجاوز 110 مليار ريال، إضافة إلى توقيع وثيقة الشراكة الاستراتيجية بين المملكة والصين، وخطة المواءمة بين رؤية المملكة 2030، ومبادرة الحزام والطريق، كما سيُعلن عن إطلاق جائزة الأمير محمد بن سلمان للتعاون الثقافي بين السعودية والصين. الصين الشريك التجاري الأول وقد احتلت الصين مركز الشريك التجاري الأول للمملكة لآخر خمس سنوات، إذ كانت الوجهة الأولى لصادرات المملكة ووارداتها الخارجية منذ العام 2018، حيث بلغ حجم التجارة البينية 309 مليارات ريال، في العام 2021، بزيادة قدرها 39% عن العام 2020، كما بلغ إجمالي حجم الصادرات السعودية إلى الصين 192 مليار ريال، منها صادرات غير نفطية بقيمة 41 مليار ريال. فيما بلغت قيمة الاستثمارات السعودية في الصين 8.6 مليارات ريال وجاءت المملكة في المرتبة 12 في ترتيب الدول المستثمرة في الصين حتى نهاية العام 2019، في المقابل بلغت قيمة الاستثمارات الصينية في المملكة 29 مليار ريال بنهاية العام 2021. واحتفظت المملكة بصدارة إمدادات النفط إلى الصين في العام 2021، إذ ارتفعت الواردات الصينية من المملكة بنسبة 3.1٪، مقارنة ب2020 وزادت حصتها إلى 17٪ من إجمالي الواردات، وذلك وفقاً لبيانات الجمارك الصينية. المملكة الشريك الاستراتيجي الموثوق وتسعى المملكة إلى بناء شراكة استراتيجية تدعم التجارة والاستثمار مع الجانب الصيني، وتجعل المملكة الشريك الاستراتيجي الأول الموثوق للصين في المنطقة، حيث استحوذت المملكة على أكثر من 20.3٪ من استثمارات الصين في العالم العربي بين العامين 2005 و2020، البالغة 196.9 مليار دولار، إذ جاءت كأكبر الدول العربية استقبالاً للاستثمارات الصينية خلال تلك الفترة بنحو 39.9 مليار دولار. صندوق سعودي - صيني لدعم شركات التقنية الناشئة تم تأسيس صندوق (سعودي - صيني) لدعم الشركات التقنية الناشئة في المملكة برأس مال يقدّر 1.5 مليار ريال سعودي، بهدف الإسهام في دعم منظومة اقتصادية متينة للأعمال الرقمية في المملكة. هذا وأبدت 15 شركة صينية مؤخراً رغبتها في الاستثمار في المملكة، والدخول في مشاريع التخصيص لعدد من القطاعات الحكومية، إضافة إلى مشاريع البنية التحتية، وبدأت شركات صينية في تنفيذ مشاريعها، مثل شركة (Shengkong) التي وضعت حجر الأساس لمصنع لمصابيح الإضاءة (LED) في مدينة الجبيل بقيمة تتجاوز 3.3 مليارات ريال، وتدشين مشروع مصنع شركة (بان آسيا) الصينية في مدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية، باستثمارات قدرها أربع مليارات دولار. إطلاق مشروع شركة سابك فوجيان للبتروكيماويات وتستعد المملكة والصين لإطلاق مشروع شركة سابك فوجيان للبتروكيماويات المحدودة، وهو مشروع مشترك يشمل معمل تكسير ذو سعة عالية وينتج عدداً من المنتجات البتروكيماوية، وتقدر قيمة المشروع ب22.5 مليار ريال سعودي، وتبلغ حصة شركة سابك فيه 51%. تعزيز التنمية الاقتصادية وتتشارك المملكة والصين في عضوية عدد من المنظمات والتكتلات الاقتصادية الدولية، مثل منظمة التجارة العالمية، ومجموعة العشرين، كما شاركت المملكة كعضو مؤسس إلى جانب الصين في إنشاء "البنك الآسيوي لاستثمار البنية التحتية"، والذي يهدف إلى تعزيز التنمية الاقتصادية، وتحسين ترابط البنى التحتية في قارة آسيا وخارجها، من خلال الاستثمار في البنية التحتية الخضراء التي تعكس الاستدامة والابتكار، إضافة إلى تعزيز التعاون والشراكة الإقليمية في معالجة تحديات التنمية. شراكات استثمارية تمثل شركة ينبع أرامكو سينوبك للتكرير (ياسرف) المحدودة، نموذجاً للشراكات الاستثمارية بين المملكة والصين، فهي مشروع مشترك بين شركتي أرامكو السعودية و(سينوبك) الصينية، وتمتلك الشركة مصفاة تحويلية متكاملة، لمعالجة 400 ألف برميل يومياً من الخام العربي الثقيل وتحويلها إلى منتجات يطلبها السوقين السعودي والعالمي. ووقعت المملكة والصين في العام 2012 على مشروع لزيادة التعاون النووي، بهدف تعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين في مجال تطوير استخدام الطاقة الذرية للأغراض السلمية، ما يمهد الطريق لتعزيز التعاون العلمي والتكنولوجي والاقتصادي بين البلدين.