بصيحات الفرح والزغاريد والدموع احتفل المغاربة بتأهل منتخب بلادهم لكرة القدم الثلاثاء للمرة الأولى إلى الدور ربع النهائي لكأس العالم لكرة القدم في قطر إثر فوزه على نظيره الإسباني الذي كان من بين المرشحين لنيل اللقب، عقب مباراة مثيرة حبست أنفاس المغاربة. فما أن سجل نجم أسود الأطلس أشرف حكيمي ركلة الترجيح (3-0) التي حسمت المواجهة، علت صرخات الفرح والزغاريد ومنبهات السيارات في شوارع الدار البيضاء كما في وسط العاصمة الرباط، التي توقفت فيها الحركة تقريبا طيلة مدة المباراة التي تصدرت الاهتمامات في الأيام الأخيرة. بعد دقائق قليلة، تجمع مواطنون من كل الأعمار في شارع محمد الخامس الرئيس وسط العاصمة للاحتفال بهذا الإنجاز التاريخي. وأظهرت مقاطع فيديو على وسائل إعلام محلية ومواقع تواصل اجتماعي الملك محمد السادس يشارك المواطنين فرحتهم مرتديا قميص المنتخب، وهو في سيارة وسط العاصمة. كذلك شوهد ولي العهد الأمير مولاي الحسن في السيارة نفسها وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة. وكان الملك هنأ قبيل ذلك أعضاء المنتخب في اتصال هاتفي مع رئيس الاتحاد المغربي فوزي لقجع «على مسارهم وتأهلهم التاريخي»، داعيا إياهم إلى «الحفاظ على نفس النهج في هذه المسابقة، ومواصلة تشريف كرة القدم الوطنية ورفع العلم الوطني عاليا». وأوردت وسائل إعلام محلية فيديوهات تظهر احتفالات في شوارع الكثير من المدن. في الدار البيضاء، قال عماد آيت أونجار الذي تابع المباراة في مطعم إيطالي امتلأ عن آخره «كنا ملايين المغاربة وراء المنتخب، هذا الفريق يعبر عن روح ووحدة». وأضاف مبتهجا «هذا انتصار للمغرب لإفريقيا وللعالم العربي وكل الأمم التي آمنت بحظوظنا، نحن فخورون بكوننا مغاربة». وبات المغرب أول منتخب عربي يحقق هذا الانجاز ورابع منتخب إفريقي بعد الكاميرون (1990) والسنغال (2002) وغانا (2010). وهذه أفضل نتيجة لمنتخب عربي في تاريخ المونديال، بعد بلوغ المغرب (1986)، السعودية (1994) والجزائر (2014) ثمن النهائي سابقاً. وهو آخر منتخب إفريقي باق في المنافسة بعدما أقصت انجلترا منتخب السنغال في دور ثمن النهائي. بدورها أعربت الشابة لمياء أفريا (24 عاما) عن فرحتها قائلة «لا أستطيع أن أصدق، هذا الفريق صنع معجزة». كذلك عمت الفرحة مواقع التواصل الاجتماعي بمجرد انتهاء المباراة التي شهدت ندية عالية. وكتب أحد رواد فيسبوك «بكل بساطة هذا هو أقوى وأحسن لقاء لعبه منتخب عربي أو إفريقي في تاريخ كأس العالم»، وأضاف آخر «هذا الفريق يتجاوز أفق أحلامي.. «شكرا لهؤلاء الأبطال الذين نشروا الفرح في كل البيوت». وأثارت مباراة المغرب مع إسبانيا التي تبعد 14 كيلومترا فقط عن أقرب حدود بين البلدين، اهتماما وحماسة كبيرين طيلة الأيام الماضية حيث ظلت الجماهير تترقب مواجهة صعبة، رغم التفاؤل والحماس الذي خلفه تأهل أسود الأطلس إلى دور ثمن النهائي متفوقين على كرواتيا وصيف البطل في المونديال الماضي وبلجيكا التي كانت بين المرشحين للمنافسة على اللقب. واكتسبت المواجهة نكهة خاصة كون البلدين يرتبطان تاريخيا بعلاقات ثقافية عميقة وعلاقات سياسية معقدة تخللتها لحظات توتر ووئام على مدى قرون، فضلا عن وجود جالية مغربية مهمة باسبانيا. وبعد خلاف دبلوماسي استمر سنة تقريبا بسبب قضية الصحراء الغربية، عادت المياه إلى مجاريها بين البلدين في منتصف مارس. والعلاقات غنية بين البلدين أيضا على صعيد كرة القدم حيث يحظى الدوري الاسباني بشعبية كبيرة في المغرب، مع انقسام الجماهير بين أنصار العملاقين ريال مدريدوبرشلونة. كذلك، يلعب الكثير من المغاربة في الدوري الإسباني مثل الحارس ياسين بونو والمهاجم يوسف النصيري في إف سي اشبيلية، فضلا عن المدافع جواد الياميق في بلد الوليد والجناح عبد الصمد الزلزولي لاعب أوساسونا. في المقابل، ولد نجم المنتخب أشرف حكيمي في مدريد وترعرع فيها ولعب في صفوف ناديها الأشهر ريال مدريد.وخلف أسود الأطلس شغفا عارما في المملكة التي تحظى فيها كرة القدم بشعبية واسعة، منذ بدء البطولة، مساهما أيضا في إشعاع البلاد في الخارج. وكتبت صحيفة «ليكونوميست»، «البلد في حاجة أكثر من أي وقت مضى لاستغلال هذه القوة الناعمة ليس فقط إزاء الأجانب، لكن أيضا وخصوصا إزاء أبنائه». وتجاوز هذا الدعم حدود المغرب إلى بلدان عربية، في أول مونديال يقام في بلد عربي، مع تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي في الأيام الماضية فيديوهات لاحتفالات وفرح في عفرين بسوريا وغزة في الأراضي الفلسطينية، حتى أن فنانين في حفل زفاف فلسطيني ارتجلوا أغنية احتفاء بأسود الأطلس. واحتفل لاعبو المنتخب المغربي بفوزهم على إسبانيا برفع العلم الفلسطيني على أرض الملعب. كذلك تم تداول فيديو من مدينة جيجل الجزائرية يظهر مواطنين جزائريين يؤكدون مساندتهم المنتخب المغربي ضد إسبانيا وتفاؤلهم بإمكانياته، رغم القطيعة الدبلوماسية بين الدولتين.وهنأ عدة لاعبين دوليين جزائريين أيضا المنتخب المغربي بالإنجاز الذي حققه. وكتبت صفحة «دي زد فوت» الجزائرية على تويتر «بعيدا عن كل منشورات الكراهية في مواقع التواصل الاجتماعية، الشعب الجزائري وراء الشعب المغربي إخوتكم وجيرانكم معكم». إسبانيا في حداد انهمرت دموع مشجعي إسبانيا عقب الخروج بركلات الترجيح من دور 16 بكأس العالم لكرة القدم بينما انتشر جمهور المغرب في الشوارع من برشلونة إلى مدريد ومليلة احتفالا بالفوز التاريخي. وتزين مشجعو إسبانيا بلوني العلم الأحمر والأصفر أثناء مشاهدة المباراة ، لكن جماهير المغرب هي التي غزت الشوارع هذه الليلة عقب التفوق 3-صفر بركلات الترجيح ليتأهل أول منتخب عربي إلى دور الثمانية بكأس العالم. وسجل أشرف حكيمي، المولود في مدريد، ركلة الترجيح الحاسمة للمغرب. وبين إسبانيا والمغرب تاريخ طويل من التنافس ويوجد تأثير ثقافي مشترك منذ قرون وعلاقات دبلوماسية غير مستقرة في العقود الماضية بسبب مشاكل الهجرة غالبا. وانهار مشجعو إسبانيا لرؤية خروج منتخبهم مبكرا من نهائيات قطر. وقالت خوليا كالفت (21 عاما) من برشلونة «نعود باكين إلى إسبانيا ويجب أن يحدث رد فعل». وسارع رئيس الوزراء بيدرو سانشيز بكتابة رسالة مواساة عبر تويتر قائلا للفريق «أسعدتمونا وأشعرتونا بالفخر». وذكرت العائلة الملكية الإسبانية أيضا عبر تويتر «لم ينته أي شيء، لنواصل المضي للأمام والتنافس والقتال». وتعامل بعض المشجعين بفلسفة مع الهزيمة التي جاءت بعد استحواذ كامل على الكرة لكن دفاع المغرب كان صلبا. وقال رفائيل جوميز (27 عاما) الذي شاهد المباراة في برشلونة متشحا بعلم إسبانيا «لم يخيبوا أملي لأنهم لعبوا بشكل جيد جدا، لكنني حزين بعض الشيء، المغرب منتخب ليس قويا جدا وكان يمكننا الفوز، دافعوا طيلة الوقت». وكانت الأمسية مختلفة تماما للمغاربة في إسبانيا وهي أكبر جالية أجنبية هناك وتشكل 16 في المئة من كل الأجانب المقيمين بالبلد الأوروبي وفقا لأرقام رسمية. وفي برشلونة تجمع أنصار المغرب في حي رافال للاحتفال وأشعلوا الألعاب النارية وهتفوا بحماس. وقال أنس (22 عاما)، وهو طاه مغربي، من قلب برشلونة «احتجنا إلى فوز يشعر المغاربة بثقة في أنفسهم بإسبانيا، ونأمل في الوصول للنهائي». واحتشد مشجعون في مليلة على الحدود بين البلدين وسط هتافات ورقصات للاحتفال كما أظهرت لقطات تلفزيونية. ودفعت الشرطة الإسبانية بعدد أكبر من القوات للتعامل في حالة حدوث اضطرابات عقب المباراة، لكن معظم الاحتفالات كانت سلمية.