يعيد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان تموضع المملكة في قمة العشرين التي بدات أعمالها في بالي، معتمدا على النجاحات الإقليمية والعالمية لإحلال الأمن والسلم، إلى جانب الحرص على إمدادات الطاقة للعالم من دون انقطاع، والمضي في تنفيذ خارطة الطريق التي وضعتها المملكة لاستعادة النمو الاقتصادي والتعافي العالمي في قمة العشرين التي استضافتها عام 2020.. وعندما يترأس سمو ولي العهد وفد المملكة في قمة العشرين، فإن المملكة في هذه القمة تبدو حتما، أكثر دول العشرين شباباً، إنْ من ناحية رئيس الوفد (سمو ولي ولي العهد)، أو من ناحية رؤيتها وخطتها التي تضمن لها البقاء الدائم بين أكبر 20 اقتصاداً في العالم دون الاعتماد الكُلي على عائدات النفط، وتنوع اقتصادها، نتيجة الفُرص الحقيقة التي يحملها السعوديون في جُعبتهم، والاستثمارات التي يقدمونها للعالم وفق رؤيتهم، مما يُحفِّز الجميع للفوز بشراكات سعودية لتحقيق الحُلم الذي بدأ المشوار لتحقيقه، كون المملكة "باتت أيقونة الإصلاحات والتوازنات الاقتصادية والسياسية في العالم، حيث قادت بلدان العالم في عام استثنائي في توسيع شبكات الحماية الاجتماعية للتخفيف من آثار الجائحة على الفئات المعرضة لفقدان وظائفها ومصادر دخلها". وليس هناك رأيان أن رئاسة سمو ولي العهد لوفد المملكة في قمة مجموعة دول العشرين G20 تجسد الاهتمام الذي يوليه سموه لاجتماعات قمة مجموعة العشرين، حيث شارك سموه في قمم هانغتشو بالصين، وبيونيس آيرس بالأرجنتين، وأوساكا باليابان، فضلاً عن رئاسته -يحفظه الله- لقمة الرياض، وصولاً إلى قمة بالي في إندونيسيا، خصوصا أن سمو ولي العهد يشرف بشكل مباشر على تحقيق المستهدفات الوطنية في الموضوعات ذات الصلة بمجموعة العشرين، ما أسهم في تحقيق المملكة لمراتب متقدمة بين دول العشرين ضمن تلك المستهدفات. وأكد المراقبون أن المملكة تولي اهتماماً كبيراً بمتابعة تنفيذ مقررات مجموعة العشرين في سنة الرئاسة السعودية، ضمن التزاماتها في دعم كامل مسارات ومحاور ومستهدفات قمم مجموعة العشرين، مع حرصها على مواءمة وتكامل مسارات ومحاور ومستهدفات قمة الرياض مع مستهدفات ومحاور ومسارات القمم التالية لها. وتعد المملكة عضوا فاعلا في مجموعة العشرين الG20، ولعبت دوراً مهماً في جميع الاجتماعات السابقة للمجموعة، ومن المتوقع أن يكون دورها أكثر فعالية ونشاطا وحيوية خلال اليومين القادمين في قمة ينظر إليها العالم في تحقيق اختراقات اقتصادية وطاقوية وبيئية. وترتبط رؤية المملكة 2030 ارتباطاً وثيقاً بجوهر وأهداف مجموعة العشرين، من حيث التركيز على الاستقرار الاقتصادي، والتنمية المستدامة، وتمكين المرأة، وتعزيز رأس المال البشري، وزيادة تدفق التجارة والاستثمارات، كما تعد المملكة لاعباً رئيساً في المنطقة، وتؤدي دوراً مهماً في استقرار الاقتصاد العالمي. وإذا كانت المملكة قد ضربت موعدا لتحقيق اختراقات إيجابية، في الداخل والمحيط العربي أو العالم، إلا أن الإنجازات التي تحققت في الشهور الماضية تبدو ضخمة ومتنوعة، وتشهد عليها المنظمات والمؤسسات الدولية، التي رأت أن المملكة تحقق كل ما تسعى إليه بحكمة عالية وعزيمة قوية وإرادة من فولاذ، تجعلها تعيد صياغة اقتصادها بالطريقة التي يحقق مصالحها فضلا عن قيادتها حراكا ومبادرات دولية جعلها محط أنظار واهتمام الجميع. ومع عقد اجتماعات مجموعة العشرين عاماً بعد آخر، وصولاً إلى النسخة المقبلة في إندونيسيا، تدخل المملكة بخطى ثابتة في أكبر اجتماع للقوى السياسية والاقتصادية العالمية، معْلِيةَ مكانة الاقتصاد الوطني في منطقة الشرق الأوسط والعالم، وحاملة، إنجازات رؤية 2030، وقوة الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية والتشريعية للعالم، وهو ما أدى إلى قوة ومرونة اقتصاد المملكة، والاستمرار في النمو المستدام، والتنافسية لجذب الاستثمارات، كون المملكة ملتزمة التزامًا كاملاً بزيادة مشاركة القطاع الخاص في النمو الاقتصادي، ولديها بنية تحتية ومالية قوية فضلا عن تعزيز سبل التعاون الدولي لدعم مرحلة التعافي الاقتصادي العالمي ووضع أسس متينة لمرحلة نمو قوي ومستدام ومتوازن وشامل. ففي الوقت الذي تواصل فيه المملكة دفع التحول الاقتصادي النظيف العالمي إلى الأمام، فإن الأمر يتطلب قيادة وارادة سياسية جماعية مستمرة، لتمكين التحول نحو الطاقة المتجددة من أن يحدث بسرعة كافية لتجنب نقاط التحول الجوي، التي من شأنها أن تؤدي إلى تغيير لا رجعة فيه. ويحمل الأمير الشاب الأمير محمد بن سلمان، كقيادة عصرية، وصاحب رؤية 2030، الطموحة، فكرا جيو- ستراتيجيا ونفطيا وبيئيا بهدف استدامة حياة الإنسان بيئيا ومجتمعيا، في هذا الكوكب، فضلا عن تنويع الاقتصاد عبر التقليل من الاعتماد على النفط، من خلال نظرته الثاقبة دافعا قويا لجهود التحول نحو الطاقة المتجددة، والحد من الآثار السلبية للتغير المناخي والانحباس الحراري ومحفزا للوصول إلى التنمية المستدامة. وتتمتع المملكة بمكانة وأهمية كبرى في مجموعة العشرين، وذلك بسبب ثقلها السياسي والاقتصادي، ومبادراتها الشاملة لتحقيق أهداف مجموعة العشرين، فضلاً عن دور المملكة المؤثر عالمياً في سوق الطاقة، وحرصها الدائم على أمن الطاقة العالمي وضمان استقرار أسواقها في العالم. تمكنت المملكة من توجيه دفة العالم نحو البلدان الأكثر عرضة للخطر في العالم، ودعمت أجندة سنة الرئاسة الإندونيسية لمجموعة العشرين، وذلك للوصول إلى مخرجات مهمة وفعالة للتعافي الاقتصادي العالمي، والعمل على تعزيز التعاون في القطاع الصحي، وكذلك الوصول إلى حلول فعالة لمواجهة التغير المناخي، مع ضمان أمن الطاقة واستقرارها والوصول لها بتكلفة ميسورة والقضاء على فقر الطاقة. وركزت المملكة خلال رئاستها لمجموعة العشرين على الهدف العام: "اغتنام فرص القرن الحادي والعشرين للجميع"، المتضمن ثلاثة محاور رئيسة: تمكين الإنسان: من خلال تهيئة الظروف التي تمكِّن جميع الأفراد، وبخاصة النساء والشباب، من العيش والعمل والازدهار. والحفاظ على كوكب الأرض: من خلال تعزيز الجهود التعاونية فيما يتعلق بالأمن الغذائي والمائي، والمناخ، والطاقة والبيئة، وتشكيل آفاقٍ جديدة: من خلال اعتماد إستراتيجيات جريئة وطويلة المدى لتبادل منافع الابتكار والتقدم التكنولوجي. واستضافت المملكة خلال الفترة التي سبقت عقد قمة القادة ما يزيد على 100 اجتماع ومؤتمر، شملت اجتماعات وزارية وأخرى لمسؤولين رسميين وممثلي مجموعات التواصل. وتمخضت عن القمة في قيام دول مجموعة العشرين بالتعهد بمبلغ يربو على 21 مليار دولار لسد الفجوة التمويلية في النظام الصحي العالمي وذلك بهدف دعم إنتاج وتوزيع اللقاحات والأدوات التشخيصية والعلاجية اللازمة لمكافحة الجائحة، وكذلك قيام دول المجموعة بضخ ما يزيد على 11 تريليون دولار ضمن حزمة تحفيزية لدعم الاقتصاد العالمي. وأطلقت مجموعة ال20 مبادرة تعليق مدفوعات خدمة الدَّين عن الدول الأشد فقراً، للإسهام في منح 73 دولة فقيرة حيزًا ماليًا للإنفاق على الجوانب الاجتماعية، والصحية، والاقتصادية، لمواجهة جائحة كورونا، التي مُدِّدت حتى نهاية العام 2021م، حيث استفادت 47 دولة من مبادرة تعليق مدفوعات خدمة الدين في تمديدها الأول حتى منتصف عام 2021م. اقتصاديا حققت المملكة، وفق ما جاء في تقرير آفق الاقتصاد العالمي، الصادر عن صندوق النقد الدولي الشهر الماضي (أكتوبر)، والذي أعلن فيه عن تربع المملكة على عرش دول مجموعة العشرين G20 من حيث معدل النمو خلال عام 2022، بعد تحديث الصندوق لتوقعاته السابقة الصادرة في يوليو الماضي. وفي التقرير، ثبّت صندوق النقد الدولي، توقعاته لنمو الاقتصاد السعودي خلال عام 2022 عند 7.6 %، وهي المرة الثانية على التوالي، بعد توقعات يوليو وأبريل الماضيين، وعلى خلاف توقعات يناير التي أشارت إلى نمو متوقع للناتج المحلي الإجمالي الحقيقي السعودي عند 4.8 %. كما أبقى الصندوق أيضاً على توقعاته لنمو اقتصاد السعودية لعام 2023، عند 3.7 % بحسب تقرير آفاق الاقتصاد العالمي، وهي نفس توقعاته السابقة، وأعلى من توقعات أبريل البالغة 3.6 %. ويقارن هذا مع نسبة نمو محققة للناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للمملكة عند 3.2 % خلال عام 2021.. سياسيا ستحرص المملكة في قمة العشرين على التمسك بالقضايا العربية والإسلامية الثابتة مع التأكيد على ضرورة حل الخلافات بالطرق السلمية والحوار. ودعت السعودية إلى ضبط النفس والحل السلمي للأزمة في الحرب الروسية الأوكرانية، كما عرضت التدخل كوسيط لإنهاء الحرب، وأبقت على اتصال مفتوح مع طرفي الحرب، إلى جانب نجاحها في الإفراج عن عدد من السجناء في الحرب الأوكرانية، حيث لعبت دور الوسيط وحظي التحرك الذي قاده سمو ولي العهد بإشادة عالمية. وتعي المملكة جيدا المشهد السياسي في قمة بالي يعكس تجاذبات سياسية على خلفية الحرب الروسية على أوكرانيا، بالإضافة إلى المواجهة المتزايدة بين الولاياتالمتحدة والصين، والتوترات بشأن إمدادات النفط خصوصا أن الرئيس بوتين تخلّف عن حضور القمة التي تأتي بالتزامن مع حربه على أوكرانيا التي باتت في شهرها التاسع، في حين يخضع اقتصاده لعقوبات شديدة. وأدت الحرب في أوكرانيا إلى تفاقم الانقسام بين الاقتصادات الرائدة التي تشكل مجموعة الدول السبع، بما في ذلك الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا، وما يُسمى "الجنوب العالمي"، أي الدول الأقل تقدما والتي لديها أدوات أقل لمكافحة مشكلات نقص الغذاء والطاقة، وتغير المناخ والفقر. فهناك استياء، من دول في "الجنوب العالمي" لما يرون أنه نقص في الدعم من الدول الكبرى لمواجهة هذه التحديات، وحول دفعها للالتزام بالعقوبات المفروضة على روسيا، أو فرض قيود على مشترياتها من الطاقة. وبحسب مصادر إندونيسية رفيعة تحدثت ل"الرياض" ، فإن رئيس القمة، الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو، يأمل أن يوفر التجمع فرصة لبعض أكبر القوى في العالم لتنحية خلافاتهم جانباً من أجل التركيز على معالجة التحديات العالمية الملحة، وسط تهديد الركود للاقتصاد العالمي، وبحث سبل التنمية المستدامة، لكن الغزو الروسي لأوكرانيا، إلى جانب أزمتي الطاقة والغذاء اللتين أدى إلى تفاقمهما، ألقى بظلاله على قمة مجموعة العشرين. وتضم قائمة الحاضرين لأول مرة رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز ورئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول، وثلاثة من دول مجموعة السبع: رئيس الوزراء الإيطالي جيورجيا ميلوني، ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، والمستشار الألماني أولاف شولتز. تُعدّ مجموعة العشرين (G20)، المنتدى الرئيس للتعاون الاقتصادي الدولي، وتضم قادة من جميع القارات، يمثلون دولًا متقدمة ونامية، ويمثل اقتصاد الدول الأعضاء في مجموعة العشرين مجتمعةً، نحو 80 % من الناتج الاقتصادي العالمي، وثلثي سكان العالم، وثلاثة أرباع حجم التجارة العالمية، ويجتمع ممثلو دول المجموعة لمناقشة القضايا المالية والقضايا الاجتماعية والاقتصادية. وتأسست مجموعة العشرين في عام 1999م، وكانت تُعقَد على مستوى وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية لعقد مناقشات رفيعة المستوى عن القضايا الاقتصادية والمالية، وفي أعقاب الأزمة المالية في عام 2008م، رُفِع مستوى التمثيل في المجموعة لتضم قادة الدول الأعضاء، وانعقدت قمة قادة مجموعة العشرين الأولى في واشنطن في نوفمبر 2008م، ونتيجة لذلك، وُسِّع جدول أعمال مجموعة العشرين ليتجاوز القضايا الاقتصادية والمالية ويشمل قضايا الاقتصاد الاجتماعي والقضايا التنموية. وتتناوب رئاسة مجموعة العشرين بين الدول الأعضاء كل عام، وتؤدي الرئاسة دورًا رائدًا في وضع جدول الأعمال وتنظيم قمة القادة، التي يحضرها رؤساء دول وحكومات مجموعة العشرين، ويصدر القادة إعلانًا أو بياناً يستند إلى مناقشات السياسة في الاجتماعات التي تُعقَد على مدار العام. وتأتي القمة التي تنظم تحت شعار "التعافي معا، التعافي بشكل أقوى"، وسط تحديات صعبة، ويطغى الملف الاقتصادي على جدول أعمال القمة. كما تأتي القمة، في وقت يتجه العالم نحو ركود عالمي، إذ شرعت البنوك المركزية في رفع أسعار الفائدة للحد من التضخم، لكن الأسعار ما زالت تكافح للعودة إلى مستويات ما قبل الوباء.