عادت كأس العالم ال14 العام 1990م، من جديد إلى الأراضي الإيطالية للمرة الثانية في تاريخ البطولة، لتكون البلد الثاني في استضافة نهائيات كأس العالم بعد النسخة الثانية العام 1934م. انطلقت التصفيات التمهيدية في مختلف القارات ب103 منتخبات عالمية تخوض غمار التصفيات بحثاً عن المقاعد في إيطاليا، الواصل عددها إلى حيث كأس العالم 24 منتخباً فقط، ولم يختلف شيئاً في نظام البطولة، وقسمت هذه المنتخبات إلى ست مجموعات يتأهل أول منتخبين من كل مجموعة، ويرافقهم أفضل ثلاثة منتخبات احتلوا المركز الثالث في المجموعات. منتخب المكسيك منع من المشاركة في التصفيات التمهيدية، بعد اكتشاف تلاعب اتحاد الكرة في بلاده بإشراك الحارس كبير العمر في إحدى مباريات منتخب الناشئين، وطال المنع منتخب تشيلي بسبب ادعاءات باطلة للاعبها روبيرتو روخاس بإصابته بمقذوفات من المدرجات. إيطاليا وصلت أولاً باعتبارها البلد المستضيف إلى جانبها الأرجنتين بطل النسخة الأخيرة من المونديال، وجاء منتخب الإمارات في حضوره الأول إلى جانب منتخبي كوستاريكاوإيرلندا، إضافة لوجود منتخبات النمسا، والولايات المتحدة الأميركية، وتشيكوسلوفاكيا، والكاميرون، ورومانيا، والاتحاد السوفيتي، والبرازيل، واسكتلندا، والسويد، وألمانيا الغربية، ويوغسلافيا، وكولومبيا، وشهدت البطولة ثاني تمثيل لمنتخب مصر في كؤوس العالم، ووجدت هولندا، وإنجلترا، وإسبانيا، وبلجيكا، وأوروغواي، وكوريا الجنوبية. وتشكلت مجموعات كأس العالم الستة من هذه المنتخبات، وانطلقت البطولة بمباراة بطل النسخة الأخيرة، الأرجنتين تلاقي الكاميرون المنتخب الإفريقي المغمور، لذلك كانت الغالبية العظمى من الجماهير المحتشدة في سان سيرو تهتف لمارادونا ورفاقه، في وقت استأسد به أسود الكاميرون أمام أبطال العالم، وعند الدقيقة 61 والتعادل مازال يسيطر على أجواء المباراة الافتتاحية، تعرض لاعب الكاميرون أندريه كانا بيك للبطاقة الحمراء، تنفس معها مدرب الأرجنتين كارلوس بيلاردو الصعداء، واعتقد أن منتخبه سيكون قادراً على تحقيق أول انتصاراته. تلك الاعتقادات تبددت عند الدقيقة 67، حين انطلق لاعبو الكاميرون محتفلين بهدفهم الأول بمرمى الأرجنتين، فرانسوا أومام بييك الكاميروني الذي تجرأ على زيارة شباك أبطال العالم، ولم تفلح محاولات مارادونا ورفاقه من العودة لنتيجة المباراة، حتى أعلن الفرنسي ميتشيل فاوتروت صافرة النهاية، لتنتهي المباراة بنتيجة مفاجئة وغير متوقعة على الإطلاق. الكاميرون التي حققت فوزها الأول على الأرجنتين، استطاعت أن تتأهل بالمركز الأول نحو الدور الثاني، ورافقها منتخب رومانيا بالمركز الثاني، فيما تأهلت الأرجنتين كأحد أفضل ثلاثة منتخبات، وعن المجموعة الأولى تأهلت إيطاليا وتشيكوسلوفاكيا، واحتلت البرازيل صدارة المجموعة الثالثة ورافقها منتخب كوستاريكا، وفي المجموعة الرابعة غادرت الإمارات من دون تحقيق أي انتصار، فيما تأهلت ألمانيا الغربية ويوغسلافيا بالمركزين الأول والثاني، وكولومبيا ثالثاً. ما سر الدقيقة 67؟ والحمراء تفك اللغز مونزون أول لاعب يطرد في نهائي المونديال بيكنباور يعيد كتابة تاريخه الرياضي الناصع دور ال16، جمع البرازيل والأرجنتين في مواجهة ساخنة، كانت البرازيل أقوى باعتبارها تأهلت كمركز أول، لكن الأرجنتين حتى وإن عبرت الأدوار الأولى بصعوبة بالغة، إلا أنها تبقى من المنتخبات الخبيرة في دهاليز كؤوس العالم، مضى الكثير من «كلاسيكو» أميركا الجنوبية والمنتخبان متعادلان، حتى كسرت الأرجنتين هذا التعادل بهدفها الأول والذي حمل إمضاء كلاوديو كانيجيا قبل تسع دقائق من صافرة النهاية، ليتأهل منتخب راقصي «التانغو» بفضل هذا الهدف إلى دور ربع النهائي. ونجحت تشيكوسلوفاكيا في تجاوز كوستاريكا 4 - 1 ، فيما واصل الكاميرون مفاجأته في كأس العالم وهزم كولومبيا 2 - 1 حملت الأهداف الكاميرونية إمضاء روجيه ميلا، وسقطت إسبانيا أمام يوغوسلافيا 2 - 1، وغادرت رومانيا المونديال بعد خسارتها أمام إيرلندا بركلات الترجيح 5 - 4، وتفوقت ألمانيا الغربية على هولندا 2 - 1، وأقصت إيطاليا منتخب الأوروغواي بعد هزيمته 2 - صفر، وفي الأوقات الإضافية انتصرت إنجلترا 1 - صفر على بلجيكا. في ربع النهائي، واصلت إيطاليا مسيرتها نحو النهائي المونديالي، وهزمت إيرلندا 1 - صفر، فيما واصلت الأرجنتين التأهل لمراحل متقدمة من الكأس بصعوبة، إذ تغلبت على يوغوسلافيا بركلات الترجيح، وتأهلت ألمانيا بعد هزيمتها من تشيكوسلوفاكيا 1 - صفر، وانتهت مغامرة المنتخب الكاميروني بعد مباراة ماراثونية أمام إنجلترا انتهت بفوز إنجليزي صعب 3 - 2، وشهدت المباراة احتساب ركلتي جزاء لصالح الإنجليز. في نصف نهائي البطولة، ودعت إيطاليا على حساب الأرجنتين، وفي ملعب سان باولو، كانت جماهير إيطاليا تعتاد رؤية مارادونا بقميص نابولي يجلب إليهم الفرح والبهجة، لكن الموقف اليوم بات مختلفاً، فمارادونا يدخل مدينة نابولي خصماً للطليان، وبعد أن تقدمت إيطاليا بالهدف الأول، استطاعت الأرجنتين العودة بهدف التعادل عن طريق كلاوديو كانيجيا، وبفضل ركلات الترجيح تأهلت الأرجنتين إلى المباراة النهائية. على الجانب الآخر غادرت إنجلترا قبل الوصول إلى نهائي المونديال، بعد أن استطاعت ألمانيا إقصائها بركلات الترجيح، فالمنتخب الإنجليزي عاد للمباراة بهدف التعادل عند الدقيقة 80 عبر هدافه جاري لينيكر الذي بحث عن هدف ثان لبلاده لكن الحظ وقف عائقاً أمامه، ولم يستطع أن يحل عقدة ألمانيا أمام بلاده إنجلترا، ليقول في تصريحه الشهير: «كرة القدم عبارة عن 22 لاعباً فوق أرضية الملعب، وألمانيا في نهاية الأمر هي من تنتصر». النهائي تشكل بالأرجنتين وألمانيا، سيناريو متكرر لنهائي النسخة الماضية، الأرجنتين تبحث عن تكرار إنجازها مرة أخرى، في وقت تسعى ألمانيا لرد الثأر والحاق الهزيمة براقصي «التانغو»، المكسيكي إدغاردو كوديسال ينفث هواء صدره في صفارته، ليعلن بداية النهائي فوق أرضية ملعب أولمبيكو بروما الإيطالية، مارادونا الذي يخوض هذه النسخة من دون أن يصل لجاهزية كاملة، بات محاطاً بالدفاعات الألمانية وتحركاته داخل الملعب مرصودة بشكل دقيق، عند الدقيقة 60 يغادر مدافع الأرجنتين ديزوتي بالبطاقة الحمراء، لتكمل الأرجنتين ما تبقى من عمر المباراة بنقص عددي واضح، كان ذلك دافعاً لأن تهاجم ألمانيا بكل أسلحتها بحثاً عن هدف الفوز، وقبل النهاية بخمس دقائق أعلن كوديسال ركلة جزاء لصالح ألمانيا، شكك الكثير من الرياضيين بصحتها، لكن الألماني أندرياس بريمه أودعها في شباك الأرجنتين، وبعدها بدقيقتين المكسيكي كوديسال يخرج البطاقة الحمراء في وجه الأرجنتيني بيدرو مونزون، مسجلاً مع صافرة النهاية أول حالة طرد في نهائي كأس العالم منذ انطلاقة البطولة. ألمانيا احتفلت في أرضية الملعب، بيكنباور مدرب الألمان يدخل التاريخ باعتباره حقق اللقب لاعباً ومدرباً، في الأرجنتين دموع قائد «التانغو» وأسطورته دييغو آرماندو مارادونا، هي التي بقيت عالقةً في أذهان الأرجنتينيون، إضافة لرفضه مصافحة رئيس اتحاد اللعبة الدولي جواو هافيلانج حين صعد لمنصة الملعب لاستلام الميدالية الفضية وقال بعدها: «لقد شعرنا أن هذه النتيجة ليست عادلة، إنها بسبب اليد السوداء لكوديسال والتي كانت مجرد يد تنفذ ما أراده سيده هافيلانج والذي كان حريصاً على ألا تنتصر الأرجنتين في تلك المباراة، وكان علينا أن نقبل بأن حكم المباراة هو سيد قراره وسيد الملعب وأن نرضخ للهزيمة، وبكيت لأن هافيلانج انتقم من الأرجنتين في هذا النهائي وخسرنا بفعل فاعل». أهداف البطولة بلغت 115 هدفاً، كانت ألمانيا هي الأكثر بواقع 15 هدفاً، وإيطاليا الثانية بعشرة أهداف وعلى الرغم من أن الأرجنتين هي وصيف البطل إلا أنها سجلت 5 أهداف فقط، وحصل الإيطالي سالفاتوري سكيلاتشي على هداف البطولة بعدما سجل ستة أهداف، وجاء التشيكي سلوفاكي توماس سكوهارفي ثانياً بخمسة، وعلى الرغم من بلوغه عامه ال38 إلا أن هداف الكاميرون روجيه ميلا جاء ثالثاً بتسجيله أربعة أهداف، متساوياً معه الإسباني خوسيه غونزاليس كامبو بالأهداف ذاتها.كانت البطاقات الملونة الأكثر ظهوراً في هذه النسخة، (الأصفر 164 مرة)، فيما ارتفع الكارت الأحمر 16 مرة في 52 مباراة لعبت طوال البطولة، ومنذ مباريات دور ربع النهائي حتى المباراة النهائية، لم تحسم إلا مباراتين من دون الحاجة إلى اللجوء لركلات الترجيح.