لمن لا يعرف مكاتب البريد Post Office في بريطانيا، فهي توفر العديد من الخدمات للناس هناك. فبالإضافة إلى خدمة إرسال واستقبال الطرود والرسائل، فعن طريقها بالإمكان تسديد فواتير الخدمات مثل الكهرباء والماء، ودفع مستحقات الضرائب، وصرف بعض الشيكات، وتحويل العملات، وغير ذلك. وعادة يتم تقديم كل هذه الخدمات عن طريق موظفي خدمة العملاء في مقار مكاتب البريد. أذكر قبل بضع سنوات أن مكتب البريد الرئيسي في مدينة نوتنجهام قام بشكل مفاجئ بتجهيز عدد من آلات الخدمة الذاتية، وذلك من باب إدخال التقنية لدعم الخدمات هناك. وصار لزاماً على الناس استخدام إحدى هذه الأجهزة لقضاء مصالحهم خصوصا مع تقليل عدد موظفي خدمة العملاء. بصراحة، أنا شخصيا واجهت صعوبة في التعامل مع جهاز الخدمة الذاتية هذا، وتعطّل الجهاز أكثر مرة عند محاولة الدفع. ورأيت الكثيرين غيري يتقدمون باعتراضهم على هذا التحوّل المفاجئ الذي عطّلهم وأخّر إنجاز طلباتهم. ولم يمر أسبوع حتى تم إيقاف هذه الأجهزة، وإرجاع موظفي خدمة العملاء إلى عددهم السابق. الغرض من هذه القصة هو إبراز الركن الأهم في قضية التحول الرقمي، والذي يُعنى أولاً بإيجاد هدف لهذا التحول وهو إضافة قيمة وفائدة جديدة، على سبيل المثال تحسين جودة الخدمة، أو تسريعها، أو جعلها متوفرة على مدار الساعة. ومن بعد ذلك، الركن الثاني هو تسخير القنوات الرقمية لتحقيق هذا الهدف. وهذا يعني أن حصر الهدف في مجرد استخدام التقنية فقط دون فائدة تُضاف ليس من التحول الرقمي أبدا، بل قد يكون إعاقة رقمية كما حصل في قصة مكتب البريد. وبشكل عام، فأي مشروع تقني يمر بمراحل عدة، منها مرحلة التجربة والاختبار UAT التي يُعرف منها رأي المستخدمين وملاحظاتهم حتى يتم التعامل معها بشكل مبكّر. وتلي ذلك مرحلة توعية Awareness وتنبيه المستخدمين عن التغيير القادم، وبعدها المرحلة الأخيرة وهي نشر المنتج للاستخدام العام بين الناس. وعلى ضوء هذه المراحل الثلاثة، وحتى تكون للقصة نهاية سعيدة، بعد عدة أسابيع قامت الشركة التقنية المسئولة عن أجهزة الخدمة الذاتية في مكتب البريد باستقصاء ملاحظات الناس ورصد مقترحاتهم. كما قامت بتخصيص موظف بجانب كل جهاز لتوضيح طريقة عمله والإجابة عن الاستفسارات. ومع مرور الوقت تم تطوير وزيادة عدد أجهزة الخدمة الذاتية بشكل تدريجي. ولم تنتهِ تلك السنة إلا وقد زاد عدد مستخدميها بشكل كبير نظرا لسهولة الاستخدام وسرعة تقديم الخدمة، وبذلك يمكن القول إن الهدف من مواكبة التحول الرقمي قد تحقق أخيراً في مكتب البريد.