الكتاب هذا العالم الصامت الذي يختزنه غلافان من الورق كان وما زال يشكل رغيفا للإنسان الذي يشبع العقل البشري، وينمي الخيال المعرفي، ويبني الفكر الإبداعي، فهو الوعاء الذي تقدم فيه الثقافة وما تحتويه من ثروات فكرية ومعلومات ثرية.. بل خزان المعارف والحكم، وهو الباب المفتوح على عالم المعرفة، والجليس الأنيس عندما تضيق الدنيا ونعم المعلم والرفيق الغني والصديق الثري. ولأهمية الكتاب على مائدة العلماء والأدباء والمفكرين والمثقفين فقد تفنن الأديب الكبير الجاحظ في وصف الكتاب.. وهو الذي كان مولعا منذ نعومة أظفاره بحب القراءة والمطالعة، وعاش ومات وسط الكتب التي قام بتأليفها وتجاوزت 300 مؤلف في التاريخ والأدب والفلسفة، والاجتماع، وعلم الكلام، والأخلاق والحيوان وموضوعات متنوعة -كما ذُكر في سيرته - فقد وصف الكتاب بالصاحب والجار والمعلم.. وقارن الجاحظ بسعة إطلاعه وأفقه الواسع وثقافته الهائلة.. بين الكتاب وبين الصديق ولعل ما لم يجُده في الصديق من الخصال الحميدة والسمات الإيجابية وجدُه في خير جليس (الكتاب)..! . كما وصفه وصفا لم يضاهيه أحد في زمانه ونبع هذا الوصف من حبه للكتاب وللاطلاع الواسع في بطون الكتب بالذات التاريخية والثقافية فقال عن الكتاب: "هو الجليس الذي لا يطريك، والصديق الذي لا يغريك، والرفيق الذي لا يملّك، والصاحب الذي لا يريد استخراج ماعندك بالملق، ولا يعاملك بالمكر ولا يخدعك بالنفاق، ولا يحتُال لك بكذب.". كما قال إمام الأدباء في العصر العباسي (الجاحظ)عن الكتاب "يفيدك ولا يستفيد منك، إن جّد فعبرة، وإن مزح فنزهة".. وهذا غيض من فيض ماقاله الجاحظ في الكتاب. الذي يعد بالنسبة له كنزا لا ينفذ وعطاءً لا ينضب..! ولا شك أن "معرض الرياض الدولي للكتاب 2022" الذي يقام بشكل سنوي في العاصمة الرياض.. يعد إحدى مبادرات وزارة الثقافة، ومنصة تظاهرية ثقافية اقليمية ودولية رائدة في مجال صناعة الكتاب ونشر الفكر والأدب، والترجمة، وتنمية شغف القراءة في المجتمع، وزيادة الوعي المعرفي والأدبي والفني، وتعزيز قيم حوار الثقافات والمعارف، خاصة أن الثقافة أضحت اليوم تمثل أحد أهم روافد (القوة الناعمة) للمجتمعات المتحضرة، وتمثل معارض الكتاب أحد المسارات الثقافية المهمة التي تساهم في تحقيق هذا الهدف، من خلال تحويلها إلى منصة للحوار والتعاون بين منتجي المعرفة من مختلف الدول في العالم، والتعرف على ثقافات بعضهم البعض، لذلك نجد أن للقوة الناعمة أنماطا ذكية وبالتالي يبرز استخدامها وتتعدد أشكالها في العلاقات الدولية: ومنها القوة الاقتصادية والقوة الثقافية. وبالطبع فإن معرض الرياض الدولي للكتاب 2022 وسط مشاركة (1200) دار نشر ودور بالوكالة تمثل (32 )دولة.. يصاحبه الكثير من الفعاليات التنويرية والبرامج الثقافية التي تستهدف كافة شرائح المجتمع وتشكل بذات الوقت نافذة ثقافية يتعرف العالم من خلالها على الثقافة السعودية الأصيلة. والأكيد أن وزارة الثقافة بهذه المبادرة الحضارية تشجع على القراءة والاهتمام بالكتاب المطبوع أساسا وتقدم ما هو متاح من تسهيلات ومبادرات محفزة حتى يصل الكتاب إلى أكبر عدد من الناس من خلال رفع سقف الوعي بحب القراءة والاطلاع الواسع في حضرة خير جليس (الكتاب)، ونتمنى أن نشاهد مبادرات تنويرية أخرى مثل: إطلاق مبادرة (مارثون القراءة) لتحفيز أفراد المجتمع على استغلال الأوقات بتنمية الحصيلة المعرفية واللغوية والثقافية من بوابة القراءة. وتعزيز حُب الاستطلاع واكتساب المعلومات التي تساهم -ميكانيكيا- على بناء جيل متعلم.. قادر على تحمل المسئولية، واتخاذ القرارات مستقبلا.. بوعي وثقافة عالية تنسجم مع تحديات العصر، وتحقق رؤية مملكتنا الحبيبة (2030 ) للعلوم والثقافة. *باحث اجتماعي