الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    نائب وزير الخارجية يفتتح القسم القنصلي بسفارة المملكة في السودان    القبض على ثلاثة مقيمين لترويجهم مادتي الامفيتامين والميثامفيتامين المخدرتين بتبوك    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    تنفيذ حكم القتل بحق مواطنيْن بتهم الخيانة والانضمام لكيانات إرهابية    طقس بارد إلى شديد البرودة على معظم مناطق المملكة    أسمنت المنطقة الجنوبية توقع شراكة مع الهيئة الملكية وصلب ستيل لتعزيز التكامل الصناعي في جازان    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    استشهاد أربعة فلسطينيين في غارة إسرائيلية على منزل وسط قطاع غزة    "مجدٍ مباري" احتفاءً بمرور 200 عام على تأسيس الدولة السعودية الثانية    إقبال جماهيري كبير في اليوم الثالث من ملتقى القراءة الدولي    رينارد: مواجهة البحرين صعبة.. وهدفنا الكأس الخليجية    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    200 فرصة في استثمر بالمدينة    «العالم الإسلامي»: ندين عملية الدهس في ألمانيا.. ونتضامن مع ذوي الضحايا    إصابة 14 شخصاً في تل أبيب جراء صاروخ أطلق من اليمن    «عكاظ» تنشر توصيات اجتماع النواب العموم العرب في نيوم    «الأرصاد»: طقس «الشمالية» 4 تحت الصفر.. وثلوج على «اللوز»    ضبط 20,159 وافداً مخالفاً وترحيل 9,461    التعادل يسيطر على مباريات الجولة الأولى في «خليجي 26»    سفارة السعودية بواشنطن تحتفي باليوم العالمي للغة العربية    «كنوز السعودية».. رحلة ثقافية تعيد تعريف الهوية الإعلامية للمملكة    وفد «هارفارد» يستكشف «جدة التاريخية»    حوار ثقافي سعودي عراقي في المجال الموسيقي    ضيوف برنامج خادم الحرمين يزورون مجمع طباعة المصحف الشريف    مدرب البحرين: رينارد مختلف عن مانشيني    فتيات الشباب يتربعن على قمة التايكوندو    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    هل يجوز البيع بسعرين ؟!    12 مليون زائر يشهدون أحداثاً استثنائية في «موسم الرياض»    رأس وفد المملكة في "ورشة العمل رفيعة المستوى".. وزير التجارة: تبنّى العالم المتزايد للرقمنة أحدث تحولاً في موثوقية التجارة    ضبط (20159) مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    الإستثمار في الفرد والمجتمع والوطن    وزير الطاقة وثقافة الاعتذار للمستهلك    مدرب الكويت: عانينا من سوء الحظ    سمو ولي العهد يطمئن على صحة ملك المغرب    التعادل الإيجابي يحسم مواجهة الكويت وعُمان في افتتاح خليجي 26    معرض وزارة الداخلية (واحة الأمن).. مسيرة أمن وازدهار وجودة حياة لكل الوطن    رحلة إبداعية    «موسم الدرعية».. احتفاء بالتاريخ والثقافة والفنون    «يوتيوب» تكافح العناوين المضللة لمقاطع الفيديو    لمحات من حروب الإسلام    السعودية أيقونة العطاء والتضامن الإنساني في العالم    الحربان العالميتان.. !    رواية الحرب الخفيّة ضد السعوديين والسعودية    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    المؤتمر الإعلامي الثاني للتصلب المتعدد: تعزيز التوعية وتكامل الجهود    وصول طلائع الدفعة الثانية من ضيوف الملك للمدينة المنورة    أمير القصيم يرعى انطلاق ملتقى المكتبات    محمد بن ناصر يفتتح شاطئ ملكية جازان    ضيوف خادم الحرمين يشيدون بعناية المملكة بكتاب الله طباعة ونشرًا وتعليمًا    المركز الوطني للعمليات الأمنية يواصل استقباله زوار معرض (واحة الأمن)    الأمر بالمعروف في جازان تفعِّل المعرض التوعوي "ولاء" بالكلية التقنية    شيخ شمل قبائل الحسيني والنجوع يهنى القيادة الرشيدة بمناسبة افتتاح كورنيش الهيئة الملكية في بيش    الأمير محمد بن ناصر يفتتح شاطئ الهيئة الملكية بمدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية    السيسي: الاعتداءات تهدد وحدة وسيادة سورية    رئيس الوزراء العراقي يغادر العُلا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الطاقة النووية في المملكة: الأبعاد الاستراتيجية والتنافس العالمي

حدث تطوّر هائل في التقنيّة النووية خلال العقود الأربعة الماضية، وأصبحت العلوم النووية أساسًا في الأبحاث الطبية والزراعية والصناعية، ويُعوَّل على الطاقة النوويّة أن تصبح أعظم مصادر الطاقة في العالم بالنسبة للإضاءة والتسخين وتشغيل المصانع وتسيير السفن وكثير من مجالات الحياة من ناحية أخرى، يخاف العالم من الطاقة النوويّة، لأنّها تُستخدَم أيضًا في صنع أعظم القنابل والأسلحة تدميرًا، كما أنّ بعض نتائج عمليّة الانشطار تكون سامّة للغاية.
وتتعاظم أهمية امتلاك الطاقة النووية في ظلّ سير مصادر الطاقة نحو الإنضاب بسبب الاستنزاف العارم الذي تتعرّض له هذه المصادر نتيجة الاعتماد عليها في مجالات الحياة اليومية كلّها، حيث بات من الضروري البحث عن مصدر آخر لها، فأصبح أمر تطويع الطاقة النووية للاستعمالات السلمية يشكّل طموحًا لدول العالم لمواجهة أزمة الطاقة المرتقبة خلال العقود المقبلة، والتفكير في غد متعدد المصادر بعيداً عن دخل يعتمد على السلعة الواحدة مما يضع مستقبل الدول والميزانيات في يد سوق متقلب يعتمد على عرض وطلب أكثر من اعتماده على خطط منهجية واستراتيجيات واضحة. هذا التوجه الحقيقي نحو الطاقة النووية كمصدر مستقبلي يعول عليه دفع المملكة للتفكير في بناء مستقبلها بالطريقة التي تتوازى فيها معطيات الحاضر ومتطلبات الغد، فالحاضر يؤكد أن كميات استهلاك المملكة للوقود الأحفوري لتوليد الطاقة وصلت إلى حوالي مليوني برميل نفط باليوم، في حين بلغت تكلفة وقود النفط ومشتقاته والغاز الطبيعي المستخدم في توليد الطاقة بالمملكة حوالي 200 مليار ريال سنوياً، إضافة إلى امتلاك المملكة ما يقارب من 5 إلى 7 % من مخزون اليورانيوم في العالم، حيث تعد موارد طبيعية يحق للمملكة استخدامها في ما يناسب الاستخدامات العملية لخططها. كل تلك الأرقام دعت المملكة إلى التفكير في البدء باستخدام مصادر بديلة ومستدامة وموثوقة لتوليد الكهرباء وإنتاج المياه المحلاة، إضافة إلى استخداماتها في بعض المجالات الطبية.
المبحث الأول: الطاقة النووية في العالم
بلغ عدد مفاعلات القوى النووية العاملة حول العالم حتى عام 2020م، 441 مفاعلاً، ويُضاف إليها أربعة مفاعلات نووية عاملة في تايوان ليصبح العدد الإجمالي (445) مفاعلاً (الوكالة الدولية للطاقة الذرية،2020م).
أ- توزع المفاعلات النووية العاملة في العالم حسب المناطق
توزعت المفاعلات النووية في العالم بواقع 114 مفاعلاً في أمريكيا الشمالية، و109 مفاعلات في آسيا والشرق الأقصى، و108 مفاعلات في أوروبا الغربية، و73 مفاعلاً في أوروبا الوسطى والشرقية، و28 مفاعلاً في آسيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا، و7 مفاعلات في أمريكا اللاتينية، ومفاعلان اثنان فقط في قارة أفريقيا (الوكالة الدولية للطاقة الذرية،2020م، مرجع سابق).
يظهر الشكل رقم (1) أن قارة أمريكا الشمالية تأتي في المرتبة الأولى بين مناطق العالم من حيث الاعتماد على الطاقة النووية السلمية في عدد من مجالات الحياة، ب(114) مفاعلاً، حيث يوجد (95) مفاعلاً في الولايات المتحدة الأمريكية، و(19) مفاعلاً في كندا، بينما لا تمتلك بقية دول قارة أمريكا الشمالية أي مفاعل نووي للاستخدامات السلمية. وأتت قارة أفريقيا في المرتبة الأخيرة بين مناطق العالم من حيث عدد المفاعلات النووية ذات الاستخدام السلمي بمفاعلين نوويين فقط. تمتلكهما دولة جنوب أفريقيا. وهذا الانخفاض في عدد المفاعلات النووية في قارة أفريقيا يعود إلى ضعف الإمكانات المادية والتقنية في عموم الدول الأفريقية حيث إن بناء المفاعل النووي يتطلب تكلفة مالية وتقنية عالية، لكن هناك عددا من الدول الأفريقية بدأت بالاتجاه نحو بناء المفاعلات النووية السلمية مثل مصر والجزائر.
وتقدر قدرة المفاعلات النووية العاملة في العالم، البالغ عددها (441) مفاعلاً، على توليد الكهرباء ب(389979) ميغاواط. ويضاف إليها (3844) ميغاواط تنتجها المفاعلات التايوانية الأربعة، فيصبح إجمالي السعة الكهربائية الصافية ل(445) مفاعلاً نووياً في مختلف مناطق العالم هو (393823) ميغاواط. ويوضح الجدول رقم (1) إجمالي قدرة المفاعلات النووية العاملة في العالم، والبالغ عددها (441) مفاعلاً، على إنتاج الطاقة الكهربائية (الوكالة الدولية للطاقة الذرية،2020م، مرجع سابق).
يظهر الجدول رقم (1) تفوق قارة أمريكا الشمالية على بقية دول العالم في توليد الطاقة الكهربائية من المفاعلات النووية البالغ عددها (114) مفاعلاً نووياً بطاقة إنتاجية تقدر ب(110525) ميغاواط، تليها منطقة أوروبا الغربية بطاقة كهربائية تقدر ب(106298) ميغاواط من خلال (108) مفاعلات نووية، متقدمة على منطقة آسيا والشرق الأقصى التي تمتلك طاقة كهربائية تقدر ب(104213) ميغاواط تنتجها من خلال (109) مفاعلات نووية، وهذا يعود لنوع وطاقة المفاعلات النووية المستخدمة في أوروبا الغربية التي تعتمد في غالبها على مفاعلات مهدأة ومبردة بالماء الخفيف، بخلاف منطقة آسيا والشرق الأقصى، وبخاصة الصين التي تعتمد على مفاعلات مهدأة ومبردة بالماء الثقيل إلى جانب أنواع أخرى من المفاعلات النووية. وأتت قارة أفريقيا في المرتبة الأخيرة بين مناطق العالم في توليد الطاقة الكهربائية المقدرة ب(1860) ميغاواط، وهي التي ينتجها المفاعلان النووية في دولة جنوب أفريقيا(الوكالة الدولية للطاقة الذرية، 2020م، مرجع سابق).
ب- توزع المفاعلات النووية العاملة وتحت التشييد في العالم حسب الدول:
بلغ عدد الدول المالكة للمفاعلات النووية العاملة في العالم (30) دولة، حسب إحصائيات الوكالة الدولية للطاقة الذرية لعام 2020م، كما هو موضح في الشكل رقم (2).
ويظهر الشكل رقم (2) أن الولايات المتحدة الأمريكية تأتي في المرتبة الأولى ضمن قائمة الدول المالكة للمفاعلات النووية في العالم ب(95) مفاعلاً نووياً أغلبها من نوع (PWR) المهدأة والمبردة بالماء الخفيف، وبطاقة إنتاجية للكهرباء تقدر ب(96971) ميغاواط.
إلى جانب المفاعلات النووية العاملة في العالم والبالغ عددها (441) مفاعلاً، هناك (54) مفاعلاً قيد التشييد، منها (11) مفاعلاً في الصين، و(7) مفاعلات في الهند)، و(4) مفاعلات في كل من كوريا الجنوبية، وروسيا، والإمارات العربية المتحدة، ومفاعلان اثنان في كل من بنغلادش، وبيلاروسيا، واليابان، وباكستان، وسلوفينيا، وأوكرانيا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية، ومفاعل واحد في كل من الأرجنتين، والبرازيل، وفنلندا، وفرنسا، وإيران، وتركيا. كما هو موضح في الشكل رقم (4). وهناك أربعة مفاعلات نووية قيد التشييد في تايوان، لكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تحرص على عدم إدراج الإحصائيات النووية الخاصة بتايوان ضمن الإحصائيات الرسمية للوكالة نظراً لمعارضة الصين، وإنما تكتفي بالإشارة إليها. ويقدر إجمالي قدرة المفاعلات النووية قيد التشييد، والبالغ عددها 54 مفاعلاً، على توليد الطاقة الكهربائية ب(60041) ميغاواط (الوكالة الدولية للطاقة الذرية، 2020م، مرجع سابق).
يبين الشكل رقم (3) أن الصين تأتي في المرتبة الأولى ضمن قائمة الدول التي تمتلك مفاعلات نووية قيد التشييد خلال العام 2020م ب(11) مفاعلاً نووياً، وبطاقة توليد كهربائية تقدر ب(10564) ميغاواط. وتمتلك الصين إلى جانب هذه المفاعلات الأحد العشر (48) مفاعلاً عاملاً، وهي تأتي بعد الولايات المتحدة الأمريكية التي تمتلك (95) مفاعلاً عاملاً، وبعد فرنسا التي تمتلك (57) مفاعلاً عاملاً، ويبلغ إجمالي السعة الكهربائية الصافية التي تولدها المفاعلات النووية الصينية (348357.00) ميغاواط، أي مايعادل 4.88 % من إجمالي حاجة الصين للطاقة الكهربائية. كما يظهر الشكل أن دولة الإمارات العربية المتحدة هي الدولة العربية الوحيدة المدرجة ضمن إحصائيات المنظمة الدولية للطاقة الذرية للدول التي تمتلك مفاعلات نووية قيد التشيد، وعددها أربعة مفاعلات من نوع (PWR) المهدأة والمبردة بالماء الخفيف وبسعة كهربائية إجمالية تقدر ب(5600) ميغاواط.
رؤية 2030 تستشرف مستقبلنا النووي
المبحث الثاني: مزودو التكنولوجيا النووية
في العالم وتنافسهم في الشرق الأوسط.
تعد الدول المالكة للمفاعلات النووية العاملة في العالم، والبالغ عددها (30) دولة أهم الدول المالكة للتكنولوجيا النووية في العالم، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والصين وروسيا وكوريا الجنوبية واليابان وكندا والمملكة المتحدة والهند. وتنظر هذه القوى النووية إلى الشرق الأوسط باعتباره سوقًا كبيرة لبناء مفاعلات نووية جديدة. ومن جهة التزويد هناك عدة خيارات من التكنولوجيا النووية المتاحة للانتشار في الشرق الأوسط. وتأتي (Rosatom) الشركة المملوكة من قبل الدولة الروسية في مقدمة الشركات العالمية العاملة في مجال الصناعة النووية مع تكنولوجيا المفاعلات النووية بالماء الخفيف (VVER) وبالإضافة إلى بناء وتزويد مفاعل بوشهر الإيراني بالوقود، وقعت (Rosatom) اتفاقات مع تركيا لبناء أربعة مفاعلات VVER بطاقة 1200 ميغاوات في موقع (Akkuyu). كما أنها دخلت في مرحلة متقدمة من المفاوضات مع الأردن لبناء أول محطة طاقة نووية مع توقيع الاتفاقيات حول تطوير المشروع. وفي نوفمبر عام 2015 م، وقعت روسيا ومصر اتفاقًا لبناء أول محطة طاقة نووية مصرية في موقع الضبعة. إن نجاح (Rosatom) يستند بشكل رئيسي إلى استفادتها من نموذج (Build-Own-Operate (BOO كنموذج لأعمالها، وهو نموذج يهدف إلى تسهيل الحصول على الطاقة النووية لدول قادمة حديثًا لهذا القطاع بدون بنية تحتية ومالية وبشرية ملائمة. وفي منطقة الخليج العربي وقع الخيار على تكنولوجيا APR-1400 الكورية الجنوبية من قبل الإمارات العربية المتحدة. وجاء ذلك كتفضيل بين عدة بائعين من فرنسا واليابان والولايات المتحدة بالاستناد إلى كون تلك التكنولوجيا أكثر مرونة في ملاقاة متطلبات العرض الإماراتي (أحمد، 2018م، ص186،187).
المبحث الثالث: الاستخدامات السلمية للطاقة
تزود الطاقة النوويّة دول العالم بأكثر من 16 % من الطاقة الكهربائيّة، فهي تمدّ 35 % من احتياجات دول الإتحاد الأوروبي. وتحصل اليابان على 30 % من احتياجاتها من الكهرباء من الطاقة النوويّة، بينما تعتمد بلجيكا وبلغاريا والمجر وسلوفاكيا وكوريا الجنوبية والسويد وسويسرا وأوكرانيا على الطاقة النوويّة لتزويد ثلث احتياجاتها من الطاقة، لأن كمية الوقود النوويّ المطلوبة لتوليد كميّة كبيرة من الطاقة الكهربائية أقلّ بكثير من كمية الفحم أو البترول اللازمة لتوليد الكميّة نفسها. فطنٌّ واحد من اليورانيوم يقوم بتوليد طاقة كهربائية أكبر بملايين من براميل البترول أو ملايين الأطنان من الفحم.
تنافس استثماري بين شركات التكنولوجيا النووية العالمية على مشروع المملكة للطاقة النووية
وتشغل المحطّات النوويّة لتوليد الطاقة مساحات صغيرة نسبيًا من الأراضي بالمقارنة مع محطّات التوليد التي تعتمد على الطاقة الشمسيّة، فقد أكّدت اللجنة التنظيميّة للمفاعلات النوويّة على أننا بحاجة إلى حقل شمسي بمساحةٍ تزيد عن 35 ألف فدّان لإنشاء محطّة تُدار بالطاقة الشمسيّة لتوليد طاقة تعادل ما تولّده المحطّة النوويّة بمقدار 1000 ميغاواط (التقرير السنوي للوكالة الدولية للطاقة الذرية لعام 2018م).
وتؤدي مفاعلات البحوث العاملة، البالغ عددها 252 مفاعلاً في 55 بلداً دوراً مهماً في دعم قطاعات الطب والصناعة والتعليم والقوى النووية. وهناك مفاعلات بحوث جديدة قيد التشييد في سبعة بلدان في حين تخطط عدة بلدان أخرى لتشييد مفاعلات بحوث جديدة أو تفكر في ذلك. وحتى اليوم هناك (99) مفاعل بحوث و(4) مرافق لإنتاج النظائر الطبية إما تم تحويلها من استخدام اليورانيوم الشديد الإثراء إلى اليورانيوم الضعيف الإثراء أو تأكيد أنها في حالة إغلاق.
ويعد التصوير الإشعاعي بالميونات هو تقنية ناشئة تستخدم الإشعاعات الأساسية الموجودة في الطبيعة على شكل ميونات الأشعة الكونية. وتنطوي ميونات الأشعة الكونية على مستوى من الطاقة يفوق الأشعة السينية النمطية بنحو (10000) ضعف، ومن ثم يكون بوسعها أن تخترق الهياكل حتى الكبيرة الحجم منها دون أن تخلف جرعة إشعاعية تتجاوز مستويات الإشعاعات الأساسية الطبيعية. ويمكن استخدام تقنيات التصوير الإشعاعي بالميونات كأداة غير متلِفة لدراسة سلامة هياكل مدنية بأكملها مثل المباني والجسور والأنفاق. ويمكن أيضاً تطبيق هذه التقنيات في مجالي علوم الأرض وعلم الآثار، وكذلك في ميداني الأمان والأمن النوويين والتصرف في النفايات المشعة.
وتخضع ملايين النساء كل عام للفحص الطبي للكشف عن سرطان الثدي عن طريق التصوير الإشعاعي للثدي باستخدام جرعة منخفضة من الأشعة السينية. ومن الضروري إعطاء أقل جرعة ممكنة مع ضمان أفضل مستوى ممكن من جودة الصورة لجميع أنواع الأثداء وعلى اختلاف تركيبتها. ومن أجل تحقيق ذلك تستخدم الوحدات الحديثة التي توفر التصوير الإشعاعي للثدي طائفة واسعة من طاقات الحزم. وتساعد مختبرات المعايير الثانوية لقياس الجرعات المستشفيات على ضمان أن تكون الجرعات التي تعطيها مستندة إلى المعايير الدولية المتفق عليها. وتحتاج معدات قياس الجرعات إلى المعايرة بانتظام. وبغية قياس الجرعات بدقة يوصى باستخدام غرف تأيُّن عالية الجودة تحافظ على ثبات استجابتها على نطاق طاقات الحزم المختلفة الموجودة في العيادات.
وتنطوي الجراحة الموجهة بالأشعة فيما يخص السرطانات النسائية على إمكانية تقليل مستويات الاعتلال في الأجلين القصير والطويل بالمقارنة باستئصال العقدة اللمفاوية بالكامل. وتؤدي العقد اللمفاوية الخافرة دوراً أساسياً في عملية انتقال السرطان من عضو إلى آخر (النقائل السرطانية)، ومن ثمَّ فإنَّ تحديد أماكنها وأخذ الخزعات منها من الجوانب المحورية في كثير من علاجات السرطان. ويُعدُّ أخذ الخزعات من العقد اللمفاوية الخافرة الأسلوب الوحيد الموثوق لفحص العقد اللمفاوية في مرحلة النقائل السرطانية المجهرية. والتطور الأهم في مجال الجراحة الموجهة بالأشعة فيما يتعلق بعلاج السرطانات النسائية هو بدء العمل في غرف العمليات بأجهزة مثل كاميرات أشعة (غاما) المحمولة.
وتشكل عملية تشعيع الأغذية جزءاً مهماً من مرحلة مابعد الإنتاج، إذ تضمن خلو الأغذية من المكروبات التي تسبب التسمم الغذائي أو الآفات أو الكائنات الدقيقة المتلفة للأغذية، ومن ثم تُطيل عمر صلاحية تخزينها. وتقلص التكنولوجيا حجم الأجهزة التي تولد حزم الإلكترونات والأشعة السينية. وتشير التطورات الأخيرة في مجال التشعيع بالمصادر الآلية إلى أنه قد يمكن في المستقبل تركيب وحدات التشعيع في خطوط تعبئة الأغذية بسهولة أكبر.
وتتطلب الخسائر الكبيرة في المحاصيل من جراء تغير المناخ استحداث خطوط استيلاد ابتكارية من أجل ضمان الأمن الغذائي العالمي. ويشكل مزيج التقنيات الذي يجمع بين كل من الاستيلاد الطفري للنباتات والانتقاء بمساعدة «الواسمات» والأساليب الغزيرة الإنتاجية في تحديد الأنماط الظاهرية وصفة ناجعة لتحقيق التكيف السريع للنباتات مع تغير المناخ. ويتم الأخذ بعمليات لإدارة تسلسل سير العمل بما يكفل الفعالية من حيث التكلفة في تحديد الطفرات المستحدثة التي تنتج أنماطاً ظاهرية بعينها.
وتتوقع الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن يرتفع الطلب العالمي على الأغذية ذات المنشأ الحيواني بنسبة (60 % إلى 70 %) بحلول عام 2050 وحتى تتمكن صناعة الثروة الحيوانية من تلبية هذا الطلب سوف تحتاج إلى تكثيف مالديها من نظم الإنتاج بالاستعانة بالتكنولوجيا. وسيتعين مضاعفة إمكانية الوصول إلى إمدادات العلف والكلأ والمراعي الجيدة. ويمكن عن طريق تطبيق التكنولوجيا النظيرية والنووية تطبيقاً ابتكارياً المساهمة في تكوين مجموعة بيانات عن طريق مقدار الغذاء الذي تحصل عليه الحيوانات من العلف والنظم الغذائية التي تختارها ومقدار المغذيات في الحشائش التي تتغذى عليها، بحيث يُسترشد بهذه النباتات في وضع استراتيجيات ملائمة لإدارة التغذي على العلف والرعي. ويمكن للدراسات بشأن المغذيات الدقيقة أن توفر الأساس لتحديد المكملات الغذائية من المعادن اللازمة لتحقيق أفضل مستوى ممكن من صحة الحيوانات وإنتاجها (الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تقرير عام 2019م.)
المبحث الرابع: استشراف المملكة لمستقبل الطاقة النووية السلمية
بدأت أولى خطوات نحو الطاقة النووية السلمية في عام 2009م، عندما صدر مرسوم ملكي جاء فيه أن «تطوير الطاقة الذرية يعد أمراً أساسياً لتلبية المتطلبات المتزايدة للمملكة للحصول على الطاقة اللازمة لتوليد الكهرباء وإنتاج المياه المحلاة وتقليل الاعتماد على استهلاك الموارد الهيدروكربونية»، هذه الخطوة كانت بداية الإعلان الرسمي لسعي المملكة في الحصول على «طاقة نووية» سلمية تبعها الإعلان عن إنشاء مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة في 2010م والتي تهدف إلى بناء مستقبل مستدام للمملكة من خلال إدراج مصادر الطاقة الذرية والمتجددة ضمن منظومة الطاقة المحلية.
وجاءت رؤية (2030) لتضع إستراتيجية واضحة للتطبيقات النووية السلمية، وإنتاج الطاقة الكهربائية من مصادر أخري غير البترول، وأحد تلك المصادر الطاقة النووية. فقد وافق مجلس الوزراء في 13 مارس 2018م، على إنشاء المشروع الوطني للطاقة الذرية، الذي يهدف إلى دخول المملكة العربية السعودية المجال النووي السلمي، إذ توفر الطاقة النووية للمملكة فرصة تطوير مصدر آمن وفاعل وموثوق به، وصديق للبيئة، ويسهم أيضاً في إستراتيجية تنويع مصادر الطاقة في الدولة، مما يضمن تحقيق مستقبل آمن ومستديم للطاقة. كما صدر أمر سامي بإنشاء «المركز الوطني للرقابة النووية والإشعاع»، الذي يشرف على جميع الأنشطة ذات العلاقة بالإشعاع والمواد المشعة في المملكة العربية السعودية.
ومن أهم فوائد الطاقة الذرية إسهامها في تزايد فرص العمل عالية المستوى، وتأسيس الكفاءات التقنية النووية وتهيئة الشباب السعودي ليصبح قيادياً متمكناً خلال الأعوام القادمة، بالإضافة لذلك فإن الطاقة الذرية ستسهم بتطور هائل في مجال الصناعة للمستقبل ويتضمن ذلك تطوير الهندسة الذرية والأبحاث المتقدمة وتقنية المفاعلات النووية وبحوث دورة الوقود وتطويرها، وستسهم في تطوير العديد من المجالات الأخرى، كالطب والزراعة والمعادن وتحلية المياه (مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية المتجددة، 2020م).
المملكة من حقّها امتلاك أسلحة نووية حال أقدمت طهران على امتلاكها
المبحث الخامس: الأبعاد الاستراتيجية لمشروع الطاقة النووية في المملكة.
تخطط المملكة لامتلاك قدرة نووية سلمية تقدر ب (17.6) جيغاواط من خلال 16 مفاعلاً نووياً بحلول العام 2032م، وبتكلفة مالية تناهز 80 مليار دولار. ليكون أكبر مشروع للطاقة النووية السلمية على مستوى الشرق الأوسط (صحيفة العرب، 2019م).
وتتجلى أهمية هذا المشروع الاستراتيجي من خلال ماينطوي عليه من أبعاد استراتيجية في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية والأمنية التي يمكن توضيحها على النحو الآتي:
أ- البعد الاقتصادي.يتمثل هذا البعد في المكاسب الاقتصادية التي سيحققها مشروع الطاقة النووية والتي تناولتها التقارير الدولية من أوجه مختلفة، حيث أشارت مجلة «ذا بوليتن» الأمريكية إلى مذكرة التفاهم الأمريكية السعودية في مايو 2008م التي وافقت بموجبها الولايات المتحدة على مساعدة المملكة لتطوير الطاقة النووية لاستخدامها في الطب والصناعة وتوليد الطاقة، كما نقلت المجلة تصريح وزير الطاقة السعودي أنه لن نحرم أنفسنا من الوصول إلى مواردنا الطبيعية ونعمل على توطين الصناعة باعتبار أن المملكة لديها موارد يورانيوم كبيرة ومحافظة. كما ذكر معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى أن المملكة في سعيها لامتلاك الطاقة النووية لها ما يبررها فيما يتعلق بتحرير مزيد من النفط للتصدير وتوفير قاعدة لتوليد الطاقة الكهربائية التي لا يمكن الحصول عليها بواسطة الطاقة الشمسية، ويأتي توجهها نحو الطاقة النووية استجابة لرؤيتها الاستراتيجية 2030 ذات التحولات الاقتصادية والاجتماعية. كما أشارت صحيفة وول ستريت جورنال إلى توجه المملكة نحو الطاقة النووية بغرض تنويع مصادر الوقود لديها من خلال تصدير مزيد من النفط بدلا من حرقه للحصول على الطاقة، فمشروع الطاقة النووية حال اكتماله ببناء 16 مفاعلا نوويا بحلول العالم 2032 سيولد طاقة نووية تقدر ب 17.6 جيغاواط وهو مايكفي لتزويد 12 مليون منزل سعودي بالطاقة الكهربائية.
ب- البعد العلمي والتكنولوجي: تمثل هذا البعد في امتلاك تقنية تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجة البلوتونيوم، والاستعمال السلمي للتقنية النووية وتأهيل الكوادر البشرية المتخصصة في المجال النووي، والتنافس النووي مع عدد من دول المنطقة.
1 - امتلاك المملكة لتقنية دورة الوقود النووي:
تمثل تقنية دورة الوقود النووي الخطوة الأولى للمملكة في طريق الاكتفاء الذاتي في إنتاج الوقود النووي الذي سيسهم في تأهيل علماء سعوديين متخصصين في عملية استكشاف وإنتاج اليورانيوم وتوظيف الخبرات المكتسبة في هذا المشروع لتطوير موارد المملكة الطبيعية من اليورانيوم مما سيوفر فرص وظيفية واستثمارية، ويسهم اكتساب تقنية جديدة في استخلاص وإنتاج خامات اليورانيوم.
وتعد دورة الوقود النووي من المكوّنات الرئيسة للمشروع الوطني للطاقة الذرية بالمملكة. وتوجد في مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية المتجددة إدارة متخصصة تعمل على تطوير سياسات واستراتيجيات دورة الوقود النووي للبرنامج النووي السلمي السعودي من خلال العمل على توطين تقنيات مراحل إنتاج الوقود النووي التي تبدأ من عمليات استكشاف وتعدين خامات اليورانيوم، وتنتهي بتصنيع الوقود النووي. كما تُعنى الإدارة بالمرحلة الخلفية لدورة الوقود، والتي تتضمن التخزين المؤقت، والمعالجة، وإعادة التدوير، وكذلك التخزين الجيولوجي الدائم للنفايات النووية (مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية المتجددة، 2020م، مرجع سابق).
وقد ذكر معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى أن المملكة تريد التمتع بحقها في إنتاج الوقود النووي على أراضيها من خلال تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجة البلوتونيوم من وقود المفاعل المستهلك، وأن إدارة ترامب، كما يعتقد بعض المسؤولين الذين يشاركون في الخطط النووية للمملكة، قد تدعم المملكة في توجهها نحو تخصيب اليورانيوم، وأن هذا التوجه يسهم في إحياء القطاع النووي الأمريكي المحتضر.
أبرز الأبعاد الاستراتيجية لمشروع الطاقة النووية في المملكة الاقتصاد والتكنولوجيا والأمن
2 - الاستعمال السلمي للتقنية النووية: ترى المملكة أن من حقها السيادي الحصول على التقنيات النووية الخاصة بها، مؤكدة في الوقت ذاته على استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية البحتة، وهي في سبيل ذلك ترفض منعها من ممارسة هذا الحق. وأوردت صحيفة نيويورك تايمز أن المملكة تؤكد على أن المفاعلات سوف تستخدم فقط لتوليد الطاقة للأغراض المنزلية حتى تتمكن من توفير احتياطات ضخمة من النفط وتصدير مزيد منها لكسب مزيد من الدخل.
3 - تأهيل الكوادر البشرية المتخصصة في المجال النووي: إن أول أولويات المملكة في المراحل الأولى من برنامجها النووي هو تدريب كادر من العلماء والمهندسين النوويين. كما ذكر معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى أن المملكة تجري أبحاثاً موسعة في مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة، وتعد كوادر من العلماء والمهندسين النوويين.
4 - التنافس التكنولوجي مع عدد من دول المنطقة:
يبلغ عدد الدول النامية التي تستخدم الطاقة النووية في إنتاج الكهرباء نحو 12 دولة. كما أن 50 % من المفاعلات قيد التشييد عبر العالم يتم تدشينها في الدول النامية. وظهرت في العقدين الأوليين من القرن الحادي والعشرين رغبة متزايدة لدى دول الشرق الأوسط في الولوج إلى النادي النووي سواء لأغراض التعامل مع معضلة الطاقة، أو لاعتبارات اقتصادية وبيئية، أو حتى لحسابات جيو-استراتيجية تنطلق من الرغبة في «التحرك الوقائي» لإنهاء أي فجوة محتملة على مستوى الإقليم.
وتمثل البرامج النووية الحالية تحولا مهما في تاريخ النشاطات النووية بالمنطقة، بحسبانها تحمل منذ البداية ملامح «سلمية بالكامل»، بعكس برامج إيران النووية ومن قبلها العراق وليبيا. وشهدت الفترة الماضية ملامح بداية موجة من الانتشار النووي المدني في الإقليم، بخلاف ما حدث في الحالات السابقة التي أقيمت البرامج في إطارها سرا أو ظهرت فجأة، بما في ذلك البرامج البحثية، ومن ثم، ستؤدي الطريقة التي ستتعامل بها كثير من قوى الإقليم مع ما تطرحه تلك المشكلات عمليا إلى تشكيل مساحة كبيرة من ملامح الواقع النووي الجديد في الإقليم، وهو وضع تشير أغلب التقديرات إلى أن أدوار القيادة فيه تضطلع بها المملكة العربية السعودية بالنظر إلى جدية التوجه وطبيعة السياسات وأنماط الإجراءات السريعة بالمقارنة بمختلف المشاريع المماثلة على مسرح عمليات الإقليم (عبد القادر، 2019م).
وذكر عدد من التقارير الدولية أن أحد أهداف البرنامج النووي السعودي هو التنافس مع التكنولوجيا النووية الإيرانية، وأن المملكة تريد أن تصبح في مقدمة دول الشرق الأوسط في امتلاك التقنية النووية السلمية.
ج- البعد الأمني:
كثيراً ما تخطو إيران نحو الحروب والصراعات، بينما خطى المملكة لا تنقطع نحو السلم والأمن. كما أن إيران تتبع دوماً استراتيجيات متنوعة لشراء الوقت من أجل اكتساب قدرات نووية عسكرية، في وقت تسعى فيه المملكة إلى تعزيز قدراتها القتالية وإمكانياتها التكنولوجية بما يشمله ذلك من ضرورة تملك تكنولوجيا نووية «مدنية»، تجعلها دولة «عتبة نووية». ويتأسس مشروع المملكة على المكانة وينسجم مع مقتضيات الريادة، والسلام الذي يتطلب قوة تحميه وتضمنه، على العكس من طهران التي تمتلك أجندة لأدوار إقليمية تقوم على توظيف القدرات العسكرية على ساحات دول الجوار، بما يدعم النفوذ ويعزز المصالح القائمة على تعزيز النزاعات ومراكمة التوترات على مسارح الشرق الأوسط المختلفة.
ورغم تأكيده على سلمية المشروع السعودي قال ولي عهد المملكة الأمير محمد بن سلمان «إن المملكة من حقها امتلاك أسلحة نووية، حال ما أقدمت طهران على امتلاك أسلحة نووية»، وأضاف في مقابلة أجراها من قناة «CBS» الأميركيَّة أثناء زيارته للولايات المتحدة الأميركية أن السعودية لا تريد الحصول على قنابل نووية، غير أنها في الوقت عينه لن تسمح بحدوث خلل في توازنات القوى الإقليمية»، مؤكدا أن إيران ليست في موضع يسمح لها بمنافسة السعودية، فجيشها ليس من بين الجيوش الخمسة الأوائل في العالم الإسلامي، فضلاً عن أن الاقتصاد السعودي أكبر من الاقتصاد الإيرانيّ، هذا إضافة إلى كونها بعيدة عن أن تكون في وضع موازٍ أو مساوٍ للمملكة العربية السعودية بثقلها السياسي وقدراتها العسكرية وإمكانياتها الاقتصادية (الزيد،2019م، مرجع سابق).
المبحث السادس: التنافس العالمي على الاستثمار في مشروع المملكة للطاقة النووية.
تستخدم روسيا والصين تجارة التكنولوجيا النووية المدنية لكسب النفوذ في المناطق الاستراتيجية في العالم، لا سيما في أوروبا الشرقية وجنوب آسيا والشرق الأوسط. ففي الوقت الذي تراجعت فيه حصة موردي الطاقة النووية الغربيين في السوق النووية العالمية وأعلن بعضهم إفلاسه، فإن الشركات الصينية والروسية المملوكة للدولة تسارع إلى ملء فراغ إمدادات الطاقة النووية بعروض منافسة واستثمارات رأسمالية مغرية. فمع إعلان المملكة العربية السعودية عن عزمها بناء 16 مفاعلاً نووياً للاستخدامات السلمية خلال العشرين إلى الخمسة والعشرين عاماً القادمة ضمن أطر الاستجابة لرؤية 2030 اشتدت المنافسة بين الشركات العالمية العملاقة والمتخصصة في مجال الطاقة النووية على بناء المفاعلات النووية السعودية، إذ تنوي المملكة بناء 16 مفاعلاً للاستخدامات السلمية خلال العشرين إلى الخمسة والعشرين عاماً القادمة باستثمارات تصل إلى 80 مليار دولا، بهدف تقليص الاستهلاك المحلي للنفط، وبناء قدرة لتوليد الكهرباء من الطاقة النووية تبلغ 17.6 جيغاواط بحلول 2032.
وقد أعلنت مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة أن المملكة تلقت طلبات من خمس شركات دولية من الصين وفرنسا والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية وروسيا للقيام بأعمال الهندسة والبناء على مفاعلين نوويين، إذ تعتزم المملكة البدء في بناء مفاعلين نوويين بقدرة 2.8 جيغاواط.
وتبدي الولايات المتحدة اهتماماً شديداً بالموضوع وبخاصة بعد إعلان روسيا أنها تقدمت رسمياً لبناء مفاعلات نووية لإنتاج الكهرباء في المملكة.
وتدرس الإدارة الأميركية السماح للمملكة بتخصيب اليورانيوم لأهداف سلمية داخل أراضي المملكة، وهو ما قد يعطي أفضلية للشركات الأميركية التي ترغب في بناء مفاعلات في المملكة، مثل شركة «ويستنغهاوس إلكتريك»، علماً أن لدى الحكومة الأميركية اتفاقيات مع بعض الدول تمنعها من السماح لها بتخصيب اليورانيوم مقابل نقل التقنية النووية إليها. وكانت مسألة تخصيب اليورانيوم في المملكة من بين المسائل التي عرقلت المفاوضات في عهد إدارة الرئيس السابق باراك أوباما.
كما أعلن وزير الطاقة الروسي ألكساندر نوفاك في الرياض أن شركة «روس أتوم» الروسية تقدمت بطلب رسمي إلى حكومة المملكة من أجل بناء مفاعلات نووية في المملكة. وهذا ما أكدته وكالة الأنباء الروسية، إذ أشارت إلى دخول مؤسسة «روس أتوم» الحكومية للطاقة النووية المرحلة الثانية من المنافسة على بناء محطة للطاقة النووية في المملكة العربية السعودية، وذلك في شهر يوليو 2018م.
وتشارك في دائرة المنافسة على مشروع بناء المفاعلات النووية السعودية شركة «إي دي إف» الفرنسية وهي شركة المرافق الحكومية الفرنسية، فوفقاً لموقع فرانس 24 تسعى الشركات الفرنسية إلى منافسة شركات روسية وصينية وكورية جنوبية إلى الحصول على عقود مع المملكة لبناء مفاعلاتها النووي، كما أشار الموقع ذاته إلى اتفاقيات تعزيز التعاون النووي بين المملكة وعشر دول متنافسة بينها فرنسا.
وكذلك المؤسسة الوطنية الصينية للصناعة النووية (سي إن إن سي)، وهي شركة تطوير المشروعات النووية الحكومية الرائدة في الصين التي وقعت مذكرة تفاهم مع هيئة المساحة الجيولوجية السعودية «لتوثيق التعاون القائم بين الجانبين في مجال استكشاف وتقييم مصادر اليورانيوم والثوريوم». وأشارت إلى العلاقات النووية بين المملكة والصين صحيفة «تشاينا ديلي» الصينية، حيث ذكرت أنه في أغسطس 2017م وقعت شركة الصين الوطنية النووية والمملكة العربية السعودية اتفاقيات تعاون في مجال الطاقة النووية.
(30) دولة حول العالم تمتلك المفاعلات النووية.. وأميركا في الصدارة
وتدخل ضمن دائرة التنافس العالمي على الاستثمار في مشروع الطاقة النووية السعودي الشركة الكورية الجنوبية للطاقة الكهربائية (KEPCO) ذات الخبرة في مجال بناء المفاعلات النووية في البيئات الحارة، وقد عقدت الشركة الكورية عدة اجتماعات مع الشركات السعودية ذات العلاقة وقامت بحملة ترويجية في المملكة للتعريف بنشاطات وقدرات الشركة.
وفيما يتعلق بدخول الشركات الأمريكية في حالة التنافس مع الشركات العالمية الأخرى للفوز بعقود بناء المفاعلات النووية في المملكة تظهر
مسألة «المعيار الذهبي للطاقة النووية» وهو مجموعة الشروط التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية في اتفاقاتها النووية مع الدول الأخرى فيما يتعلق بتخصيب اليورانيوم، وترى فيها ضماناً لمنع انتشار الأسلحة النووية، كما هو الحال في الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة الأمريكية وتايوان، حيث تكون هناك التزامات ملزمة قانونياً من قبل الشركاء الأمريكيين بعدم الانخراط في أي عمليات تخصيب أو إعادة معالجة، ليس فقط للمواد النووية التي تزودها الولايات المتحدة أو المواد النووية المستخدمة في أو المنتجة من مفاعل مجهز من الولايات المتحدة، ولكن أيضا لموادها النووية أو موادها الخاصة التي تم الحصول عليها من موردين غير أمريكيين.
وتتكامل مع المعيار الذهبي للطاقة النووية سياسة «الحد من الانتشار النووي» التي أشار إليها سايمون هندرسون مدير برنامج سياسات الخليج والطاقة بمعهد واشنطن في تقريره المؤرخ في 28 فبراير 2018م أن المكان الأخير الذي يمكن أن تتخلى فيه الولايات المتحدة عن المعيار الذهبي للتعاون النووي السلمي الأمريكي هو في منطقة سبق أن تعرضت فيها ثلاث محطات نووية «سلمية» للقصف على يد دول مجاورة معادية»، في إشارةٍ إلى إقدام العراق على قصف مفاعل بوشهر الإيراني في ثمانينيات القرن الماضي، وقيام إسرائيل بتدمير المفاعلين السوري والعراقي.وأضاف: «إذا كانت الولايات المتحدة ترغب في التعاون مع المملكة في المجال النووي السلمي، ستحتاج إلى اعتماد مقاربة بين النهج الأمريكي في حظر الانتشار، وحق المملكة على إقامة دورة وقود نووي».
وبمقابل المعيار الذهبي وسياسة الحد من الانتشار النووي تدرك الشركات الأمريكية الراغبة في دخول المنافسة الدولية على مشروع الطاقة النووية في المملكة أن للمملكة حق سيادي في تخصيب اليورانيوم، حيث أورد عدد من التقارير الدولية ضمن تحليلاته الاستراتيجية أن المملكة تريد التمتع بحقها السيادي في السعي لامتلاك التقنيات النووية الخاصة بها للأغراض السلمية.
النتائج
1 - بلغ عدد مفاعلات القوى النووية العاملة للأغراض السلمية في العالم حتى عام 2020م، 441 مفاعلاً، ويُضاف إليها أربعة مفاعلات نووية عاملة في تايوان ليصبح العدد الإجمالي (445) مفاعلاً.
2 - تتوزع المفاعلات النووية العاملة للأغراض السلمية في العالم على ثلاثين دولة.
3 - تقدر قدرة المفاعلات النووية العاملة في العالم_البالغ عددها (441) مفاعلاً، على توليد الكهرباء ب(389979) ميغاواط. ويضاف إليها (3844) ميغاواط تنتجها المفاعلات التايوانية الأربعة، فيصبح إجمالي السعة الكهربائية الصافية ل (445) مفاعلاً نووياً في مختلف مناطق العالم هو (393823) ميغاواط.
4 - هناك (54) مفاعلاً قيد التشييد في العالم حتى عام 2020م موزعة على عشرين دولة، وبقدرة إجمالية على توليد الطاقة الكهربائية (60041) ميغاواط.
5 - تؤدي مفاعلات البحوث العاملة، البالغ عددها 252 مفاعلاً في 55 بلداً، دوراً مهماً في دعم قطاعات الطب والصناعة والتعليم والقوى النووية.
6 - هناك أهمية كبيرة للطاقة النووية في الاستخدامات السلمية التي تسهم في تحقيق التنمية المستدامة.
7 - يأتي مشروع الطاقة النووية في المملكة استجابة لرؤيتها 2030 بهدف تحقيق معدلات تنموية عالية تنعكس على مختلف ميادين حياة المجتمع السعودي.
8 - يعد مشروع الطاقة النووية في المملكة مشروعاً استراتيجيا ذا أبعاد علمية وأمنية واقتصادية تحقق توازناً استراتيجياً لها على مستوى منطقة الشرق الأوسط.
9 - تأكيد المملكة على سلمية برنامجها النووي وحصره في الاستخدامات المدنية البحتة.
10 - تأكيد المملكة على حقها السيادي في تخصب اليورانيوم على أرضها، فمن حقها الاستفادة واستغلال مواردها الطبيعية بعيداً عن الأغراض العسكرية.
11 - تأكيد المملكة على التزامها بالقوانين الدولية وضوابط الوكالة الدولية للطاقة النووية.
12 - هناك حالة من المنافسة القوية بين الشركات العالمية على بناء المفاعلات النووية السعودية، وبخاصة بين الشركات الأمريكية والصينية والروسية والفرنسية والكورية الجنوبية.
المراجع
أحمد، علي، 2018م، برنامج الطاقة النووية السلمية في الشرق الأوسط: تحليل وتقييم. مركز الخليج للأبحاث.
الوكالة الدولية للطاقة الذرية (2020م). قاعدة بيانات مفاعلات الطاقة النووية. متاح عبر: https://pris.iaea.org/
الوكالة الدولية للطاقة الذرية (2019م). استعراض التكنولوجيا النووية، تقرير عام 2019م.
الوكالة الدولية للطاقة الذرية (2018م). التقرير السنوي لعام 2018م.
مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية المتجددة (2020م). المشروع الوطني للطاقة الذرية. متاح عبر: https://www.energy.gov.sa/
سايمون هندرسون، (2018م). محطات الطاقة النووية السعودية وخطر الانتشار. معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، 28 فبراير.
قوريدة، أحمد، وباهي، سليم، (2017م). أبعاد الاستخدام السلمي للطاقة النووية وتأثيره على العلاقات الدولية. الجزائر: جامعة زيان عاشورالجلفة.
الدبور، عمر، والخولي، أحمد (2018م). الموازنة بين حق الدولة في الاستخدام السلمي للطاقة النووية والحق في بيئة سليمة «مفاعل الضبعة النووي نموذجاً ومثالاً». طنطا: جامعة طنطا.
عبد القادر، محمد، (2019م) البرامج النووية في الشرق الأوسط «الوضوح البنّاء» السعودي في مواجهة «الغموض الهدّام» الإيراني. مجلة المجلة، العدد 08 مايو,متاح عبر: https://arb.majalla.com/
الزيد، صالح (2019م). نائب رئيس «روس أتوم»: نتعاون مع السعودية لبناء مفاعلات نووية صغيرة. صحيفة الشرق الأوسط، العدد رقم (14930). 14 أكتوبر، متاح عبر: https://aawsat.com/
صحيفة العرب، (2019م). الرياض تفتح مزاد تنفيذ مشروعها النووي الطموح في 2020م. العدد الصادر في 5 أبريل، متاح عبر: https://alarab.co.uk/
دراسة - د. ياسر عبدالكريم الخميس - جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية - صدرت عن مركز الرياض للدراسات السياسية والاستراتيجية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.