توفي يوم الثلاثاء الماضي آخر أمين عام للحزب الشيوعي السوفيتي وأول رئيس للاتحاد السوفيتي ميخائيل غورباتشوف- الشخصية السياسية الذي لعبت دوراً كبيراً في تغيير بلاده والعالم. وبرحيله يكون الستار قد أسدل على مرحلة بكاملها من التصورات والطموحات والأحلام- فبناء عالم يتساوى فيه الجميع أمر غير ممكن، ولا يعدو عن كونه حلم من أحلام الفلاسفة أو بعضهم. وهنا يبرز أمامنا نهجان، أو فلنقل نموذجان للتخلص من أحلام الفلاسفة واوهامهم: النموذج السوفيتي، والنموذج الصيني. فالنموذج الأول يمكن مقارنته بالنموذج الأمريكي، أي النموذج السريع، الذي مكن الولاياتالمتحدة خلال فترة وجيزة من تخطي الجميع والتربع على سدة العالم. أما النموذج الثاني فهو يشبه النموذج البروسي. ولذلك لم ينجح النموذج السوفيتي الذي اتبعه غورباتشوف وفيما بعد يلتسين. فالاتحاد السوفيتي لا يمكن أن يتطور وفق النموذج الأميركي. إذ، أن هناك اختلافات بين البلدين وتباعد بينهما. وأول هذه الاختلافات ما أشار إليه عالمي الجغرافيا والسياسة: هالفورد ماكندر البريطاني والكسندر دوغين الروسي. فالاتحاد السوفيتي بلد يغلب عليه الطابع القاري، في حين أن الولاياتالمتحدة بلد بحري يقع بين محيطين. أما الاختلاف الجوهري الثاني فهو الجذور التاريخية. فالبلدان المكونة للاتحاد السوفيتي لديها تاريخ تمتد عروقه عبر مئات بل وآلاف السنيين، كما هو حال الروس والأرمن والأوزبك وغيرهم. وهذا بدوره يعطي وزن كبير للتقاليد والعادات، التي قد يحول بعضها دون إجراء التغيرات والإصلاحات المطلوبة، في حين أن تاريخ المجتمع في الولاياتالمتحدة جديد، وهو بالتالي مستعد للتغير والإصلاحات دونما مقاومة. أما النموذج البروسي الذي اعتمدته الصين فقد نجح. فهذا النموذج تحقق في بروسيا القارية، على يد شريحة تقليدية، قادت ألمانيا نحو عصر الحداثة والرأسمالية بشكل تدريجي، ولكن بصورة إجبارية. بالضبط مثلما حدث في الصين، عندما قاد الزعيم الإصلاحي دينج شياو بينج التغيرات في بلده، على النحو الذي فعله أوتو فون بسمارك في ألمانيا. واليوم لا يخالج أحد شك، في أن النموذج البروسي هو أنسب للمجتمعات التقليدية التي تطمح في التغير والانتقال إلى مجتمع متعدد وأكثر تقدم. فالصين التي سارت وفق النموذج البروسي، لم تستعجل في تحقيق الإصلاحات الاقتصادية. ولو أن غورباتشوف فضل التحول التدريجي نحو التعددية واقتصاد السوق لحصل على نتائج أفضل لبلده. لأن التطور الصناعي وفقاً لآلية العرض والطلب كفيلة بتغيير الاقتصاد والمجتمع بشكل تدريجي. والسبب يعود إلى أن التطور في هذه الحالة لا بد وأن يمر بالدورة الاقتصادية التي تتكون من مرحلتين رئيستين مختلفتين هما: الازدهار والأزمة. وهذا بحد ذاته كفيل بخلق الظروف الموضوعية للتعددية وتطور الاقتصاد والمجتمع.