إعلان الطوارئ وسقوط العديد من القتلى وملايين النازحين تعيش باكستان واحدة من أسوأ الكوارث التي مرت عليها منذ الاستقلال، إن لم تكن الأسوأ في تاريخها، كون هذه الكارثة جعلت مايزيد على 40 مليون باكستاني في العراء؛ بلا غذاء ولا دواء، مع استمرار هطول الأمطار والتي صنفت على أنها الأشد منذ عقود، فضلا عن نزوح الملايين، وأعلنت الحكومة الباكستانية على الفور حالة الطوارئ. ودخل الجيش الباكستاني على خط الأزمة تعزيزا لدور الحكومة في إجلاء المحاصرين وتقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية للمتضررين، إلى جانب مخيمات للنازحين في الأقاليم الأشد تضررا. وقام قائد أركان الجيش الجنرال قمر حيات باجوا بجولة على عدد من القرى والمدن المنكوبة لتلبية احتياجاتهم الإغاثية الفورية، فيما قام رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف بجولة مماثلة في إقليم السند وبلوجستان ووجه بتقديم مساعدات مادية وإغاثية فورية للمتضررين. ولقي أكثر من 5000 شخص مصرعهم بحسب إحصائيات غير رسمية ودمرت شبكات الطرق وجرفت الجسور ولم يكن بالإمكان الإغاثة إلا بنشر المروحيات. بدورها قالت وزيرة الإعلام مريم أورنغ زيب ل"الرياض": "منظومة الحكومة بكاملها منخرطة في إجلاء المحاصرين، وتقديم المساعدات للمتضررين جنوب السند وشمال غرب خيبر باختونخوا وشرق البنجاب ومقاطعات بلوشستان الجنوبية الغربية". مناشدة العالم بدعم الشعب الباكستاني وأوضحت وزيرة التغير المناخي والبيئة شيري رحمن ل"الرياض" أن الفيضانات لم يكن أحد يتوقعها، وحثت الدول والمنظمات العالمية بتقديم الدعم الإغاثي العاجل. واستجابة لنداء شريف للحصول على مساعدات دولية، خططت الأممالمتحدة لتوجيه نداء عاجل سيُطلق في 30 أغسطس بقيمة 160 مليون دولار للتبرعات لباكستان. وذكرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية، أن الفيضانات التي تشهدها باكستان، تسببت في أضرار واسعة النطاق وسيكون لها تداعيات سلبية للغاية على الانتعاش الاقتصادي المنتظر بعد قرار صندوق النقد الدولي "الحاسم" بشأن حزمة مالية عاجلة لإسلام أباد بقيمة 1.2 مليار دولار. وناشدت القيادات الباكستانية المجتمع الدولي والمنظمات الإغاثية العالمية تقديم المساعدات الإنسانية والأغذية، مؤكدة أن الأزمة الخانقة تتجاوز قدرة الحكومة في التعامل معها في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية. فيما قال رئيس الوزراء شهباز شريف بعد زيارة المناطق التي غمرتها السيول: "حجم الكارثة أكبر مما كان متوقعاً"، وأضاف، أن بلاده بأكملها تضررت بشدة من الفيضانات المفاجئة بسبب الأمطار الموسمية المتواصلة، معلناً العزم على التغلب على المشكلات بجهود جماعية، مناشدا الإغاثة الدولية في مكافحة أضرار الفيضانات القاتلة التي تضرب باكستان. واجتاحت باكستان في الأسابيع الأخيرة، كل من السند وبلوشستان وخيبر بختون خوا، والبنجاب. وتلقت السند ما يقرب من ثمانية أضعاف متوسط كمية الأمطار في أغسطس، وفقًا لبيانات حكومية، مما أدى إلى القضاء على محاصيل زراعية مهمة مثل الأرز والقطن بالكامل. وقدر مسؤولون أن أكثر من 40 مليون شخص قد تأثروا، أي نحو 18 % من سكان باكستان، بينما أجبر الآلاف على ترك منازلهم. وعانت جنوب آسيا من أحداث مناخية قاسية في الأشهر الأخيرة، مع موجات الحر التي تلتها أمطار غزيرة قتلت آلاف الأشخاص في جميع أنحاء الهند وبنغلاديش وأفغانستان. وفاقمت الفيضانات من ضائقة باكستان المالية، فمن المتوقع أن يوافق مجلس إدارة صندوق النقد الدولي اليوم الاثنين على صرف 1.2 مليار دولار لدعم احتياطيات البلاد من العملات الأجنبية المتضائلة، والتي باتت تكفي ما يقرب من خمسة أسابيع فقط من تغطية تكاليف الاستيراد، كما ارتفع معدل التضخم، حيث ارتفع مؤشر المواد المهمة مثل الطعام والضروريات الأخرى الأسبوع الماضي إلى 45 % على أساس سنوي. وستواجه باكستان مشكلة في فواتير الاستيراد الخاصة كما سيتاثر احتياطي النقد الأجنبي، كون باكستان تستورد الغذاء بشكل كبير مما سيؤثر على الميزان التجاري وستضعف الروبية أكثر. ويتخوف المستثمرون من أن تحذو باكستان حذو سري لانكا في التخلف عن سداد ديونها -على الرغم من أن احتمالية إقرار المساعدة القادمة من صندوق النقد الدولي- وهي جزء من حزمة بقيمة سبعة مليارات دولار تم إطلاقها في عام 2019 - خففت إلى حد كبير هذه المخاوف، وقامت الصين مؤخرا بتقديم أكثر من ملياري دولار لإسلام أباد، في حين وافقت المملكة العربية السعودية على تجديد وديعة بقيمة ثلاثة مليارات دولار في البنك المركزي الباكستاني. وبحسب مصادر باكستانية فإن إن فيضانات إقليم خيبر بختونخوا، دمرت بوابات نظام رئيسي للتحكم في المياه في نهر سوات، ما أدى إلى فيضانات في مقاطعتي تشارسادا ونوشيرا وهناك مخاوف من ارتفاع منسوب الانهار مما يزيد من بؤس السكان الذين يعانون بالفعل من خسائر في الأرواح والممتلكات. وتقول السلطات إن فيضانات هذا العام يمكن مقارنتها بفيضانات عام 2010 التي كانت الأسوأ على الإطلاق. وتحتل باكستان المرتبة الثامنة في مؤشر أخطار المناخ العالمي، وهي قائمة تعدها المنظمة البيئية غير الحكومية "جيرمن ووتش" للبلدان التي تعتبر الأكثر عرضة للظواهر الجوية القصوى الناجمة عن تغير المناخ. وفقا للهيئة الوطنية لإدارة الكوارث، تسببت الأمطار الموسمية منذ يونيو في إتلاف أكثر من 80 ألف هكتار من الأراضي المزروعة وتدمير 3100 كلم من الطرقات وجرف 149 جسرًا. وتتزامن الفيضانات مع أسوأ فترة اقتصادها تمر بها باكستان، وأزمات سياسية عميقة عصفت بها.