ولدت كغيرها بريئة، وتربت على أن تحقق ذاتها يوما من الأيام، وكانت تمني نفسها أن المستقبل سيكون جميلا مبهجا تحقق فيه آمالها وتصل إلى بغيتها. كبرت البريئة واقترب موعد تحقيق حلمها، وزاد قلقها دون أن تعرف سببا لهذا القلق، لكنها مازالت تمني نفسها أنه قلق محمود يتعرض له كل طامح! عملت بعدما درست سنين طوال علّها تقترب من تحقيق حلمها، وكانت أشد ما تكون في برها بأهلها وأصون ما تكون لنفسها، وفي يوم شديد البرودة نامت ورأت في المنام أن حلمك قد تبدد وانتقل إلى عالم آخر، فلا تنتظري الصباح وتصنعي قهوتك اليومية فإن ما بقي لك مجرد لحظات قليلة حتى تتحولي إلى ذاكرة، ويصبح حلمك مجرد تاريخ يروى ولا يشاهده أحد، واستفاقت من حلمها وهي تشعر بارتجاف شديد ولا تعرف هل كان سببه البرد القارس أم الخوف المشتعل؟! لكنها بددت حالتها الشعورية بقراءة أذكارها التي تعودت ألا تهملها. في صباح اليوم التالي وعلى غير عادتها لم تصنع قهوتها، وغادرت منزلها دون أن تودع والديها، وفي وسط الطريق تذكرت أنها ستسبب خوفًا لهما إن لم تسلم عليهما فقررت العودة للسلام عليهما، وعادت وكانا يتناولان الإفطار فجلست معهما وروحها ليست معها، أو أن روحها تستعد للخروج عنها، وكانت هذه هي المائدة الأخيرة! قتلها بعد ذلك ولم يعلم أنه قتل حياة كاملة، نسف تاريخا بأكمله، حطم قلبا مليئا بحب الحياة، وأسس لعادة سيئة وهي خيانة السند لمن كانت ترجو عونه! ماتت، ومات معها حلم الطفولة، وسيبقى الحزن عليها طويلا ولن يفارق المكان، وبقتلها ماتت أحلام الطفولة وكأنها تعرف مصيرها منذ لحظتها الأولى!