حُرم وزير العدل الأميركي ميريك غارلاند قبل سنوات من مقعدٍ في المحكمة العليا من قبل الجمهوريين في مجلس الشيوخ، لكنه يواجه الآن قراراً مهمّاً مثل أيّ قرار قد تتّخذه المحكمة العليا، يتمثّل في حسم أمره بشأن ملاحقة رئيس سابق للولايات المتحدة. القاضي السابق البالغ من العمر 69 عاماً كان قد صادق شخصياً على مذكّرة تفتيش دارة الرئيس السابق دونالد ترمب في فلوريدا، وبات عليه أن يقرّر ما إذا كان سيوجّه اتهاماً إليه. ستُعد هذه سابقة بالنسبة إلى رئيسٍ أميركي سابق، فقد مُنح ريتشارد نيكسون العفو من قبل خَلَفه جيرالد فورد قبل اتخاذ القرار بشأن توجيه الاتهام إليه في فضيحة «ووترغيت». يقول ستيفين شوين أستاذ الحقوق في جامعة إيلينوي شيكاغو إنّ «توجيه اتهام إلى رئيس سابق أيا كان السبب، هو فكرة غير عادية»، مضيفاً أن «ما فعله ترمب أمر غير عادي أيضاً». ويبدو أنّ تفتيش مقرّ إقامة ترمب في مارالاغو مرتبط بوجود وثائق سرية، لكن الرئيس السابق يخضع لتحقيقات أخرى بشأن جهوده لإلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية للعام 2020 ودوره في اعتداء أنصاره على مبنى الكونغرس (الكابيتول) في السادس من يناير 2021. وحتى الآن لم تجرِ ملاحقة الملياردير الأميركي بشأن أيّ من هذه القضايا، إلّا أنّ لجنة التحقيق البرلمانية بشأن الهجوم على الكابيتول توصّلت إلى خيوط يمكن لغارلاند متابعتها. يبقى الانتظار لمعرفة ما إذا كان سيقوم بذلك. ففيما أثار تفتيش مارالاغو عاصفة سياسية، يمكن أن يؤدّي إصدار لائحة اتهام بحق ترمب إلى صب الزيت على النار في بلد منقسم بشدّة. وفي هذا الإطار، يشير ستيفن شوين إلى أنّ ميريك غارلاند يملك ما يكفي من الحس السياسي لتقدير المخاطر، مضيفاً أنّّ لديه «عوامل أخرى من الصعب تقديرها». ويوضح «من جهة، يجب على غارلاند أن يفكّر في مهمته التي تتمثّل في فرض القانون ومن جهة أخرى، هو يعلم جيداً أن أي محاكمة جنائية لدونالد ترمب ستشجّع مؤيّديه، وأنه كان هناك عنف ضد عملاء فدراليين في السابق». من دون خوف أو تهاون اتهم دونالد ترمب وحلفاؤه الجمهوريون ميريك غارلاند الذي اختاره الرئيس الديموقراطي جو بايدن لمنصبه، ب»استغلال» وزارة العدل لأهداف سياسية. واحتجّ قطب العقارات السابق على أنّه «لم يحصل أيّ شيء مشابه لرئيس سابق للولايات المتحدة»، مؤكداً أنه ضحية «مطاردة ساحرات». وفي صفوف الديموقراطيين، اتّهم البعض ميريك غارلاند بالتأخر في توجيه اتهام إلى رئيس سابق كان يجب أن يكون وراء القضبان بتهمة التحريض على التمرّد، حسب رأيهم. وتعدّ القضايا التي تستحوذ على الاهتمام الإعلامي مألوفة بالنسبة لغارلاند. فقد كان قد قاد التحقيق في هجوم اليمين المتطرّف على المكاتب التابعة لمكتب التحقيقات الفدرالي في أوكلاهوما سيتي، الذي أسفر عن مقتل 168 شخصاً في 1995. كما قدّم إلى القضاء تيد كازينسكي الناشط البيئي الملقّب ب»يونابومبر»، الذي أرسل طروداً مفخّخة إلى الأكاديميين وشركات الطيران. وفي مارس 2016، اختاره باراك أوباما لعضوية المحكمة العليا، لكنّ الجمهوريين الذين كانوا يسيطرون على مجلس الشيوخ رفضوا التصويت على تعيينه حتى نهاية ولاية الرئيس الديموقراطي. وهكذا تمكّن دونالد ترمب من تعيين القاضي المحافظ نيل غورساتش. يحاول ميريك غارلاند عدم التعليق على التحقيقات الجارية في وزارة العدل. لكنّه أُجبر على الخروج عن صمته بعد الغضب الذي أشعله تفتيش مارالاغو. وشدّد على أنّ قرار تفتيش مارالاغو لم يُتخذ «باستخفاف»، مؤكّداً أنّ «القانون ينطبق على الجميع بإنصاف، من دون خوف أو تهاون»، ومشيراً إلى «المصلحة العامة المهمّة»، قبل ثلاثة أشهر من الانتخابات التشريعية لمنتصف الولاية.