تتنامى العلوم والفلسفات الجمالية Aesthetics كأحد علوم الإنسان وفرع من فروع الفلسفة كالحق والخير والأخلاق، منذ أن نشر ألكسندر بومقارتن العالم والفيلسوف في منتصف القرن الثامن عشر أفكاره الجديدة في مادة الفلسفة بكلية العلوم بالجامعات الألمانية، وسمّاها بالاستاطيقا أو فلسفة الجمال، وهو علم يدرس الإدراك الحسي والتأثريّة بقيم الفنون الجميلة والشعر والأدب والموسيقى، ويبحث في كيفية نقل الحواس المعلومات للعقل؟ ولماذا وكيف يتم الشعور بالمتعة للنفس والروح؟ تبنّى إيمانويل كانط وهيغل والمفكرون الفرنسيون ثم بقية الأوروبيون وساهموا في بناء علم الجمال نظريا مثل فريدرك نيتشه، شارل لالو، شوبنهاور، بنديتو كروتشيه، والإنجليزي ديفيد هيوم والأمريكي جون ديوي وجيروم ستولنز، والروسي تولستوي والإسباني الأمريكي جورج سانتيانا وغيرهم كثير، رغم اختلاف زوايا المنظور في رؤاهم الفنية والجمالية والنقدية؛ تبعا لتخصصاتهم واهتماماتهم البحثية. بحث علماء الجمال في ماهية الفنون عامة وجماليات الفنون البصرية وغرضيتها كالرسم والتصوير والنحت والعمارة والمسرح وجميع الوسائل الحديثة التي تظهر فيها الصورة كمادة ووسيلة اتصال جماهيرية، يدرسوها فلسفيا كعلم المنطق ولكنهم يسيروا بلا شروط، ويبحروا ويغوصوا بلا بوصلة، مثيرين تساؤلات ورؤى وتحليلات؛ تبعا لطبيعة الإنسان وموضوعه الفني، منذ البحث عن المبادئ الثابتة والقيم المتغيرة والثنائيات والتناغمات ومعايير الجمال المتبدلة التي تنبع من شكل وجوهر العمل الفني التي درسها فلاسفة الإغريق الأوائل مثل جوجياس وفيثاغورس وسقراط وأفلاطون وأرسطو، فاستنبطوا جماليات الطبيعة في مبادئ التناسب والانسجام والتناسق والتوافق والوحدة والتنوع والتوازن والإيقاع الحركي، وجميع القواعد التي تدرس جمالية أحاسيس الأشياء المرئية، كالشكل والجوهر، وتعريف الحس الجمالي الذي يجلب المتعة والسرور عند التعرّض للموضوع الفني من خلال تفاعلات العقل والمنطق والعاطفة والذكريات والوجدان، كما درسوا موضوع الفن ذاته، وغرضية العمل الفني ومدى تأثيره، ودراسة الفنان وظروف إبداعه للعمل، وتحليل مواقف الجمهور ومستوى ذوقه الفني وطبيعة تفضيلاته وحيثيات أحكامه وتوجهاته الجمالية. يبحث العلماء هذا في ظل الفروق الفردية والجنسية والتعددية الثقافية، كما درس شيلر، هنري برجسون، سوزان لانجر وهوسلر دور الحدس والخيال في إبداع القيم الجمالية في تصميم وتشكيل وبناء الأعمال الفنية في الخطوط والألوان والكتل والأشكال والخامة والملامس والأضواء والظلال. لذا، سعت بعض البحوث الجديدة لرقمنة الجماليات الإنسانية واختبار مقاييسها، وذلك بالتعامل مع كل ما يرد ويصدر منها بيانات نوعية تتطلب تجميع وتحليل رقمي، ومن ثم استخراج نتائج ذات طبيعة نوعية عن جودة الفن والفنان والجمهور. فعليا، مازالت هذه الدراسات تحبو بسبب قلّة الداعمين لها، ولا يمكننا لوم انخفاض الانفاق المجتمعي الحكومي والأهلي على علوم الجمال خصوصا وعلوم الإنسان عموما، ذلك يعود لضعف الوعي الجمالي والفني والفلسفي، المتمثّل في مستوى الإنتاج المعرفي المحلي العام، وهذا قابل للنقاش على الطاولة الصناعية المؤمنة والأكاديمية الفنية المتخصصة ونظم المعلومات التقنية المتقدمة، وفريق مصممين مبدع. في الحقيقة، إن في كل مجتمع هناك فئة مبدعة ومنتجة لسلع متنوعة يطلبها السوق، نعرفها من دراسة السوق، ومن جمع وتحليل بيانات حجم ونوع السلع المستوردة من الخارج لسد الفجوة بين المستهلك المحلي والمُصنّع الخارجي، ودراسة تحليلية نقدية للصادرات كما ونوعا من الناحية الفنية والجمالية التنافسية في تصميم المنتج وإجراءاته الصناعية، وهل تراعي الفروق الجمالية والتعددية الثقافية للدول المُصدّر لها؟ ووضع تلك البيانات مقابل مخرجات البحوث الجمالية المحلية التي تدرس السلوك الجمالي «إحساس، تفضيلات، أحكام، وخبرات، آراء، مواقف» عند الجمهور المستهلك، تنعكس المقارنات والحوارات والنقاشات العلمية الصناعية الجمالية على تطوير تصميم المنتجات المحلية برفع قيمتها الفنية والجمالية «المزايا التنافسية» كشل ولون، واستخدام وظيفي، وتغليف وتعليب، جميعها تبني الهوية الوطنية وتعكس المستوى الصناعي والذوق الجمالي للمجتمع المُصدِّر لهذه المنتجات. هنا مرحلة إبداعية تتطلب دراسة علوم وفلسفات الجمال ونظرياته واستيعاب مفاهيمه المختلفة، ورقمنتها من أجل تحليلها وتوضيح العلاقة الحية بين تصميم المنتج وتأثيره على سيكلوجية المستهلك الجمالية، واتخاذ قرارات حيال تطوير المنتجات الوطنية الحالية تدريجيا. ففلسفة الجمال النفعي الوظيفي «الاستاطيقا البراغماتية» وعلم الجمال التطبيقي، كباحث في الطرز والأشكال والأساليب الفنية الجمالية التزيينة والزخرفية، ومحللا لجميع جوانب تصميم المنتجات كشكل ووظيفة وتعليب وتغليف، والمقيّم لفكرة التصميم وأبعاد أخرى مثل الانفعال في التعبير، وسيميائية التصميم وما يحمله من دلالات ومعاني، والجوانب الأخلاقية في المنتج وعلاقته بالخير والشر، والمطوّر للاستدامة والهوية، وصداقة البيئة في إجراءات التصنيع، ونوع الخامات، وطرق الاستخدام، القواعد أثناء عمله وهي:- الغائية «هدف المنتج»، الاقتصادية «جدوى المنتج وتكلفة إنتاجه ومعدل ربحيته»، شكل المنتج، وظيفة المنتج، الانسجام بين الشكل والوظيفة، الاستخداماتية والأرجنوميكية «مقاييس جسم المستهلك»، الحركة، الوحدة، المرونة، الذوق، الأسلوب، دراسة المواد وتقنيات تشكيلها، إدارة المشاريع، التواصل مع الجمهور، تطوير الأعمال والمنتجات من خلال النقد، وغيرها من علوم إدارية وسوقية وبيئية. إن لتوظيف بيانات ومعلومات الجمال والإبداع والقيم التنافسية في تصميم المنتجات الوطنية إنما هو سعيٌ نحو الكمال ومن طبيعة التطور الدائم، وله مردود كبير في دعم الصادرات الوطنية وتخفيض الواردات الخارجية، برفع جودة الصناعات الوطنية بالتنافسية والقيم المضافة من حيث جماليات الشكل والوظيفة والاستخدام والتعليب والاتصال بالعملاء، كما من شأنه زيادة نسبة توطين مهنة مصمم منتجات صناعية بكفاءة في هذا القطاع المتنامي بقوة، والذي يستطيع استيعاب مئات ألوف الأيادي العاملة في أرجاء المملكة الشاسعة ذات التاريخ الفني والتجاري العريق والاقتصاد المتنوع الضخم والاستهلاك العالي، كما يُعزّز الهوية الوطنية ونشرها مع الصادرات، وتنمية الدخل الفردي والصناعي الجزئي والاقتصاد الكلي للمجتمع، وهذا يتسق مع تطلعات السعودية 2030، ويجني ثمار المعارف الجمالية وقطاف المهارات الفنية التصميمية الإنتاجية التصنيعية والقيم العربية والإسلامية الحضارية. *أكاديمي وفنان تشكيلي توظيف بيانات القيم التنافسية في تصميم المنتجات الوطنية د. عصام عبدالله العسيري*